روسيا كانت تراقب عن قرب شديد
تقلص التحالف الدولي الذي دعت إليه إدارة الرئيس أوباما.. وتراقب الاستطلاعات التي قالت ان غالبية الرأي العام الأمريكي (75′) ترفض مبدأ الحرب وتؤيد الحل السياسي لتعقيدات المشهد السوري.. وتضع احتمالا قويا لاعتراض تشريعي أمريكي له حيثياته..
وأمريكا كانت في بؤرة الحدث
التهديد بالضربة العقابية عمق الخلاف بينها وبين اقرب حلفائها وحرمها من تأييد الحكومة البريطانية.. الموقف الفرنسي لم يُضف وزنا كبيرا إلى التأييد العربي المتردد.. تصويت مجلسي النواب والشيوخ لصالح تأييد الضربة غير مضمون.. الرأي العام العالمي يقف بشدة ضد أي ضربة عسكرية قبل نشر التقرير الذي يدين النظام الحاكم في دمشق، ويعزز في نفس الوقت حق موسكو وبكين في نقض أي قرار لمجلس الأمن في هذا الخصوص.
هل اصطادت موسكو مبادرتها في الماء العكر؟ أم طرحتها ضمن اجتماعات مجموعة الـ20 في بطرسبرغ بصيغة تؤسس للتعاون والتنسيق بينها وبين واشنطن؟
توالي الأحداث وتكامل الأدوار، يشيران بنسبة أكبر إلى التعاون والتنسيق.
اجتمع وزير خارجية أمريكا مع عدد من ممثلي الدول العربية في باريس.. ثم عقد اجتماع مع دول الاتحاد الأوروبي ثم مع الرئيس الفرنسي.. وبعدها توجه إلى لندن حيث عقد جلسة مباحثات مطولة مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، أعلن بعدها ‘ضرورة أن تسلم دمشق ما لديها من أسلحة كيميائية للمنظمة الدولية’، حتى لا تستخدمها مرة أخرى ضد مواطنيها.
في نفس الوقت، كان وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف يعلن ضمن مؤتمر صحافي عقده بعد انتهاء جلسة المفاوضات، التي أجراها مع وليد المعلم وزير الخارجية السوري، أن بلاده تتقدم بمبادرة إلى النظام الحاكم في دمشق تنص على أن يقوم بالتوقيع علي اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية وعلى السماح للمفتشين الدوليين بزيارة المواقع التي توجد فيها هذه الأسلحة فوق أراضيه، وأن يقبل بالجدول الزمني الذي سيوضع للتخلص منها.
المفارقة الواجبة التسجيل هنا هي.. مقولة جون كيري في لندن ‘انه يتوقع أن لا يوافق بشار الأسد على أن يتخلص نظامه مما لديه من أسلحة دمار شامل’، ورد دمشق عليه الفوري غير المتردد، فمن ناحية أعلنت موافقتها على المبادرة الروسية جملة وتفصيلاً، وقامت من ناحية أخرى بتقديم المستندات اللازمة للتوقيع على الاتفاقية إلى المنظمة الدولية.
فهل كل هذه الخطوات المترتبة على بعضها بعضا، وقعت فجأة؟
وهل كانت واشنطن غائبة كلية عن التنسيق بين موسكو ودمشق، وربما طهران؟
وهل الاستجابات التي قام بها الجانب السوري، انبثقت فقط كنتيجة مباشرة لجلسة المفاوضات التي عقدها وزير خارجيته في موسكو قبل ساعات من إعلان المبادرة؟ .
كل الدلائل تشير إلى أن اتفاقاً ما جرى بين موسكو وواشنطن بهدف التعاون والتنسيق بين الطرفين، في ما يتعلق بالملف السوري تحت شعار ‘كيف تحافظ الإدارة الأمريكية على هيبتها وتحقق اختراقا يؤدي إلى حل توافقي بين الأطراف المتنازعة محلياً وإقليميا ودولياً’.
يدعم هذا الاستنتاج ما جري بينهما في جنيف من مفاوضات مطولة ومعمقة تواصلت طوال ثلاثة أيام كاملة.. بالطبع ليس هناك توضيح كاف لما تبادله الطرفان من أوراق وتقارير وتقدير مواقف، ولم يتبرع أحد حتى الآن بالحديث عما طرحه كل منهما من مخاوف أو تهديدات، لكن ما تحقق بينهما من تفاهمات يشير إلى تخطيط مشترك وتوزيع للأدوار.
ولا نعتقد أن ‘بوتين ذا الوجه الخشبي هو الذي يمسك بخيوط اللعبة في سورية’، كما قالت صحيفة ‘الديلي تلغراف’ الأحد 15 الجاري، فالأمر ليس بهذه السطحية، لأن عودة التوازن إلى الملف السوري ألزمت الجانب الروسي أن يعترف بحق واشنطن في أن تفرض ما تراه من شروط لضمان تنفيذ المبادرة، التي لا بد أن تنتهي حتماً بتدمير ما في حوزة سورية من أسلحة كيميائية.. وعلينا أن نلاحظ ..
لم يعارض الجانب الروسي في ضرورة أن تقدم دمشق قائمة/ خارطة تفصيلية وجادة لكافة المواقع التي تحتفظ في داخلها بسلاحها الكيميائي، وأن يكون ذلك خلال أسبوع واحد.
وأيد رفض واشنطن القاطع لفترة الشهر التي جاءت على لسان الرئيس السوري في حديثه مع إحدى قنوات الأخبار الروسية.
وتوافق معها على ان تبدأ فرق المفتشين الدوليين وجودها داخل سورية خلال شهرين من الآن، علي ان تنتهي من عملها في منتصف العام القادم.
ودعم مطلبها أن تسمح السلطات السورية للمفتشين بالوصول إلى كافة المواقع في جميع أنحاء البلاد، من دون اللجوء إلى المناورات، وأن تلتزم دمشق حرفياً بتطبيق نص قرار مجلس الأمن بالكامل.
البند الوحيد الذي اعترض عليه لافروف هو ذلك المتعلق باقتراح أمريكا أن ينص القرار الذي سيصدر من مجلس الأمن لوضع المقترح الروسي موضع التنفيذ، اتفاقا مع نصوص الباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة، على تهديد بفرض عقوبات ضد الحكومة السورية أو بالحق في استخدام القوة ضدها ‘إذا ما تراخت في الالتزام بما سبق ووافقت عليه في كل ما يتعلق بالتخلص مما لديها من أسلحة كيميائية’.
هذه القسمة التي ربما يراها البعض غير عادلة بين الدبلوماسيتين الروسية والأمريكية حيال كيفية الخروج المتجانس من إشكالية الضربة العقابية التي كانت ستوجه إلى البنية الأساسية للقوات المسلحة السورية، أعفت خطة باراك أوباما من الحاجة لإراقة ماء وجهه بين جدران مجلسي النواب والشيوخ، ليستجدي من أعضائهما الموافقة التي كان يتطلع إليها.. وجعلته يبدو متوافقاً إلى حد كبير مع اتجاهات الرأي العام الأمريكي، الذي أبدى اعتراضاً ملحوظاً لأسلوب الحل العسكري للقضية السورية. وعادت الإستراتيجية الروسية إلى الشرق الأوسط بقوة ملحوظة بعد غياب تواصل لمدة 20 عاما، الأمر الذي دفع جون كيري لأن يعلن أنه سيناقش مع نظيره الروسي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، 28 من الشهر الجاري – سبل عقد مؤتمر جنيف الثاني.
لا أعتقد أن الرئيس السوري سيعمل على فرض مجموعة من الاشتراطات مقابل التزام حكومته بتنفيذ الخطة التي اتفق عليها الطرفان الروسي والأمريكي، كما تنبأ بعض السياسيين في لندن، أزعم أنه سيكتفي بان يطالب بوقف تقديم السلاح للقوى المناوئة له، لأنه على ثقة بأن الجدول الزمني لتدمير ما لديه من سلاح كيميائي سيستغرق فترة طويلة، ولن ينتهي في منتصف العام القادم، فالأمر ‘شديد التعقيد، ويستحق أن تتكاتف كل القوى لإتمامه’، كما بينت صحيفة ‘الغارديان’ الأحد 15 الجاري نقلاً عن واحد من المفتشين الذين لهم خبرة طويلة في هذا الخصوص.
ومن المؤكد لدي.. أن هذا التعقيد الذي يستحق أن تتشارك كافة القوى في إتمامه على الوجه الأكمل سيُفضي إلى تعاون وتنسيق بين موسكو وواشنطن لإتمام المهمة ولضمان توفير كافة متطلبات الأمن والأمان للفرق التي ستشارك فيها، سواء من جانب حكومة بشار الأسد أو القوى التي تتقاتل معها، وللتأكد عملياً أن دمشق لم تُخف عنهما أي موقع من المواقع التي أمدت الأمم المتحدة بخارطتها، أو التي سترتها عن الأعين.
‘ استشاري اعلامي مقيم في بريطانيا