في خضم زحام الأخبار والتطورات التي تحفل بها منطقتنا، والتي تصب جميعها بلا استثناء تقريباً في خانة المزيد من التفتت وتقسيم المقسم وتقزيم الدور المتضائل صغراً من الأصل، والتنازلات والتفريط، أي كل ما من شأنه الابتعاد مزيداً عن التاريخ وتغيير الجغرافيا.
ثمة خبران استوقفانني في الأيام القليلة الماضية في الشأن المصري، فكلاهما دال على المسار الذي تتخذه مجريات الأمور في البلد العربي الأكبر.
الأول هو إصابة مطار العريش بقذيفةٍ أودت بحياة ضابط وإصابة اثنين آخرين، أثناء زيارة تفقدية قام بها وزيرا الدفاع والداخلية، أي القائمان على جهازي العنف والـ»سيادة» الأساسيين في الدولة. أما الخبر الثاني والمخيف في حقيقة الأمر فهو قيام شركة (مغمورة حتى حيننا ) يمتلكها جهاز المخابرات المصري بشراء حصة رجل أعمال المصري أحمد أبوهشيمة في مجموعة «إعلام المصريين» التي تمتلك بين ما تمتلك من وسائل الإعلام شبكة «أون تي في» المعروفة، وستة من وسائل الإعلام المعروفة تشمل صحيفة «اليوم السابع» وشركتين للإنتاج الدرامي والسينمائي.
شاهدان متزامنان على مسارين متوازيين ومترابطين، يلخصان أخص سمات المرحلة: تمدد المؤسسة الأمنية – العسكرية وسعيها الدؤوب للسيطرة على شتى المناحي والمرافق، وعلى رأسها المصالح الاقتصادية من ناحية، وانعدام الكفاءة في الأداء بصفةٍ عامة، والأمني العسكري بصفةٍ خاصة، كما تدل عليه الاخفاقات المتتالية في مسرح العمليات في سيناء من ناحيةٍ أخرى.كثيرٌ هو ما يمكن قراءته في هذين الحدثين ولا يقل عنه ما قد يقال. من الواضح تماماً أن النظام مأزوماً ومجابهاً حراكاً شعبياً عارماً في 25 يناير، قرر أن لا يترك شيئاً للمصادفات، فمضى يخنق أي هوامش كانت من الحرية، الشكلية في كثيرٍ من الأحيان، وعوضاً عن البقاء في الظل النسبي كقلب النظام الصلب، انطلقت المؤسسة الأمنية العسكرية لتسيطر على كل شيء كما يحدث في أوقات الحروب؛ ولا عجب في ذلك، فالنظام بالفعل يخوض حرباً ضد ثورة 25 يناير، يخوضها بكل الأسلحة، بدءاً من تلك الناعمة كإغراقها في تلال الأكاذيب والتشنيعات والتدليس، وانتهاءً بالعنف الصريح المحض، اعتقالاً وتصفيةً. تلك المؤسسة تريد الآن أن يكون حضورها ملحوظاً، بل طاغياً، تريد أن يراها الكل تقول أنا هنا فاخشوني.
فلن يترك النظام الآن مهمة التدليس لمؤسساتٍ إعلامية مملوكة لموالين للنظام من رجال الأعمال، فهؤلاء قد يتصورون أنهم يملكون نفوذاً قادرين به على الضغط وتوجيه الدفة. لا.. سيتحرك النظام أيضاً للسيطرة المباشرة على الإعلام، مصادراً بذلك ومحتكراً المعلومة على المستوى المحلي، وفارضاً الرؤية الوحيدة والصوت الواحد، كما صادر المجال العام وأخصى السياسة. والشاهد أن الحاجة إلى هذا القدر من السيطرة يتزايد مع تسارع الخطوات لإعادة ترتيب المنطقة، وبروز تحالفاتٍ قديمةٍ إلى العلن، وما يواكب ذلك من ازدياد تورط النظام المصري في صفقاتٍ ومشاريع سيئة السمعة والرائحة كصفقة القرن، فهو متربط ومعتمد بشكل شبه كلي على الدعم السعودي (وما تبعها من دول الخليج) – الأمريكي- الإسرائيلي، وكلما تعمقت أزمته الاقتصادية ازداد احتياجه إلى هذا الدعم، وبالتالي حاجته أيضاً للسيطرة المباشرة على الداخل الذي قد تصدمه التنازلات عن الأرض والمقدسات، كما تطحنه الأزمات المعيشية؛ كما لا يخلو الأمر في ما يتعلق بالسيطرة الاقتصادية من النهم ومحاولة شراء ولاءات واسترضاء أكبر عددٍ ممكنٍ من الضباط الكبار والرتب الأقل.
في المقابل، فما زالت المواجهات في سيناء تثبت أن كل ذلك الكم من الإنفاق العسكري والشحن المعنوي الوطني لا يخفي وراءه سوى الترهل وانعدام الكفاءة، وكالعادة يتم سد الفجوات باختلاق الأكاذيب. ينبغي هنا التذكير بمجزرة مسجد الروضة الحديثة جداً وتسريبات السيسي، وإن لنا أن نسأل: إذا كانت هذه المنظومة لا تستطيع تأمين حياة رئيسها وحياة وزير الدفاع فما الفائدة منها؟ هل الشيء الوحيد الذي تجيده هو قمع الداخل والبطش بالمعارضين والمتهمين زوراً؟
للأسف فإن كل الشواهد تدل على استمرار النظام في المسار نفسه وربما ينجح السيسي في نهاية المطاف في خلق دولته النموذجية التي يحلم بها: جمهورية الخوف والصمت والفشل العميم».
كاتب مصري
د. يحيى مصطفى كامل
الجيش الوطني المصري صعد ايام موسسه محمد علي باشا و ابناءه ثم هبط منذ ان احتل الانجليز مصر بالتواطوء مع الخديوي توفيق 1882-1954. و للاسف فان هذا الهبوط بقي قائما بسبب سيطرة الجيش على الحكم وكون الجيش فوق الطبقة السياسية و ليس تحتها كما يجب و بالتالي صار فوق المسائلة. وصار هم الصبط المنزلة الاجتماعية و رياسة النوادي و تقريب الراقصات. و على الرغم من الهزائم التي تلقاها هذا الجيش في 1948 و 1956 و اليمن و سوريا لم يجري اعادة النظر فيه الا بعد الهزيمة الكبرى في 1967 حيث بدأ بالنهوض و خاض المعارك البطولية في حرب الاستنزاف الى حرب اكتوبر، التي افسدت نتيجتها القيادة السياسية (السادات و من معه). و ما ان انتهت الحرب حتى تم تهبيط او هبوط الجيش مرة أخرى بتحويله الى مؤسسة اقتصادية تستفيد من الموارد البشرية المجانية تقريبا و الاعفاءات الجمركية و الضرائب و المراقبة فاصبح هم الضباط الوصول الى مزايا المناصب في شركات و مؤسسات الجيش الرابحة. و هذا ما يفسر فشل حرب الجيش في سيناء و الصحراء الغربية حتى مقابل عصابات تافهة تقتل العشرات منه في كل موقعة.