قمة إسطنبول الإسلامية: إعادة تجربة المُجرّب

حجم الخط
9

منذ أكثر من ستة عقود والعرب والمسلمون اتخذوا الاستنكار والتنديد طريقا لا رجعة عنه، حتى باتت مؤتمراتهم العادية والطارئة لا معنى لها. وفي الثالث عشر من ديسمبر الجاري، اتجهت أنظار العرب والمسلمين مرة أخرى إلى قمة منظمة التعاون الإسلامي الطارئة، التي اعتبرها البعض مصيرية، بعد صدور قرار ترامب اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها.
ولأن رجب طيب أردوغان هو الرئيس الدوري لهذه المنظمة، فقد دعا إليها بشكل طارئ لبحث القرار سيئ الصيت هذا. وبغية تسليط الضوء على المؤتمر وأهميته من عدمها، لا بد لنا من الوقوف على السياسات المتبعة للدول الفاعلة في الشأن الفلسطيني وكذلك الدولة المُستضيفة.
أولا، لقد أطلق الرئيس التركي تصريحات نارية، واتخذ مواقف لفظية حادة أكثر من أي زعيم عربي تجاه أمريكا وإسرائيل. فقد وصف واشنطن بأنها شريكة في إراقة الدم الفلسطيني، وإن إسرائيل دولة إرهابية محتلة، وإن القدس خط أحمر، على الرغم من أن تركيا عضو فعال في حلف الناتو وترتبط بعلاقات متميزة مع إسرائيل. صحيح إنها قطعت علاقاتها بها عام 2010 إثر مهاجمة البحرية الاسرائيلية سفينة مرمرة، التي كانت تروم كسر الحصار على غزة، وقُتل عشرة ناشطين أتراك من ضمن مجموعة كانت عليها، لكن تركيا وافقت على إعادة جميع العلاقات إلى طبيعتها مع إسرائيل في العام الماضي ضمن صفقة سياسية. كما يجب أن نذكر هنا أن الرئيس التركي كان له موقف مميز في يناير عام 2009، حين خرج من جلسة نقاش مؤتمر دافوس مع الرئيس الاسرائيلي السابق شيمعون بيريز، احتجاجا على تزوير الاخير حقائق التاريخ بخصوص القضية الفلسطينية.
وعلى الرغم من أن تركيا سعت إلى حمل راية التحالفات الاسلامية والدفاع عن مقدساتنا في السنوات الاثنتي عشرة الماضية، غير إن النتائج معدومة. لكن استثمارها في هذه القضايا حقق لها نجاحات سياسية، وجعل منها عنصرا فاعلا في الشرق الاوسط، وباتت على قدم المساواة مع منافستها إيران، في كل الفراغات التي صنعها الغياب السياسي العربي في المنطقة. إذن هي ضمنت مصلحة قومية لها من دون أن يكون لهذا أي مردود على الواقع العربي. ثانيا، قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس في خطابه أمام القمة، إن القرار الامريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل جريمة كبرى، وإن الولايات المتحدة «لن نقبل أن يكون لها دور في العملية السياسية بعد الآن، فهي منحازة كل الانحياز لإسرائيل». لكن ما قاله الرئيس ليس اكتشافا لم يسبقه إليه أحد. فأمريكا كانت في هذا الموقع المنحاز منذ سبعين عاما، وهو الذي هندّس اتفاقيات أوسلو معه خفية حتى ظهورها للعلن.
وهو من أوقف التفاهمات والمفاوضات مع الجانبين الاسرائيلي والامريكي عدة مرات بسبب جرائم إسرائيل ومواقف أمريكا المنحازة، وكان في كل مرة يعود إلى النهج نفسه بلمح البصر. وهو من اختلف مع الرئيس الشهيد أبو عمار، عندما اكتشف الاخير أن الولايات المتحدة وسيط غير نزيه وأنها تسعى الى جرجرته للتخلي عن المبادئ والثوابت الفلسطينية.
ثالثا، أما إيران فقد شدد الرئيس روحاني في القمة على إن ما شجع الامريكيين على الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل هو «محاولة البعض إقامة العلاقة مع الكيان الصهيوني والتنسيق والتعاون معه». وعلى الرغم من صحة هذا الادعاء، لكن روحاني يحاول النأي بإيران عن الدور القذر الذي تمارسه في تشتيت الجهد العربي والاسلامي، وسياسة التشرذم التي تنتهجها ضد الامة الاسلامية، وتقسيمها الى أمة شيعية وأمة سنية، والنظر اليها من موقع معسكرين متناقضين، حسب السياسة الايرانية، أحدهما معسكر يزيد ومعاوية، والآخر معسكر علي والحسين. كما إن التغلغل في النسيج الاجتماعي العربي وتقسيمه وتفتيته على أسس طائفية، كلها عوامل أساسية ساهمت في انكفاء الدور العربي والإسلامي، وتوجيه موارد وثروات هذه البلدان نحو تشكيل مصدات للشر المقبل من هذه الدولة، حتى باتت القضية الفلسطينية في موقع متأخر في سلم الأولويات. كما أن الترسانة العسكرية الايرانية استخدمت على نطاق واسع في تخريب الدول العربية والاسلامية، بينما يسود الصمت في قواعد الصواريخ الإيرانية، على الرغم من قرار ترامب، بينما الادعاء بأنها موجهة للكيان الصهيوني.
رابعا، وفي هذا السياق يجب أن يُذكر الدور الاردني أيضا، فقد عبّر الملك أمام القمة عن رؤيته بأن العنف الذي تشهده المنطقة إنما هو ناجم عن الإخفاق في إيجاد حل للقضية الفلسطينية، على حد تعبيره، لكنه لم يبين لنا الأسباب التي تجعله مُصرّا على التمسك باتفاقيات السلام مع إسرائيل، واللقاءات المتكررة له مع زعمائهم من دون جدوى. وإذا كانت الوصاية الهاشمية على مقدسات القدس (مسؤولية تاريخية) كما يقول في خطابه، فليدلنا جلالته على الإجراءات الصحيحة التي قام بها الوصي تجاه المُوصى به، ولماذا وصل حال القدس الشريف إلى ما هو عليه اليوم؟ إن من حضر قمة إسطنبول الاخيرة هم في غالبيتهم الوجوه نفسها الذين حضروا قمة الرياض الإسلامية الأمريكية في العشرين والحادي والعشرين من مايو من العام الجاري، وهم الذين بايعوا ترامب على السمع والطاعة في رؤيته للقضية الفلسطينية، وما يسمى الحرب على الارهاب. وهو من كافأته السعودية بأكثر من أربعمئة مليار دولار كي يسير في نهجه القذر. فهل يمكن المراهنة مرة أخرى على الوجوه نفسها؟ وهل يمكن تجربة المُجرب للمرة الألف؟
إن منظمة التعاون الإسلامي هي إحدى الكيانات الرسمية الضعيفة، التي يرتبط غالبية أعضائها البالغين 57 عضوا بعلاقات سياسية واقتصادية وعسكرية واستخباراتية مع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الامريكية. وعلى الرغم من أنها تأسست ردا على حريق المسجد الاقصى عام 1969، لكنها لم تكن سوى شاهد كسول على كل ما تعرضت له القدس من انتهاكات ومؤامرات لطمس هويته.
إن إعلان إسطنبول الصادر عن القمة إطار فارغ المحتوى سياسيا وعسكريا واقتصاديا، لعدم وجود إرادة إسلامية قادرة على تحويله لوقائع ملموسه وترجمة أقوال الزعماء إلى أفعال. كما لم نجد أية إشارة الى اتفاق أو حتى نية بفرض عقوبات أيا كان نوعها ضد إسرائيل والولايات المتحدة، ولا حتى مجرد التلويح بتجميد اتفاقيات السلام التي وقعتها مصر والأردن وفلسطين مع الكيان الصهيوني. حتى الإعلان عن القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين هو إعلان غير واقعي تماما، لان هذه الدولة ذات وجود رمزي لا فعليا.
وعليه فإن الوضع العربي والاسلامي بعد إعلان القدس عاصمة لاسرائيل هو مختلف تماما عما سبقه، وهو بحاجة الى مقاربة جديدة لن يكون فيها للاحتجاجات والبيانات والمؤتمرات الباهتة أي موطئ قدم. تقول المندوبة الامريكية في الامم المتحدة «السماء لا تزال هناك ولم تسقط على الارض» في تعليق لها على من حذّر بلادها من غضبة عارمة على قرار ترامب. يقينا أن قرارات قمة إسطنبول الاسلامية هي أحد ألاعمدة التي أبقت السماء في مكانها.

باحث سياسي عراقي

قمة إسطنبول الإسلامية: إعادة تجربة المُجرّب

مثنى عبدالله

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود:

    رائحة الخيانة العربية كانت في الرؤوس (القادة) فقط
    أما الآن فقد وصلت للذيل (الشعوب) !! أي أن السمكة فاسدة من رأسها لذيلها
    مع الأسف أن بعض الجهلاء ممن ينسبون أنفسهم للعرب يتهجمون على الفلسطينيين حملة الشرف العربي
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول غادة الشاويش- سوريا المحررة:

    السلام عليكم

  3. يقول غادة الشاويش- سوريا المحررة:

    السلام على قلمك وحبرك ! لو تعلم يا معلمي الجميل مثنى انني الان اكتب لك رسالتي والطيران الروسي وطيران النظام الجبان يقصف الارض ولكنن لكنه عاجز عن قصف السماء سماء ارواحنا المصممة على الصعود نحو الله في خطى وثيقة لا يردها هول الرعد .. والله يا استاذي مثنى اليوم والان هي المرة الاولى منذ اربعة اشهر قضيتها في الاعتقال امسك جريدة القدس .. التي بقيت في قلبي رغم كل هول … كانت الاخبار ممنوعة واليوم وتحت القصف احظى بقراءتها .. ذهبت ملهوفة الى كل الاركان .. ركن غادة السمان وابتهال الخطيب لم يغب عن ذاكرتي احد .. والله لقد كانت مشاعري تهتز في السجن .. وانا اتذكركم .. اسامة العزيز .. اقبل تراب سورية .. لن تبقى احرفي ان شاء الله حبرا .. والله والله لقد سلمت لك على ترابها انا احمد.الله انني وصلت اخيرا الى ركن عربي واحد.بلا طغاة .. ولا دكتاتوريات عفنة داعش التكفير والظلام تتوجه الينا كتفا الى كتف مع ميليشيات طاءفية جبانة تنفذ هجوما حقيرا يدعمها طيران الروس الوحشي صحيح .. انني ما ابصرت النور الا حديثا لكنني مررت من قلاع الشوك لا افهم حقا .. نكهة الحبر والكتابة امام الهجوم الجبان ..البارحة احترقت عايلة بالنابالم المحرم والله والله يا دكتور مثنى ارهاب داعش والروس والنظام والفرس الجدد متناغم متعاون كلهم الان ينقضون علينا في حماة ويسيرون نحو ريف ادلب نحن تواقون الى القدس .. لم اصدم فسدنة البيت الابيض يحكمون البيت الاسود وكسرى يوقد النار ويهذي بصلوات زاءفة امام نار اشعلها في اجساد الاطفال المتفحمة والقيصر يهتك طهر السماء ويعربد لكان الارض تخبرني ان طريق القدس اضبحت سالكة رغم انبطاح قريش وانفضاح فارس والقياصرة اقسمنا ان نمضي حتى نلقى الله اعرف ان رجلي ملتهبتين لكنني اتوق ان اطإ بعرجتي في الجنة ..اريد السفر على جناح الذل لرب السماء الى الله واريد لقاء ارواحكم هناك احرسو القدس باجسادكم وعملكم وفجرو احزمة القهر في وجوه الغبين والمغتصبين .. غاندي العزيز .. صليت بشدة لاجلك في السجن زرتكم جميعا جميعا لا اعلم كنه ااساعات القادمة لكني اواسيني بانني مطرودة من مداءن الظلم على الاقل اقف على ارض حرة لا تسجد لطاغية او رب عرش ابليسي جبان انا متفاءلة ومتاكدة من كبرياء الموقف متاكدة ان ثوار دمشق الاحرار سيصلون في القدس لانهم اتقنوا صلاة البنادق والخنادق واقسموا على الصمت والثار لا تنسني من دعاءك
    غادة

    1. يقول منى-الحزائر:

      عادت غادة .. وعادت للقدس اميرتها….

    2. يقول أسامة كليّة سوريا/ألمانيا Ossama Kulliah:

      سلام الله عليك وبركاته يا أختي غادة صدقيني بدت الدموع تحاصر أجفاني من جانب وصوب, أدعو الله رب العالمين أن يحميكم وينصركم يا أختي غادة, أعزك الله وحماك من كل شر ومكره. أصدق كل كلمة تكتبيها وأومن بكل حرف تسطره أناملك, سادعو الله لك دائما وسأدعو الله أن نلتقي معاً في القدس المحرره إن شاء الله.

    3. يقول الكروي داود:

      ” والله يا استاذي مثنى اليوم والان هي المرة الاولى منذ اربعة اشهر قضيتها في الاعتقال امسك جريدة القدس ” إهـ
      أين كان هذا الإعتقال يا أخت غادة ؟ هل كان بمعتقلات حزب حسن ؟ وهل أنتِ الآن حرة بإدلب ؟
      نحتاج لتفاصيل وتفاصيل لما جرى لك يا أختاه فقد كنت أعتقد بأنك مشغولة بالعمل !
      ولا حول ولا قوة الا بالله

  4. يقول muthanna Abdullh:

    عزيزتي غادة…السلام عليك وعلى كل من أشرقت الوطنية والعروبة والاسلام بجنباته فبات يتلوى من عهر الزمن الاني. عجبا أن تلقين على مسامعنا أناشيد الالم بينما نحن أمة من أفضل الامم. لا شيء يمحو همك غير هذا الاحتراق في هم الاخرين , وهم الامة , وهم الثكالى والمشردين في القدس والعراق وسوريا واليمن وليبيا وكل شبر من هذه الارض الطهور. لقد بات كل شيء حولنا صامتا كجدار لانهم يريدون تقزيم الهم العربي وطمس هوية القدس وكل المقدسات. أتوق لعودتك سيدتي كي تسمعينا لحن الصمود وجلي الذات, عل الاحياء الاموات يفيقون من هذا النوم القاتل. شرف لي أن أجد لك تعليقا على مقالي اليوم…دمت بالف خير

  5. يقول أسامة كليّة سوريا/ألمانيا Ossama Kulliah:

    أخي مثنى عبد الله, لابد أن أشكرك جداً على هذه الشفافبة في توضيح ماحصل ويحصل لنا مع الحكومات العربية والاسلامية. ما تبقى لي من الكلام قليل, لكن لتعلم المندوبة الامريكية وترامب نفسه, أن السماء لاتسقط أصلا لأنها إرادة الله. دعائي إلى الله, أن يزلزل الله الأرض تحت أقدام ترامب والصهاينة الذين يتصرفون كفرعون ويظنون أنهم بهذا الحجم من القوة بحيث يستطيعون أن يفعلوا ماشاء لهم, دعائي إلى الله أن نستطيع زلزلة الأرض تحت أقدامهم وفوق رؤوسهم.

  6. يقول سلام عادل(المانيا):

    الاخ الدكتور مثنى
    امر جدا عادي ان لا ننتظر من السياسيين اي نتيجة تذكر ولكن الفعل هو فعل الثوار ان وجدوا هؤلاء بصدق ستتغير حالنا لان الثوار فقط من يغيرون الاحوال,فلذلك يجب ان ندعم الثوار الفلسطينيين فهم فقط من يحمي القدس لا اردوغان ولا الملك عبدالله ولا روحاني ولا البقية الباقية من حضر ولم يحضر,

إشترك في قائمتنا البريدية