تلقى عدد من المراقبين في الداخل والخارج قرار المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية (الحزب الرئيسي في الحكومة المغربية ذو المرجعية الإسلامية) باستبعاد الولاية الثالثة لعبد الإله بنكيران بكثير من الدهشة والاستغراب، بلغت عند البعض حد الادعاء بأن الحزب قام بعملية الإعدام الثاني للرجل بعد أن شكل إعفاؤه من رئاسة الحكومة الإعدام الأول. في المقابل، التفت البعض إلى الدرس الديمقراطي لقرار المجلس وكونه يعكس تجربة إسلاميي المغرب المتميزة في إدارة الآلية الديمقراطية الداخلية ورفض النموذج المشرقي الذي يهيمن عليه منطق المشيخة.
بيد أن عطب الطرحين معا، أنهما لا يقدمان تحليلا سياسيا دقيقا لطبيعة المرحلة،إذ ينتهي توصيفهما بالضرورة إلى نتائج معاكسة، فالأول، يفضي إلى أن بنكيران انتهى سياسيا، وأن الحزب سيفقد هويته النضالية، وينتهي كما انتهت الأحزاب الديمقراطية التي سبقته تدبيرية ثم إدارية، والثاني، يفضي إلى أن الحزب – بفضل الآلية الديمقراطية- سيتمكن من استعادة المبادرة.
عطب الطرح الأول أنه ينظر إلى شخصية عبد الإله بنكيران من زاوية المواقف التي تعرض لها، لا من زاوية الإمكان السياسي الذي يمتلكه، والوظيفة السياسية المستقبلية التي يمكن أن يضطلع بها، أما عطب الثاني، فإنه ينشر ضبابا كثيفا يمنع من رؤية الورطة التي يواجهها إسلاميو المغرب، إذ يبدو للمراقب الأجنبي، وربما حتى الفاعل الحزبي، أن الآلية الديمقراطية الداخلية خلقت الفرق والفارق، وجعلت العدالة والتنمية بعيدا عن أي مقارنة بالأحزاب السياسية الديمقراطية التي تعرضت للتحدي السياسي نفسه الذي يتعرض إليه اليوم، وأنه نجح في تحصين وحدة صفه، في حين يغمض الطرف عن مسؤولية الحزب في التراجع الديمقراطي الذي بدأت تتواتر مؤشراته، والذي أثر على شعبية الحزب وصورته لدى الجمهور بدليل النتائج المخيبة للآمال التي حصل عليها في عدد من الانتخابات التشريعية الجزئية.
عطب الطرح الأول أنه لا يستحضر الخلفية التاريخية لشخصية بنكيران لبناء توقع عن مستقبله السياسي، فليست هذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها بنكيران لنكسة تنظيمية تمس موقعه، فقد سبق أن تعرض أن أقيل مع تنظيم الجماعة الإسلامية من اللجنة الوطنية على خلفية بعض مواقفه، مع كل الدور الذي قام به للانشقاق عن الشبيبة الإسلامية وتدشين المراجعات التي أرست ما يعرف بالتوجه الجديد، كما تعرض لنكسة أخرى، لما سلب الحق في النطق الرسمي باسم «جمعية الجماعة الإسلامية» بعد تصريحه في الجامعة الصيفية للصحوة الإسلامية في بداية التسعينيات بأن «الدولة الإسلامية قائمة بالنسبة لنا»، ثم تلا ذلك انتخاب محمد يتيم رئيسا لحركة الإصلاح والتجديد، ثم تعرض لتحد آخر لا يقل قساوة عن سابقه، فعلى الرغم من كونه كان الأسبق للتأصيل لقضية المشاركة السياسية للإسلاميين، وأنه الذي تولى تدبير الحوار مع الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، إلا أن إدارة الحزب، ثم أمانته، عادت للدكتور سعد الدين العثماني الذي لم يغادر قيادة الحزب إلا مع المؤتمر السادس سنة 2008، وشغل بنكيران طيلة هذه المدة مهمة رئاسة المجلس الوطني وعضوية الأمانة العامة.
هذه المعطيات تقدم خلفية مهمة لمعرفة التركيبة النفسية والفكرية والسياسية لشخصية بنكيران، الذي يعرف داخل أوساط الإسلاميين في المغرب، بكونه يشتغل داخل المؤسسات، ويعارض فكرة الكرسي الفارغ، وأنه ينظر إلى المعارك نظرة استراتيجية، ولا ينفعل باللحظة السياسية، وأن عينه دائما على المستقبل، وأن الجانب النفسي وتداعياته لا يصنع مواقفه السياسية، ولا يؤثر على مساره السياسي. أما الطرح الثاني، فأكبر عطبه، أنه يتغافل عن التحولات العميقة التي يواجهها حزب العدالة والتنمية، ويغفل في الوقت نفسه الدور الكبير الذي قام به بنكيران للخروج بالحزب بهذه النتيجة.
أما حقيقة هذه التحولات فقد عكستها التركيبة السوسيولوجية للرافضين لقرار عودة بنكيران. فإذا استثنينا شريحة محدودة رفضت الولاية الثالثة لاعتبارات مبدئية ومسطرية، فإن الجزء المتبقي من هذه التركيبة – تبعا لحججه- أسس لموقفه من منطلق المحافظة والتخوف من الدخول مع السلطة في ما يسمى بلعبة البلوكاج (الانسداد) وتعريض مكتسبات الحزب سواء داخل الحكومة أو المؤسسات المنتخبة للاستهداف، إذ حضر في خطاب الحجج، موقف السلطة، وإكراهات الوضع الدولي والإقليمي وترامب واليمين المتطرف وعودة القوى المضادة للثورة والرافضة لتجربة الاندماج السياسي للإسلاميين، وغير ذلك من الحجج التي تؤسس لأطروحة الخوف والمحافظة، والأخطر من ذلك، حدوث تحولات غير مفهومة في تعبيرات بعض القيادات كانت على النقيض من مواقف أخرى سابقة، هذا فضلا عن بروز تعابير قيمية غير مسبوقة في إدارة الخلاف الداخلي.
والمفارقة، أن المراقب الداخلي والخارجي صور المعركة الداخلية في الحزب كما لو كانت بين بنكيران وبين المعارضين له، في حين أن بنكيران، من خلال مختلف مواقفه التي عبر عنها منذ إعفائه، كان يصب في إدارة المرحلة الدقيقة بأقل الخسائر مع المحافظة على تماسك الحزب. وهو ما نجح فيه من خلال دعم سعد الدين العثماني لتشكيل حكومته على الرغم من خلافه مع منهجيتها، ودعوته الإخوة إلى التفكير في المستقبل، وترك الخلاف السياسي حول كيفية تشكيل الحكومة. ودعا فريقي الحزب بالبرلمان ومجلس المستشارين لإسناد الحكومة. وبقي في منطقة الحياد في قضية الولاية الثالثة. وصرح بأنه غير معني بها، مع سهره على رفض أي تداول على أطروحة سياسية جديدة للحزب في ظل التباين الشديد بين مكوناته، وانتصاره لفكرة إعمال الآلية الديمقطراطية للحسم في قضية القيادة، ثم إقراره بنتائج المجلس الوطني واعتباره إياه قرارا مؤسساتيا لا رجعة فيه.
لهذه الاعتبارات كلها، التقدير أن المستقبل السياسي لبنكيران لم ينته، وأنه لن ينتظر أربع سنوات ليعود للمشهد السياسي، بل، أكبر الظن، أنه استوعب دروس المجلس الوطني، وراقب عن كثب التحولات التي تجري في حزبه، والاختراقات التي بدأت تأكل من أطرافه، وأن دوره سيكون حاسما في توجيه المؤتمر لاختيار القيادة، خصوصا إذا أوحت إليه كل هذه التطورات بضرورة أن يتولى الحزب مهمة التأطير السياسي للحكومة من موقع المسافة والتمايز وليس من موقع التطابق بين رئاسة الحكومة وقيادة الحزب، كما أن موقعه الجديد، سيحرره من كثير من الإكراهات، وسيدفع به نحو خوض معركة النضال الديمقراطي من موقع مجتمعي، وتجسير العلاقات مع مكونات الصف الديمقراطي، والاشتغال على بناء تحالفات موضوعية لهزم الإرادات المعاكسة للتوجه الديمقراطي.
٭ كاتب وباحث مغربي
بلال التليدي
بن كيران لم و لن يموت سياسيا. و للغرابة، امر ولايته الثالتة لم يحسم بعد. فقد وجه مؤتمرون
الى رئيس المؤتمر مذكرة لادراج المسألة في اجندة المؤتمر رغم رفضها من برلمان الحزب، و لهم
على ما يبدو ترسانة قانونية قوية، لان قانون الحزب يعتبر المؤتمر الوطني هو اعلى هيئة تقريرية،
لا يمكن مصادرة حقه في التقرير لمسائلة بعينها خصوصا المصيرية منها. و هناك امكانية مراسلة
رئيس المؤتمر مباشرة كما يفعلون الآن.
.
الخلاصة، القاعدة متشبتة برئيسها بن كيران، و ستعبر عن هذا بوضوح في مؤتمر الحزب.
.
انا في رأيي تمت عملية مصادرة فعلا … نرى المعارضين يبررون معارضتهم باحترام قوانين الحزب.
من يسمع هذا، قد يفكر انهم يفعلون نفس الشيئ في الحكومة دفاعا عن الديمقراطية !!!
لكن للاسف، هم شجعان امام بنكيران … نعامات امام أخنوش (رئيس الحكومة الفعلي) …
.
كما توقعت من قبل، مؤتمر الحزب ستكون فيه مفاجآت من العيار الثقيل، و نحن نرى أولى ارهاصاتها.
الذين صوتوا ضد تعديل المادة 16، من قاون الحزب فهموا أنه لا يمكن لحزب العدالة والتنمية أن يكون في الحكومة وفي ذات الوقت في المعارضة لأن نهج سياسة مزدوجة كهاته كانت ستكون مدمرة للحزب. وحسنا فعل المعارضون لتعديل المادة لان تفصيل قوانين الأحزاب على مقاس الأشخاص عمل غير ديموقراطي لان الشخص الذي نعدل من أجله المادة اليوم لانه هو الأصلح، قد نحتاج إلى تعديل المادة إياها مرة أخرى في المستقبل لأنه لا يزال هو الأصلح وفي هذه الحالة، يجب اختصار الطريق. و مبايعة الزعيم مدى الحياة!
في المانيا، بلد ديموقراطي بامتياز، لا أحد يعتبر ميركل زعيمة مدى الحياة، بل زعيمة فذة،
.
لا يجب استبدالها و هي في اوج عطائها، من أجل المساطر …
.
ميركل في عهدتها الرابعة، و كل عهدة من خمس سنوات. الناس تكتب المساطر و ليس العكس.
.
يا اخي عبد المجيد، “on ne change pas une équipe qui gagne”
.
راني قلتها ليك في خط تحرير تعليقاتي، الآن، بن كيران هو مومو عينيا :)
تقتضي الموضوعية أن نقول إن السيد عبد الإله بنكيران قد فشل في تشكيل الحكومة؛ لأنه لم يعمل بمقتضى القاعدة الذهبية التي يعرفها كل من يشتغل بالسياسة وهي (السياسة فن الممكن)
فعندما تفوز بأقل من ثلث مقاعد البرلمان وتصرح بأنك قد فزت بثقة الشعب فهذا خطأ فادح ( ميركل – مادمنا بصدد القياس بميركل- فازت – في ما أعتقد- بما يقارب النصف من المقاعد ولم تقل إنها فازت بثقة الشعب! ) ثم حين تتمترس خلف حزب التقدم والإشتراكية، وحزب الإستقلال وتقول للآخرين تعالوا هذه هي شروطي فليس بديهيا أن يأتوا إليك دون قيد أوشرط لأنك تتعامل مع أحزاب تريد أن تقيم معها إئتلافا لتشكيل الحكومة وليس أشخاصا عاطلين عن العمل ستمنحهم وظائف عليهم أن يملأوا استمارات لتسلم الشغل والبدء في (الدوام) !
أنا أقول إن السيد بنكيران فشل وأنت- أخي ابن الوليد- تقول هم أفشلوه! النتيجة واحدة: الفشل. هو ساعدهم كي يفشلوه لأنه فضل التفاوض معهم حول مائدة مستطيلة وليست مستديرة!
إذا أراد أحد أن يخدعك فتخادعت له فقد خدعك!
نقاش جميل وجيد ..بين اخوين عزيزين يمتلكان قدرات ملموسة في التحليل والتدقيق وقياس المعطيات…، وانا اشعر بالفخر عندما ارى ابناء بلدي بهذا المستوى المعرفي المتميز …وبهذا الاسلوب الحضاري الفريد في النقاش وتبادل الاراء….وشكرا.