عامر الشوملي: أردت للبقرات دوراً رئيسيا ليتعاطف الغرب مع الفلسطيني

حجم الخط
0

بيروت ـ «القدس العربي»: غادر الفنان عامر الشوملي بيروت بعد مشاركته في إحياء الذكرى الثلاثين للانتفاضة في فلسطين، لكن بقرات قرية بيت ساحور لا تزال تسرح وتمرح في الذاكرة. مخرج فيلم «المطلوبون الـ18» ساحر في الصورة التي صور بها نضال أهل قريته. خلّد عبر شريطه السينمائي الذي حصد حتى الآن 19 جائزة، تجربة رائدة سطرتها قرية بعينها في وجه المحتل. تمكن سكان لا يتعدى عددهم الـ10 آلاف نسمة، من أن يهددوا الأمن القومي لدولة هي الخامسة في الترسانة العسكرية عالمياً. فكيف سيكون الحال لو قاد الشعب الفلسطيني تجربة انتفاضة الآن وفي خمس قرى لا أكثر من فلسطين؟
مع عامر الشوملي كان هذا الحوار في بيروت:
○ ماذا تركت لديك زيارة بيروت ومشاركتك الفاعلة في إحياء ذكرى الانتفاضة الثلاثين؟
• هي زيارتي الأولى لبيروت إنما معارفي كثر جداً في لبنان عبر وسائل التواصل الاجتماعي. بمجرد وصولي إلى بيروت شعرت بتعارف مسبق معها ومع ناسها، وأنا سعيد هنا. أما إحياء ذكرى الانتفاضة فهو غاية في الأهمية خاصة اللقاء مع الفلسطينيين في الشتات لمعرفة أحوالهم.
○ كيف تقرأ فعالية تناول ذكرى الانتفاضة من منظار فني؟
• في مداخلة الفنان خالد حوراني قال أن الانتفاضة في حد ذاتها تشكل حدثاً فنياً. الناس يديرون شؤونهم وانتفاضتهم بعيدا عن النظريات والرغي السياسي. القصص اليومية التي شهدتها الانتفاضة والتي بإمكان الفنانين تقديمها للجمهور هي الأقدر في التعبير عن أهمية الانتفاضة.
○ كيف للفن في رأيك أن يوصل الصوت وخاصة الفلسطيني أفضل من السياسة؟
• الفنان سواء كان شاعراً، أو تشكيلياً أو سينمائياً هو الأقدر في إيصال الصوت وخاصة قضية الشعب الفلسطيني. للسياسة والسياسيين اسلوب تقليدي كلاسيكي، في حين أن السينمائيين وغيرهم من الفنانين هم أبناء اليوم، أبناء هذا الجيل ولهم قدرة التواصل مع الناس بشكل أوضح بكثير من السياسيين.
○ هل لنا معرفة واقع ومساحة التعبير الفني عن القضية؟
• مبدئياً هناك حضور للفنانين في المشهد الفلسطيني وبالذات السينمائيين. للسينمائيين حضورهم في تقديم الموضوع السياسي والتاريخي، وأفلامهم تُعرض داخل المخيمات والمدارس. وما نعيشه في فلسطين يشبه ما هو قائم في لبنان. وعندما أسير في شارع الحمرا في بيروت أشعر وكأني في أحد شوارع مدينة رام الله، الناس يتشابهون وكذلك المواضيع.
○ هل لك وصف رد فعل الجمــهور بعد عرض فيلم «المطــلــوبون الـ18» في بيروت؟
• طلبت من الجمهور أن يشعر مع الفلسطيني وأن يحزن معه، وكذلك أن يضحك حيث يجب، لا أن يتعاطف مع الفلسطيني المسكين الضحية. في رأيي أن فلسطين موضوع داخلي موجود في نفس كل من يؤمن أنها قضية شعب محتل ومطرود من أرضه.
○ تعددت الأفلام التي تقدم الفلسطيني المنتصر على المحتل ولم يعد الضحية فقط؟
• الفنان الفلسطيني موضوعي جداً ولا يريد تصوير مواطنيه على أنهم ضحايا وحسب، وفي الوقت عينه هم ليسوا أبطالا خارقين. نحن معنيون أن نظهر ذاتنا كبشر عاديين نعيش في ظروف غير عادية.
○ أهديت جائزتك في مهرجان أبو ظبي «لكل الأبطال المجهولين في فلسطين الذين حاولوا انتزاع الحرية وزرع الأمل». بعد مشاهدة الفيلم يمكن اختصاره أنه فيلم الأمل الكبير. ما رأيك؟
• هذا صحيح. شكل أملا يمكنه الانتقال بالعدوى من جيل إلى جيل. قد يشعر الفلسطيني انه في هذه اللحظة غير قادر على أي فعل، لكنه متمسك بالأمل. وفي الفيلم قال الفلسطينيون أن قضيتهم يجب ان تكون بيدهم، وعليهم أن لا ينتظروا فعلاً لا من جامعة الدول العربية ولا من الأمم المتحدة. بات الفلسطيني مدركاً أن قوته هي التي ستقرر مستقبله. هذا بيّن لدى فلسطينيي الداخل منذ 30 سنة. فقد قال الياس رشماوي في الفيلم أن القضاء على الانتفاضة هدف إلى منع تكوين قيادة فلسطينية في الداخل.
○ كون لا مستحيل تحت هذه الشمس كما بلغنا من فيلم المطلوبون الـ18 فكم تحتاج القرى والبلدات الفلسطينية إلى التماثل مع قرية بيت ساحور لمقارعة المحتل؟
• مناقشة هذه التجارب على درجة كبيرة من الأهمية. التحدث بوضوح أين الفشل وأين النجاح ومشاركة تلك التجارب بين مكونات الشعب الفلسطيني مهم للغاية لجني الفائدة للمرّة المقبلة. دائماً هناك مرّة مقبلة ليكون الشعب الفلسطيني سائراً على الخط الصحيح حتى المرّة الأخيرة حيث تستقيم الأمور.
○ أنسنت البقرات الـ18 وكانت لهن شخصية مستقلة فكم وصلت الرسالة من خلالهن للمتلقين غير العرب؟
• منذ قررت العمل على الفيلم كانت البقرات شخصيات رئيسية فيه. شعور دائم يلازمني بأن لدى الغرب قدرة على التعاطف المطلق مع البقر بعكس قدرته على التعاطف مع الفلسطيني. أردته بقراً عنصرياً آتياً من مزرعة إسرائيلية، أتى ليعيش مع الفلسطينيين، ليختبر معنى العيش تحت الاحتلال. التعاطف مع البقر سينعكس اهتماماً بالفلسطيني. عندما عُرض الفيلم لأول مرّة صادف أن أسداً في محمية طبيعية في بلد افريقي تمّ اصطياده من قبل رجل افريقي، وكانت الولايات المتحدة برمتها منشغلة بالحدث اللاإنساني وعلى كافة وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. وتصادف في اليوم نفسه أن أطلقت إسرائيل صاروخاً على قطاع غزة ذهب بنتيجته سبعة أطفال شهداء. لكن أحداً في هذا الغرب لم يلتفت. لهذا أردت البقرات حصان طروادة للدخول إلى العقل الغربي لأحكي لهم عن البقرات وليس الشعب المحتل وطنه.
○ أي حيوان ستختار كحصان طروادة لفيلمك التالي؟
• فكري يتجه نحو الزرافة. «ويضحك».
○ عرض الفيلم كثيراً في كندا والولايات المتحدة حيث ينشط اللوبي الصهيوني. هل دونت خلال العروض مشهداً لافتاً؟
• ولا يزال يُعرض حتى الآن في المهرجانات. لا يمر أسبوع دون عرضه في واحدة من الجامعات الأمريكية، وكذلك في الجامعات الأوروبية أو في المؤسسات التعليمية التي تحكي عن فلسطين والشرق الأوسط. بعض المؤسسات ترى ما يعنيها في هذا الفيلم، فقد عرضته الكنائس لأنه يتحدث عن قرية مسيحية في فلسطين حيث رأوا فيه ما هو ملهم. كذلك عملت الجماعات اليهودية المناهضة لإسرائيل لعرض الفيلم داخل الولايات المتحدة وكندا. بعض المزارعين ساهموا في عرضه لأنه يتناول قضية البقرات. الفيلم عنى ولفت كثيرين كل من زاويته. لكن في مراحل مبكرة من الإنتاج طلب اللوبي الصهيوني عبر شكوى قضائية إزالة مشهد من الفيلم وهو المتعلق برفس جندي صهيوني لبقرة، فهذا في نظرهم معيب. ولا مشكلة لديهم في أن «يطخ» الجندي أنطون الشوملي بثلاث رصاصات ويرديه. هذا عادي.
○ لدى عرض الفيلم في فلسطين هل حضره إسرائيليون؟
• في تصوري نعم. فقد هددت وزيرة الثقافة بوقف مهرجان سينمائي أقيم في حيفا وكان «المطلوبون الـ18» من ضمن أفلامه. وقد كتبت صحيفة «هآرتس» عنواناً «ماري ريغيف تخاف البقرات من جديد». رغم هذا عُرض الفيلم في فلسطين التاريخية مرات لا تحصى. أما في بيت ساحور فعرض في اليوم نفسه ثلاث مرات وحضره 1500 شخص. ومن بعدها يُعرض مرة كل شهر. خاصة وأن البلدة تستقبل على الدوام وفوداً من أوروبا يأتون ضمن الحركة العالمية لمساندة قضية الشعب الفلسطيني.
○ هل كان يسيراً مقابلة الحاكم العسكري ونائبه ليكونا من ضمن الفيلم؟
• بل كان غاية في الصعوبة. لم نكن نعرف اسماءهم الحقيقية لنطلب اللقاء معهم. الحاكم العسكري ضرب مرة طفلاً فلسطينياً صغيراً وشلّ أطرافه فرفعت عليه شكوى وهكذا عرفنا اسمه. وبدأنا البحث عن مدخل لحوار معه وعلى الدوام كان يرفض. بعد يأس على مدى خمس سنوات امتنع فيها الجيش المحتل عن مدنا بأي وثيقة، تطوعت صحافية إسرائيلية يسارية لمساعدتنا، وهكذا وكمؤسسة كندية تقدمنا بطلب لمقابلة الحاكم العسكري للحديث عن حرب الـ67 واحتلال الضفة. حصلنا على الموافقة، فسافر طاقم كندي بالكامل إلى تل أبيب لإجراء المقابلات التي تناولت أشياء عامة جداً. وفي ختام المقابلة مررنا عدداً من الأسئلة عن بيت ساحور والبقرات. الحاكم العسكري ونائبه اعتقدا أنهما سيظهران في فيلم كندي وليس في فيلمي الفلسطيني. وهذا حق لي لأني قانوناً اشتريت الحوار من شركة الإنتاج الكندية.
○ »المطلوبون الـ18» فيلم مؤهل لأن يبقى طازجاً إلى مدى طويل أليس كذلك؟
• نعم للأسف. وسيفقد ميزته هذه عندما تتحرر فلسطين. وعلى ما يبدو ستستغرق الأمور بعض الوقت.
○ الكوميديا المتغلغلة في مفاصل الفيلم هل هي جزء من شخصيتك؟
• صحيح. منذ بدأت العمل في الكاريكاتير السياسي وتركيزي منصب في هذا الاتجاه الكوميدي. عندما نكون بصدد قصة مؤلمة فإن الضحك يأتي في مرتبة أساسية. في البداية كنت أعرف أن الكوميديا هي الطريق الصحيح لوصول الأفكار. عندما كنت بصدد مقابلة ثائر عبدوني وهو أحد شخصيات الفيلم، أخبرني أنه كان منزعجاً للغاية خلال الدراسة تمهيدا لامتحان الرياضيات في شهادة البكالوريا، فهو لا يحب المادة. وكان منتصف الليل حين خلع الجيش باب بيته واعتقله وأغمض عينيه ورماه في جيب عسكري. فراح يفكر كيف سيرسب ولن يتسنى له الالتحاق بالجامعة. لحظات ويتوقف الجيب ويعتقل آخر من القرية ويرميه إلى جانبه. تعارفا وإذا بالمعتقل الثاني استاذ الرياضيات. غشي ثائر من الضحك. طلب منه الجيش التوقف عن الضحك ولم يتمكن. أنزلوه أرضاً وانهالوا عليه ضرباً وهو لا يزال يتابع الضحك. هذه الواقعة دلتني على أهمية الضحك بالنسبة للفلسطيني في الانتفاضة الأولى. يعتقد الصهاينة خطأ أنهم باعتقال الجسد يعتقلون الإنسان برمته. ليست لهم السيطرة على العقل والأفكار والأحلام. الضحكة في حد ذاتها إعلان تمرد على سيطرة الاحتلال. إذا للكوميديا دورها المهم في تقديم هذه الشخصية الفلسطينية المتمردة.
○ ماذا عن الجوائز؟
• حتى الآن بلغت 19. عربياً نلنا جائزة مهرجانات ابو ظبي، قرطاج والجزيرة. وفي الولايات المتحدة جائزة مايكل مور. وهو من دعمنا لعروض في نيويورك وغيرها، وكان يرافق الفيلم ويقدمه. رشح الفيلم للأوسكار لكنه بقي في القائمة الطويلة.
○ اخترت العيش في فلسطين وان تمر يومياً على حواجز المحتل فما هي مشاعرك حياله؟
• عدت إلى فلسطين سنة 1997 بعد إقامة في سوريا حينها لازمتني مشاعر التوتر حيال جنود مدججين بالسلاح. مع مرور الوقت اكتشف أن لا حاجة لأي مشاعر حيال هؤلاء.
○ ما هو التحدي الفني الجديد الذي ستخوضه؟
• أحضر لمعرض فني عن مدينة يافا. فالصورة الراسخة في الأذهان أن الفلسطيني يلبس الثوب الطويل مع الحطة والعقال، أو ذاك المشغول بالزيتون. يافا تعطي صورة الفلسطيني ابن المدينة. سيكون المعرض أولاً في رام الله وأتمنى إدخاله إلى يافا ومن ثم إلى الدول العربية وخاصة بيروت.

عامر الشوملي: أردت للبقرات دوراً رئيسيا ليتعاطف الغرب مع الفلسطيني
«المطلوبون الـ18» فيلم يعلن نجاح التجارب الشعبية في مقارعة المحتل
زهرة مرعي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية