سوء إدارة خدمات النقل وإهدار مواردها وتعويض الخسائر بزيادة الأسعار والمواطن هو الضحية

حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي»: من يتأمل صحف المصرية الصادرة أمس الخميس 28 ديسمبر/كانون الأول ويتابع الفضائيات، يشم رائحة الحرب على الجبهة الجنوبية، حيث لم تكف حناجر الإعلاميين والكتاب عن التنديد بالرئيس السوداني لأنه تجرأ واستقبل نظيره التركي. وتخلى الكثير من الكتاب عن عقولهم مطالبين بحصار الخرطوم وغزو سواكن، الجزيرة التي تحولت لأشهر بقاع العالم، إثر قرار الحكومة السودانية وضعها تحت إمرة الأتراك لزمن غير محدد.. قليل هم الكتاب الذين تشبثوا برشدهم مطالبين بالتعامل مع الخرطوم على أنها عاصمة لدولة مستقلة ذات سيادة، من حقها أن تتخذ القرارات التي تعنيها.
الإعلامي عمرو أديب الذي يشتهر بكثرة صراخه على مدار الساعة ودفاعه عن النظام في كل المواقف، بدا أمس أكثر رشدا من أي وقت مضى، حينما اعترف بحق السودان في اتخاذ أي قرار، قاذفا بالكرة في ملعب مؤسسة الرئاسة في شرق القاهرة، متسائلا: ماذا أنتم فاعلون.. وبقدر ما كان الهم السوداني حاضرا، كان الهم الإثيوبي لا يقل ثقلا عن العديد من الهموم الأخرى التي تواجهها مصر، وتمثل لشعبها أخطارا وجودية. وقد اشتدت المعارك الصحافية أمس، ومثّل النظام السوداني وبالطبع التركي هدفا رئيسيا لمعظم الكتاب وإلى التفاصيل:

سواكن من حقنا

الوضع يزداد تأزما بين القاهرة والخرطوم..عباس الطرابيلي في «المصري اليوم» شاهد عيان: «ها نحن نعيش عصرا نجد فيه من لا يملك يمنح لمن لا يستحق.. إذ ها هو المشير البشير حاكم الخرطوم يعلن منح تركيا حق الإدارة والعمل ـ بدون تحديد المدة ـ على جزيرة سواكن، وهي ليست بعيدة عن مثلث حلايب وشلاتين، التي يدعي المشير أنها أرض سودانية.. ولم يكتف بأنه سبب انفصال جنوب السودان عن شماله ـ هربا من بطشه ـ فهل في قــــرار المشـــير وترحيب أردوغان، ما نشتم فيه رائحة التشفي فينا ـ نحن كل المصريين ـ وهل حرام أن نسترد أرضا وافقنا ـ يوما ـ على أن تتولى حكومة السودان «المصري ـ الإنكليزى» إدارتها.
فلما أساء التصرف في هذه الأرض المصرية وقررنا استعادتها خدمة لأهلنا من البشارية والعبابدة، يشن المشير علينا الحملات، بل ويشكونا للأمم المتحدة، ثم نجده «يمنح تركيا» جزيرة سواكن، ولمدة غير محددة، طمعا في دراهم أردوغان.
والسؤال الآن: هل يحكم البشير ليتصرف فيها كما يشاء؟ أم لكي يطمع في أموال تركيا الاستعمارية؟ ورغم كل ذلك نقول للمشير البشير: سواكن ليست أرضا سودانية، بل هي أرض مصرية، وعودوا إلى عام 1899 بعد أن استرد الجيش المصري السودان، وتم الاتفاق على أن تكون حدود مصر الجنوبية عند خط عرض 22 شمالا.. ويتضمن هذا الاتفاق كيفية إدارة السودان «المشترك»، وأكد أن «سواكن» لا تدخل ضمن هذا الاتفاق.. لسبب واحد هو أن الجيش المصري الذي كان يؤمن أرض السودان لم ينسحب من سواكن خلال أيام الثورة المهدية.. وظل صامدا، وبذلك ـ كما نصت هذه الاتفاقيات ـ ظلت أرضا مصرية».

غاوي دولارات

الحرب على البشير لا تنتهي وها هوعماد الدين أديب في «الوطن» يدلي بدلوه: «الرئيس السوداني عمر البشير يلعب بالنار من أجل الدولارات. يعتقد أنه قادر على التعاون أمنيا مع الاستخبارات الأمريكية، في الوقت ذاته الذي يعرض فيه خلال زيارته لموسكو شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي على الرئيس بوتين إقامة قاعدة عسكرية في السودان على البحر الأحمر. وفي الوقت ذاته الذي يحج فيه سياسيا إلى الرياض من 4 إلى 6 مرات سنويا طلبا للدعم، بينما هو أكبر المتعاونين قلبا وقالبا مع قطر، ويغازل الإماراتيين في الوقت الذي ينسق فيه بكل قوة مع إيران. يفعل المشير عمر البشير ذلك مؤمنا بأنه الداهية الوحيد الذي يستطيع خداع الأمريكان والروس والسعوديين والإماراتيين والإيرانيين في آن. وفي الوقت الذي أرسل فيه البشير قوات سودانية إلى السعودية في حربها مع الحوثيين، يقدم فخامته ليل نهار فروض الطاعة لنظام حكم الأمير تميم في قطر. آخر تجليات الرئيس السوداني هو ذلك الاتفاق الذي وقعه منذ أيام مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال زيارة الأخير للسودان. تم في هذه الزيارة توقيع 21 اتفاقا بقيمة 650 مليون دولار أمريكي، وأيضا تم الإعلان عن منح السودان لتركيا قاعدة بحرية عسكرية في منطقة سواكن، التي تقع شرق السودان، وهو موقع استراتيجي بالغ الأهمية يطل على البحر الأحمر. القاعدة هي قاعدة دفاع وتدريب وتخزين للسلاح، يتم إنشاؤها بواسطة شركات تركية وبتمويل كامل من دولة قطر. وعلاقة التنسيق العسكري بين الخرطوم وأنقرة بدأت بقوة عقب ظهور النظام الإخواني في مصر، وكانت أولى خطواتها زيارة البارجة التركية «بارباروسة» لميناء بورسودان في يونيو/حزيران 2014 يعمل على ظهرها 700 خبير ومدرب عسكري تركي».

في حمى أردوغان

العلاقة تشهد مزيدا من التوتر مع السودان، وهو الأمر الذي اهتم به عماد الدين حسين في «الشروق»: «لا يمكن فهم زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للسودان ضمن جولته الإفريقية خلال هذا الأسبوع، إلا في إطار مناكفة مصر ومعاندتها ومحاولة إزعاجها بكل الطرق. سيقول السودانيون والأتراك إن من حقهم إقامة العلاقات الدبلوماسية مع كل البلدان والتنسيق معها، لصالح الطرفين، وهو أمر بطبيعة الحال صحيح، لكن السياسة لا تعرف الأبيض والأسود، بل الرمادي دائما. أنصار الأتراك في مصر والمنطقة، تعاملوا مع زيارة أردوغان للسودان، وكأنها «الفتح المبين» نكاية في حكومتهم! قرأت لكثيرين من أنصار جماعة الإخوان يهللون للزيارة، خصوصا إعلان أردوغان أن السودان وافق لبلاده على إدارة جزيرة سواكن لفترة غير محددة، لإعادة بنائها وتطويرها، وأن هناك ملحقا في الاتفاقية لن يتم الإعلان عنه! مرة أخرى لا يمكن لوم الأتراك والسودانيين على إقامة العلاقات أو تعزيزها، ولا يمكن لوم الرئيس السوداني عمر حسن البشير حينما يقول إنه يطمع في رفع التبادل التجاري بين البلدين إلى عشرة مليارات دولار، بعد أن تم التوقيع على 33 اتفاقية خلال الزيارة، وعلى رأسها إنشاء مجلس للتعاون الاستراتيجي. لكن اللوم الحقيقي ينبغي أن يذهب لسياسة الرئيس السوداني الذي لم يفعل شيئا خلال الشهور الماضية، إلا مناكفة مصر. ليس سرا أن العلاقات الرسمية بين الحكومتين في القاهرة والخرطوم تمر بواحدة من أسوأ مراحلها، رغم أن الحكومة المصرية تفضِّل حل الخلافات في غرف مغلقة. يعلم الرئيس البشير أن الرئيس التركي يتربص بمصر وحكومتها ورئيسها، ودائم الانتقاد للسياسة المصرية، منذ تم خلع جماعة الإخوان، وبالتالي هو يريد أن يبعث لمصربرسالة: لقد جئت لكم بعدوكم الأول قرب حدودكم».

لم نقف معه

لكن هل ربح البشير شيئا من استقبال أردوغان؟ محمود خليل في «الوطن» يرى العكس: «أردوغان حقق مكاسب عديدة من زيارته للسودان، ولم يدفع مقابلا لها سوى الكلام. السودان لم يكسب شيئا اللهم إلا مناكفة مصر والمصريين. ربما كان هذا الهدف لدى الرئيس عمر البشير أهم من إنجاز نتائج حقيقية على الأرض. فكل طرف وله حساباته، لكن يبقى سؤال حول أسلوب مصر في إدارة علاقتها بهذا القطر الذي يمثل عمقا تاريخيا وجغرافيا بالنسبة لنا؟ واقع الحال أن ثمة خللا في إدارة ملف العلاقات المصرية السودانية، أول مظاهره يتعلق بحالة التسامح التي أبدتها مصر في إدارة ملف ترسيم الحدود مع عدد من الدول المجاورة لها، رغم ما واجهه من تململ شعبي، وهو التسامح الذي خلق لدى السودانيين طمعا في مثلث حلايب وشلاتين التابع لمصر، المظهر الثاني يتعلق بالإهمال الحكومي في شأن هذا الجزء من التراب المصري، حيث يسجل العديد من التقارير الإعلامية وجود تقصير حكومي في تزويد أهالي حلايب وشلاتين بما يلزمهم من خدمات، وهو أمر يؤدي إلى الحيرة عند النظر إلى التمسك الرسمي المطلوب بالأرض، مقابل الإهمال الواضح في حقوق من يعيشون فوق ترابها! السودان كان جزءا من مصر، ولكن بعد خروج الاحتلال الإنكليزي من القطرين، حدث الانفصال. وعبر عقود عديدة لم يفرق صناع القرار في مصر بين مفهوم الاستقلال والانفصال، السودان استقل عن مصر، لكنه لم ينفصل عنها، لأن لمصر مصالح مزمنة مع هذا القطر. ماذا فعلنا للسودان.. ما الجهد الذي بذله نظام مبارك على سبيل المثال للحيلولة دون انفصال جنوب السودان عن شماله؟ لا شيء. وخلال السنوات الماضية كل ما فعلته السلطة في مصر أن منحت البشير وسام «نجمة سيناء» عام 2016».

أردوغان مر من هنا

يعترف محمد أبو الفضل في «الأهرام»: «أن السودان، أصبح الحلقة الضعيفة في الخاصرة المصرية، بدلا من أن يكون حلقة قوية، ورسائله لم تكن خافية على المتابعين لخطاب الرئيس عمر البشير، الذي درج على افتعال معارك، وتعمد فتح جراح قديمة، كلما تحسنت العلاقات مع مصر، ولم يخف طوال الوقت دعمه للحركات الإسلامية، وهي القاعدة الرئيسية التي تجمعه مع النظام التركي. الزيارة التي قام بها أردوغان للخرطوم الأحد الماضي، كشفت عن الوجه الحقيقي لكل من تركيا والسودان، وجرى توقيع مجموعة من الاتفاقيات تمكّن أنقرة من التمدد في ربوع السودان، أهمها تطوير جزيرة سواكن في البحر الأحمر، وما تحمله من ملامح عسكرية. الفشل الذي لقيته تركيا في غزة أجبرها على التطلع إلى سواكن، مستفيدة من الانتهازية التي يتمتع بها النظام السوداني، وجعلته ينقلب على مصر ويقف إلى جوار إثيوبيا في مشروع سد النهضة، الذي يجلب أضرارا للبلدين، ويبتعد عن السعودية والإمارات بعدما أسهمتا في رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية عن السودان. الخطورة التي ينطوي عليها التقارب بين أنقرة والخرطوم ومعهما الدوحة، تكمن في انطلاقه من دعم الحركات الإسلامية المتشددة، ومساندة الجماعات الإرهابية في المنطقة، وتوفير غطاء لاستقبال الفارين من سوريا والعراق، وفتح مجال لصراع بديل، بعد أن بدأت الأزمة في سوريا تقترب من طريق التسوية السياسية. الخطورة الثانية للتحالف الجديد، المتوقع أن تكون إيران قريبة منه، بحكم علاقتها الوطيدة بقطر وتركيا، أن فضاء التعاون ينطلق من الأراضي والموانئ السودانية، وهي منطقة رخوة ومفتوحة على أزمتين مهمتين، هما ليبيا واليمن».

لهذا السبب السيسي غاضب

«لكن السؤال الذي يفرض نفسه حول التراكمات التي تسببت في تردي العلاقة بين القاهرة والخرطوم عبد الناصر سلامة في «المصرى اليوم» يرى أن الأسباب الكامنة وراء هذه الخلافات الخطيرة تتصدرها أزمة مثلث حلايب وشلاتين، والتوجه السوداني إلى الأمم المتحدة من خلال خطاب يرفض اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية، المبرم في 8 إبريل/نيسان عام 2016، على اعتبار أن هذه الاتفاقية تقر بحق مصر في مثلث حلايب وشلاتين، وعلى الفور وبدلا من التوجه المصري إلى السودان مباشرة في محاولة لاحتواء الأزمة، كان تصريح المتحدث باسم الخارجية بأن مصر بصدد توجيه خطاب إلى الأمم المتحدة، لرفض الخطاب السوداني. واستكمل الكاتب الصحافي حديثه قائلا: «من ناحية أخرى أزمة سد النهضة الإثيوبي فكل المؤشرات تؤكد أن موقف السودان طوال الوقت لم يكن مناصرا للحق المصري في مياه النيل، أو هكذا كان الاعتقاد المصري، كما أن مصر أيضا كانت مرغمة على التعامل مع هذا الملف بمنأى عن التنسيق مع السودان معظم الوقت، نتيجة محاولات ربط السودان هذه القضية مع قضية حلايب وشلاتين». وتابع: الغريب في الأمر هو ذلك التطور على المستوى الشعبي الحاصل بين البلدين سلبا، وهو ما يؤكد أن هناك قصورا في ما يتعلق بالأداء الإعلامي في كلا البلدين، نتج بالتأكيد عن ذلك القصور السياسي، ذلك أن المتابع للرأي العام في السودان بشكل خاص سوف يكتشف أن هناك مرارة أو غصة شديدة جدا نحو مصر، لذلك نحن أمام أزمة ثقة في المقام الأول».

القاهرة تنزوي

الأسى لتراجع دور مصر يتزايد ومن الباكين حسن حنفي في «المصري اليوم»: «يشتد حزن العربي القومي عندما يرى أن الخليج قد حل محل مصر التقليدي بؤرة للعرب. وفي إحدى الصور المشهورة، يجلس الملك فاروق بطربوشه على كرسي، ويلتف حوله الأمراء العرب بجلابيبهم البيضاء كالمركز والدائرة. وهو ما يعبر عن الصلة بين المركز والأطراف بين مصر والعرب. كانت مصر دولة، والخليج مجرد عائلات وقبائل لم تتحول بعد إلى دول أو اتحاد. وكانت مركزا للعلم والثقافة والفن. يأتيها كل كاتب وفنان، ويبرز موهبته فيها. كانت مصر دولة يُقدر عمرها بآلاف السنين، ومدن الخليج مجرد تجمعات عمرانية حول النفط، الذي اكتشف حديثا. كانت مصر دولة مستقلة تعرف الحكم النيابي والتعددية الحزبية والثورات الوطنية مثل ثورة 1919، وثورة 1952. تأتي إليها البعثات التعليمية والعلمية من أطرافها قبل الذهاب إلى أوروبا. عرفت حركة التحرر الوطني منذ ثورة عرابي 1882 حتى ثورة الربيع العربي 2011. ثم امتدت إلى الأطراف في تونس والجزائر والمغرب واليمن والعراق. عرفت طرق التنمية، بناء القناطر والسدود، وإقامة المصانع، وتكوين الاقتصاد الوطني المستقل بفضل طلعت حرب. مواردها الاقتصادية ثابتة من الزراعة ومياه النيل والسياحة. في حين أن موارد الخليج وهو النفط وقتية. قد ينضب بعد عشرات السنين. كانت مصر دائما مركزا لحركات التحرر الإفريقية. وكان موقعها بين إفريقيا وآسيا، تربط بين شرق الوطن العربي ومغربه، وقريبة من البحر الأبيض المتوسط. فمن يحكم مصر يحكم العالم، كما قال ليبنتز في مشروعه لغزو مصر الذي قدمه إلى لويس ملك فرنسا. مصر القلب والخليج الجناح. وبدون القلب لا يستطيع الجناح أن يطير. وبدون الجناح يظل القلب نابضا في مكانه لا يتحرك. ومصر صاحبة مبادرات الحرب والسلام، التي انتهت بالهزيمة في 1948 وفي 1967، وبالنصر في 1973. ثم بدأت مصر مبادرات السلام بزيارة الرئيس السادات إلى القدس في 1977».

الفرخة أغلى من المترو

«أراد وزير النقل هشام عرفات تبرير الزيادة المقررة لأسعار تذاكر المترو، فقال أنه بسعر تذكرة المترو في مصر تشتري «بيضة ونص» وأنه في فرنسا تشتري 7 بيضات، ولكن الوزير لم يقل لنا، كما يشير أشرف البربري في «الشروق» أن الحد الأدنى للأجور في فرنسا بلغ خلال العام الحالي 1480 يورو شهريا وأن سعر البيضة في فرنسا نحو ثلث يورو، أي أن المواطن الفرنسي يمكنه شراء 4625 بيضة شهريا، في حين أن سعر البيضة في مصر يبلغ 120 قرشا تقريبا، وأن الحد الأدنى للأجور يبلغ 1200 جنيه أي أن المواطن المصري لا يمكنه إلا شراء ألف بيضة فقط شهريا بكل مرتبه، وبالتالي فالمقارنة لا تجوز يا معالي الوزير. وإذا كانت الحكومة تريد أن تحمّل المواطن كامل تكلفة أي خدمة يحصل عليها، خاصة في مجال النقل العام، فمن حقه معرفة التكلفة الحقيقية للخدمة وليس التكلفة الفعلية الناتجة عن سوء إدارة هذه المرافق والخدمات وإهدار مواردها، بتحويل مناصبها العليا إلى مكافأة نهاية خدمة لقيادات بعض الأجهزة والهيئات، فيتم تعيينهم في إدارة هذه المرافق بعد أن أنهوا سنوات خدمتهم في أجهزتهم الأصلية، بغض النظر عن قدرتهم على إدارة المرافق بالصورة الصحيحة، لتكون النتيجة تراكم الخسائر التي لا يمكنهم تعويضها إلا بالحديث عن زيادة الأسعار التي يتحملها المواطن المسكين. في صورة مكافآت آلاف الأشخاص المنتسبين أساسا إلى جهات أخرى».
غادر قبل تكريمه

«جدد رحيل أستاذنا الصحافي والكاتب والمؤرخ صلاح عيسى، مسألة تفرض نفسها مع رحيل كل كبير في الفكر أو العلم أو السياسة. وهي كما يشير أكرم القصاص في «اليوم السابع»، أن الصحافة والإعلام يحتشدان لذكر ميزات وإنجازات وعظمة الشخص بعد أن يرحل، ويثور السؤال: لماذا لا نذكر الشخص ونعترف بفضله وأستاذيته، ونحتفي بكتبه وأفكاره وهو على قيد الحياة؟ وقد عبّر الكاتب اللامع الصديق عمر طاهر عن هذا ببراعة عندما كتب على صفحته «كل أصدقائي الشاطرين في المهنة فعلا وأصحاب منصات ومقالات متغاظ منهم، ومن نبرة عمنا صلاح عيسى هو الأهم، ويستاهل أكتر وصنايعي المهنة وأحسن واحد كتب عن كذا.. النبرة اللي ظهرت بعد وفاته النهاردة.. كنتوا فين وأنا معاكم وهو موجود وليه مستكترينها على الكبار في حياتهم».
عمر طاهر يعبر عن شعور يتلبسنا كلما رحل أحد كبارنا من المبدعين أو الكتاب، ومنهم أستاذنا الكاتب الكبير صلاح عيسى. ومعه عقد من المبدعين والكبار والصنايعية. وقد استبق عمر طاهر بكتابه الرائع «صنايعية مصر» الذي رصد فيه بقلم مبدع قصص كبار الصنايعية في كل مهنة وإبداع من الفن للثقافة للطب للسياسة الصناعة والحرف والفنون التي رسمت زمنا نحنّ إليه ونحلم باستعادته. والصنايعي أو المعلم كانت تعرفه المهن لا يكون فقط حرفيا مهنيا فنانا مبدعا، لكنه أيضا يعلم صبيانه و«يسقيهم» الصنعة، هكذا كان كتاب عمر طاهر اعترافا بأفضال من رحلوا».

الشعب هو الأفضل

«في نهايات كل عام تجري الاستفتاءات وغالبا، كما يرى سيد علي في «الأهرام» ما يكون الزعماء ونجوم الرياضة والسينما هم الأفضل والأحسن وكل أفعل التفضيل وربما يكون ذلك صحيحا في جانب منها، ولكن الصحيح أكثر أن النجوم والأفضل والأحسن هم الذين يقاتلون في صمت، ويتعففون عن المن على الآخرين، وهم الذين يتوضأون بعرق العمل، أصحاب الأيادي الطاهرة الذين يعملون ولا ينتظرون شكرا من أحد، هم كالماء والهواء لا نستطيع الاستغناء عنهما لحظة واحدة، ولا تستمر الحياة إلا بهما، ومع ذلك يظن الجاهل أنهما الأرخص لأنهما بلا ثمن، بينما الذهب والفضة والماس هي الأغلى، ومع ذلك لا قيمة لها في استمرار الحياة من عدمها وهؤلاء الأبطال الذين يقاتلون في معركة الحياة بشرف ونزاهة، لن تجدهم مع المدعوين في المناسبات، ولن تسمع لهم صوتا، ولن تجد لهم ظهرا ولا تتكلم عنهم برامج «التوك شو» إلا لاستغلال بعض قضاياهم للمتاجرة بأوجاعهم، في إعادة لشعارات رخيصة مثل، الشعب هو البطل وهو السيد بينما السجون والمعتقلات تزدحم بهم.
البطل والنجم والأفضل هو الشعب والنَّاس، وهم كلمة السر، وهم الذين تحملوا بصبر ووعي فاتورة الإصلاح، وخسروا نصف دخلهم ومدخراتهم بقرار تعويم الجنيه، وتحملوا بصبر أسطوري ارتفاع تكاليف الحياة، بعد الانخفاض الكبير للجنيه وأثبتوا قدرة فريدة على تحمل الأهوال طوال ستة أعوام، بدءا من الانفلات الأمني وتهديدات الإخوان، وتحمل كل أخطاء الفترة الانتقالية وخطايا المتحولين سياسيا ونزق الناشطين والسوق السوداء، ولايزال هذا الشعب قادرا على الصبر للنصر في معركة الإصلاح، ولكن بشرط أن يتقاسم الحياة بحلوها ومرها الجميع الكبار قبل الصغار، بدون المن عليهم بالأمن والأمان والطعام واتهامهم بالكسل وكثرة الإنجاب».

عام ثقيل الظل

هكذا كان شعور فكرية أحمد في «الوفد» وهي تودع عام 2017: «كانت الأيام حبلى بالمآسي، ولم تلد لنا غالبا إلا إرهابا.. دماء.. مكائد ومؤامرات علينا من الداخل والخارج.. وهدامين للبناء ينتشرون في كل مكان لينشروا بيننا الإحباط حتى نلعن أيامنا ونكفر بكل ما تراه أعيننا من جهود حقيقية ومشروعات قومية عملاقة لاستكمال بناء مصر، ونجح هؤلاء في تلخيص همومنا في أسعار السلع التي التهبت وأحرقت جيوبنا ومدخراتنا صغيرها وكبيرها، ونسينا أو تجاهلنا كل ما عدا ذلك، نسينا الصبر لنحصد، فالزارع مؤكد حاصد، ولكن عليه أولا العمل بجد والصبر ليحصد، وعليه أن يصبر أكثر إذا ما كانت أرضه تم تخريبها وتجريفها من بشائر الخير، واعتقدنا أن من بيدهم الأمر يملكون مصباح علاء الدين، ولم نفقه أن زمن الأساطير انتهى، وأن علينا أن نخرج العفريت من داخلنا.. من مصابيحـــنا لتعمل وتتحرك وتنجز لأجلنا.. ولأجل من حولنا.
إجمالا كانت سنة 2017 «دمها ثقيل» مرت علينا متباطئة مختالة بكل عطاياها السلبية غالبا، منتصرة علينا لأنها أخذت من أعمارنا، ولم تضف إلى مكاسبنا شيئا يذكر، باستثناء المتكسبين من الفهلوية اللاعبين بالبيضة والحجر من يعيشون فوق الأيام ولا يتوقفون أمام حكمة الأزمنة لأنهم نسوا الله فأنساهم أنفسهم، وها هو العام يرحل عنا كئيبا غير مأسوف عليه».

عليها إثبات حسن نيتها

ننتقل لأزمة سد النهضة التي يوليها محمد بركات في «الأخبار» اهتماما خاصا: «قول وزير الخارجية الإثيوبي وركنا جيبور‬ بعد مباحثاته مع وزير الخارجية المصري سامح شكري مؤخرا في أديس أبابا، بأن بلاده ملتزمة بالاتفاق الإطاري لإعلان المبادئ بخصوص سد النهضة، الذي وقع عليه رؤساء الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا في عام 2015 في الخرطوم، هو قول طيب، لكنه يحتاج إلى دليل حي يثبته ويؤكد صحته على أرض الواقع. لقد سمعنا هذا الكلام مرات كثيرة من الجانب الإثيوبي طوال الشهور والأعوام الماضية، منذ أن فاجأتنا إثيوبيا بإعلان البدء في إنشاء السد، بدون إخطار مسبق، نعم سمعنا هذا الكلام كثيرا، ولكننا لم نر دليلا واحدا حقيقيا يقوم على أرض الواقع يثبت صدق ما تقول ويؤكد صحته، بل على العكس من ذلك رأينا إصرارا على الإسراع من الجانب الإثيوبي لوضع الأساس، ثم الشروع في بناء جسم السد وإقامة البحيرة أو الخزان المائي الخاص به، وتعديل قدرة السد التخزينية من 14 مليون متر مكعب إلى 75 مليون متر مكعب، بدون استشارة وبدون إخطار. كل هذا ومصر تبدي حُسن النية وتتمسك بثقتها في الجانب الإثيوبي، وتعلن رغبتها بالتعاون المشترك، بدون مردود حقيقي من الجانب الإثيوبي، بل على العكس رأينا الكثير من التلكؤ يهدف إلى كسب الوقت حتى إتمام بناء السد كي يصبح أمرا واقعا، وهو ما لا يمكن القبول به على الإطلاق. أما إذا أرادت إثيوبيا اثبات حسن نيتها وتأكيد مصداقيتها، فإننا نتوقع منها أن تعلن موافقتها على المقترح الخاص بوجود طرف محايد».

القدس تبحث عن هويتها

نتحول نحو المدينة المقدسة والدكتور عبد الآخر حماد في «المصريون»: «مقولة مفادها أن علينا حين نتكلم عن قضية القدس أن نبتعد عن وصف القدس بأنها مدينة إسلامية، بدعوى أن القدس فيها مسيحيون وفيها مقدسات مسيحية، ولذا فإن الصحيح في نظر أصحاب تلك الدعوى أن نكتفي بالتركيز على أن القدس عربية، كما يجنح أصحاب تلك الدعوى إلى وجوب التفرقة بين اليهودية كديانة والصهيونية كحركة سياسية عنصرية، وأن اليهود ليسوا جميعا صهاينة، فهناك من اليهود من لا يوافق على قيام دولة إسرائيل، ومنهم من ينتقد بعض تصرفات قادة إسرائيل ولا يرضى عنها، وقد اعتدنا أن نسمع هذا الكلام من قبلُ من بعض دعاة العلمانية الذين لديهم مشكلة أصلا مع الإسلام، وكل ما يمت إليه بصلة، لكن الجديد أننا صرنا نسمع هذا الكلام من بعض الدعاة الإسلاميين، ومن يسميهم البعض بالمفكرين الإسلاميين، الذين يحاولون تسويق ذلك الرأي على أنه يمثل الإسلام الوسطي المعتدل البعيد عن الغلو والتطرف. ولا شك في أن تلك النظرة تحمل في ما تحمل تغافلا شديدا عن الحقائق التاريخية والواقعية، التي ما كان ينبغي أن تغيب عن شخص ينتسب للدعوة الإسلامية، ذلك أن قيام دولة إسرائيل إنما هو في أصله مبني على ما يرونه هم حقائق دينية توراتية، حسبما صرح به آباؤها المؤسسون وقادتها حتى الآن. ويهتم الكاتب بالحديث عن العلاقة القوية بين حكام إسرائيل والمسيحيين الصهيونيين: قال نتنياهو عندما كان مندوبا لإسرائيل في الأمم المتحدة: «لقد كان هناك شوق قديم في تقاليدنا اليهودية للعودة إلى أرض إسرائيل، وهذا الحلم الذي ظل يراودنا منذ 2000 سنة تفجر من خلال المسيحيين الصهيونيين».

واشنطن لا تحصي قتلاها

«واهمٌ، على حد رأي مصطفى يوسف اللداوي في «الشعب»، من يظن أن الولايات المتحدة الأمريكية وسيطٌ نزيهٌ للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأنها ترعى المفاوضات الثنائية بموضوعيةٍ ومهنيةٍ، وبمصداقيةٍ وعدالةٍ وأمانةٍ، وأنها تقف على الحياد بين الطرفين في العملية السلمية، فلا تؤيد فريقا على حساب آخر، ولا تضغط على طرفٍ وترضي الآخر، وأنها جادةٌ في سعيها ومخلصةٌ في دورها، وحريصةٌ على نجاح مهمتها، لذا فهي تهيئ الأجواء بين الطرفين، وتذلل العقبات بينهما، وتسوي المشاكل وتساهم في خلق الحلول الممكنة، وتدفع من خزينتها ما يكفي لتسهيل قبول الطرفين بالحلول المقـــترحة، وتبني التسويات الممكنة، وتسمي ممثليها في المفاوضات من شخصياتها المعتدلة، ودبلوماسييها المشهود لهم بالوسطية والمهنية، ممن يؤمن بالسلام العادل بين الطرفين ويعملون له. الحقيقة أن الإدارة الأمريكية فرضت نفسها وصية على المفاوضات، وجعلت من نفسها طرفا لا وسيطا فيها، وخصما مريدا لا حكما عادلا، وفرضت وسطاء من جانبها هم أقرب في ولائهم وإيمانهم إلى الإسرائيليين من العرب عموما ومن الفلسطينيين خصوصا، واختارت من كبار موظفيها مبعوثين يهودا أو من اليمين المسيحي المتطرف، الذين هم أكثر صهيونية من الإسرائيليين أنفسهم، وأكثر حرصا على كيانهم وأمنهم، وسلامتهم ومستقبلهم، وبذا فهي أبعد ما تكون عن العدالة والوسطية والمهنية والموضوعية والنزاهة، وآخر من تصلح أن تلعب دور الوسيط أو الراعي، إنها طرفٌ أكثر تطرفا من الإسرائيليين أنفسهم، وأشد حقدا على العرب والفلسطينيين من الحركة الصهيونية نفسها».

أسير نسيناه

«المسجد الأقصى ثالث المساجد المعظمة في الإسلام، وكما يشير عباس شومان في «اليوم السابع» فقد تعاقبت عليه الأيدي، فهو في أيدي المسلمين تارة وبين أيدى غير المسلمين أخرى، حتى وضع الصهاينة عليه أيديهم الملوثة بالدماء الطاهرة الزكية التي هبت لنصرته وتخليصه من الأسر الذي طال أمده، لكننا موقنون بأن يوم خلاصه آتٍ لا محالة، فتحرير المسجد الأقصى وعودته للمسلمين خالصا وعدٌ في كتاب ربنا لن يتخلف، حيث يقول الله تعالى: «فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرا»، فعودة الأقصى للمسلمين قضية محسومة لا يخفى علينا إلا وقتها، ولعله قريب إن شاء الله. وحتى يأتي هذا الموعد الذي لن يتخلف لأنه وعد إلهي غير مكذوب، على المسلمين ألا ينسوا أو يحاول أحد أن ينسيهم أو يلفت أنظارهم بعيدا عن تلك القضية الأهم بالنسبة لجميع المسلمين حول العالم، فالمسجد الأقصى هو أولى القبلتين، وثالث الحرمين، ونهاية مسرى خاتم الأنبياء وبداية معراجه إلى السموات العلى، يقول الله تعالى: «سُبْحَانَ الذي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ». وعلى المسلمين حول العالم أن يدركوا واقعه الأليم، وأن يعوا جيدا ما يحاك لقبلتهم الأولى التي لا تقل شرفا وتعظيما عن بيت الله الحرام، فرغم أن المؤسسات الدولية والهيئات الأممية تعلم وتشهد وتقر مواثيقها ومعاهداتها بأن المسجد الأقصى مسجد إسلامي عربي تحت الاحتلال، فإنهم يغضون الطرف عن انتهاكات المحتل بحقه منذ عقود من الزمان، ولا يتحرك لهم ساكن وهم يتابعون ما يجري من حفريات لتخريب بنيانه، ومحاولات طمس هويته، وتغيير واقعه».

سوء إدارة خدمات النقل وإهدار مواردها وتعويض الخسائر بزيادة الأسعار والمواطن هو الضحية

حسام عبد البصير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية