بيروت – «القدس العربي» : حلول معرض بيروت العربي الدولي للكتاب في الجرء الأول من شهر كانون الأول/ ديسمبر من كل عام، بات طقساً يهتم به اللبنانيون والمقميون وخاصة العاصمة بيروت. من مستلزمات هذا الطقس ترافقه مع زحمة سير خانقة تؤدي لبطء في الوصول إلى حيث المعرض في «البيال». فالطرقات المؤدية إلى المكان تزدحم بالسيارات الخاصة والعمومية وباصات المدارس التي تحرص على مرافقة تلامذتها إلى هذه الفعالية المعرفية والثقافية. يضاف إلى ذلك نشاط غير محدود للبنانيين بمناسبة عيدي الميلاد ورأس السنة.
مساحة المعرض الإجمالية لهذا العام تقارب السبعة آلاف متر مربع، تشغلها 165 داراً لبنانياً، و65 داراً عربياً من بينها تلك التي تحمل اسم الدول. وبلغنا بأن دوراً أخرى تعذّر إيجاد مساحة لها. ورغم المساحة الرحبة جداً التي تشغلها الكافيتريا على كتف معرض اللوحات التشكيلية وصالتي النشاط الثقافي والفني، ففي كل العشيات لا تتسع لموطئ قدم. باتت مكاناً لطيفاً للمواعيد والاستراحة من عناء أوزان الكتب المختارة من هذا الدار أو ذاك.
الحركة نشطة وملحوظة جداً في أغلب ممرات المعرض، تتراجع نسبياً في أجنحة دور النشر. واستدعاءات هذا الزحمة أن المعرض بات يشكل من خلال فعاليات تواقيع الكتب التي تبلغ المئات ساحة للعلاقات العامة. وهذا ما تشي به أناقة عالية وربما مبالغ بها للسيدات والسادة في بعض الأجنحة حيث التواقيع على قدم وساق، وحيث الازهار والحلوى لزوم الضيافة. إذ يتيح المعرض حفل توقيع لكل من يرغب بجديد تحت شعار لكل انسان حق المحاولة في الكتابة، وللزمن أن يغربل، وأن يحدد من يستمر.
باتت بعض دور النشر تتقن التسويق تماماً كما هو حاصل في أي سلعة استهلاكية. كأن تقرأ في الاعلانات الظاهرة: الكتاب عليك والهدية علينا. مع كل شراء ب 10 ألاف ليرة هدية. ومع كل شراء ب 30 ألف ليرة هدية.
يبقى أن نشاط بعض دور النشر ملحوظ جداً وكذلك المساحة التي تشغلها كمثل دار الساقي. فالعناوين الجديدة التي قدمها وصلت ل55 عنوانا بين كتب انكليزية، أطفال، روايات، فكر، سياسة وأدب. ومن العناوين الأكثر طلباً من الدار: العالم إلى اين؟ لنعوم تشومسكي. تجفيف منابع الإرهاب لمحمد شحرور. قرآت في القرآن لمحمد اركون. وتترافق مبيعات دار الساقي مع حسم بنسبة 20 ٪ على كافة الكتب.
على عجلة من أمره دخل وزير الإعلام ملحم الرياشي بمعية آخرين إلى معرض الكتاب نسأله عن العناوين التي يهتم بها من الكتاب بشكل عام؟ فيقول: السياسة، التكنولوجيا والعلوم. حضر إلى المعرض لحضور ندوة لكتاب المرجع القانوني اللبناني حسن الرفاعي والذي حمل عنوان «حارس الجمهورية» الصادر عن دار سائر المشرق.
نسأل الوزير رياشي تعليقاً على فعلة الرئيس الأمريكي ترامب بمنح القدس للصهاينة فيقول: نحن مع حقوق الشعب الفلسطيني.
ترى نرمين الخنسا الروائية ورئيسة اللجنة الثقافية في النادي الثقافي العربي، ومسؤولة النشاط الثقافي والفني الموازي في معرض الكتاب ضرورة حتمية لتلك الفعاليات. وتقول عن نشاط هذا العام: احببنا توجيه تحية للرئيس جمال عبد الناصر في مئوية ميلاده. هي تحية محبة ووفاء من النادي الثقافي العربي وبيروت بالطبع. إلى نشاط آخر عن واقع السينما اللبنانية وآفاقها تحدث فيها مختصون ومخرجون وفنانون مخضرمون وشباب. وعقدت ندوة بخصوص المسرح العربي تحت عنوان منتحلون لا مبدعون قدمها البروفيسور طلال درجاني. وندوة عن حوار الأديان. وأحيا كورال المقاصد حفلاً غنائيا جميلا. واستضفنا هذا العام يوماً اوكرانياً بدأ من العاشرة صباحاً وانتهى في العاشرة ليلا. في هذا اليوم توزع الاهتمام بين الاطفال، الناشرين، الشعراء الاوكران إلى التراث والفن. والبيانيست الموهوب مهتدي الحاج سيكون في حفل خاص يوم الثلاثاء المقبل.
وتعلن الخنسا: حسب الملاحظة بين عام وآخر نرى أن جمهور معرض الكتاب بات يقبل على النشاط الذي يحمل طابع الحركة والفرح. مزاج الجمهور بات مختلفاً ولم يعد يقصد النشاط السياسي الجاف من ندوات ومحاضرات. كذلك الثقافة بحد ذاتها جافة. يقصدون معرض الكتاب بكثرة يطلبون الكتاب وبالوقت عينه النشاط الذي يرفدهم بالفرح.
وماذا عن الاختلاف في شكل ومحتوى المعرض الذي بات يضم مشاركين لا يحملون صفة دور نشر ولا صفة الكتاب؟ تشرح الخنسا وجود مشاركين يعرضون الثراث كما الأثواب الفلسطينية التقليدية. كذلك توجد منصات للمحطات التلفزة تعرض فيها انتاجها. الكتاب هو الأساس إنما بات المعرض يشمل الثقافة بشكلها العام. النشاط الفني والحرفي يشكل اضافة للمعرض. وهذا يسعد الزوار ويرضيهم.
قوى الأمن الداخلي اللبناني من المشاركين بمعرض الكتاب لديهم من الكتب ما هو نفيس وقديم العهد. منها كتاب «الغنائم بالعزائم: تراجم أشهر المكتشفين والمخترعين» لسليم كسّاب الصادر سنة 1890. هي كتب تُهدى لمكتبة قوى الأمن ويمكن للجمهور أن يطلع عليها. وتحت شعار معاً نحو شرطة مجتمعية تستفيد قوى الأمن من تلك المشاركة بتقديم التوعية حول المخدرات، السير، جرائم المعلوماتية وغيرها.
لـ«السفير» الصحيفة العربية العريقة المتوقفة عن الصدور جناحها وعدد كبير من المؤلفات، وحده تمثال ناجي العلي، وآخر لحنظلة يبحران في التفكير العميق. فاللحظة تستدعي ذلك. كذلك الحال في مؤسسة فلسطين للتراث. إذ يقول الشاب محمد موسى من صفد: أي مصارع ينزل إلى حلبة القدس سيهزم على يد الشعب الفلسطيني.
في قاعتي المحاضرات كان الحشد كبيراً. في الكبرى اجتمع مريدون كثر حول ندوة عن المرجع القانوني حسن الرفاعي بينهم رسميون. وفي الثانية صدف توقيع كتاب «المطران إيلاريون كبوجي: ذكرياتي في السجن» كما رواها للصحافيين أنطوان فرنسيس وسركيس أبو زيد والصادر عن دار ابعاد، بعد يوم من فعلة ترامب بحق القدس. مطران القدس الثائر كبوجي لا يزال ذكرى عطرة وثورية في ذاكرة اجيال السبعينيات من القرن الماضي. في تلك الندوة الحاشدة كان كثيرون من الوجوه الإعلامية والفنية. وفيها تحدث بكلمة مسجلة مطران القدس عطا لله حنا بعد منعه من القدوم إلى بيروت. في هذه الندوة كان الممثل جورج شلهوب وعلل سبب وجوده: هذا الموضوع يهمني جداً. اراد ترامب شرعنة سرقة القدس، وهو يُعد نفسه ومعه المحتلين بأن هذه المدينة لو نعمت بالسلام فسوف يزورها حوالي 50 مليون سائح ديني في كل عام. لكن ليس للقدس سلام بعيداً عن أهلها، فهي فلسطينية.