آخر أيام الكيماوي السوري: الضربة الأمريكية حقيقة أم وهم؟
18 - سبتمبر - 2013
حجم الخط
0
في غمار قرع طبول الحرب الأمريكية، والتجييش الإعلامي للرأي العام العالمي، وتصوير الضربة العسكرية لسورية وكأنها خشبة ‘الخلاص’ للشعب السوري من محنته، كان قلة من المراقبين قد انتبهوا إلى الموقف الروسي وأعطوه الأهمية التي يستحقها، في إيجاد تسوية أقرب لأن تكون سياسية لأزمة الكيماوي في سورية، خصوصاً بعد التصريحات المتعددة عن المسؤولين الروس بأنهم لن يتدخلوا بأي نزاع عسكري في سورية! وبالتالي توقع الكثيرون أن الضربة العسكرية الأمريكية لسورية واقعة لا محالة، خصوصاً الأطراف الإقليمية الذين تحسّبوا لها واستوضحوا واشنطن عمّا سيكون موقفها إذا ما امتدّ لهيب الصراع الى ديارهم. وبالنتيجة فإن الجريمة النكراء التي وقعت في غوطة دمشق، وراح ضحيتها ما لا يقل عن ألف وخمسمئة شخص، معظمهم من الأطفال والنساء، بسلاح كيماوي بدت أنها لن تمر ‘مرور الكرام’ على المجتمع الدولي، وأن هناك حساباً وعقاباً سيطال مرتكبيها على رأي من هلل للضربة الأمريكية، إلا أن المؤشرات المرئية والمقروءة، تشي بأنّ ‘الجعجعة’ الأمريكية لن تشعل وقود صواريخ ‘التوماهوك’ لتصبّ على رأس النظام في سورية. ولو كان البيت الأبيض جدّياً في تهديداته، لما انتظرت ذراعه العسكرية الإذن من الكونغرس أو من مجلس الأمن الدولي أو من غيرهما من المنظومات الدولية، فقد سبق لترسانة ‘العم سام’ أن تدخّلت عسكرياً في السودان واليمن والعراق وغيرها، من دون مشورة أحد. وكان بإمكانها أن تكرر السيناريو ذاته من دون أن يرف لها جفن. وهنا يمكننا أن نمر سريعاً على أسباب واضحة تعرقل مثل هذه الضربة: فأولاً معارضة الرأي العام الأمريكي لانزلاق الولايات المتحدة إلى حرب إضافية في الشرق الأوسط، وتجاوب كثرة من أعضاء مجلسيّ الكونغرس والنواب مع موقف الرأي العام، ثم هناك قلة من حلفاء أمريكا الأوروبيين أيّدت الضربة العسكرية المفترضة أو المشاركة فيها. فلماذا تعمل أمريكا بشكلٍ يتعارض مع أغلبية حلفائها الأطلسيين؟ وثانياً أبدت سورية استعداداً للرد على الضربة المفترضة، وقد يؤازرها بعض حلفائها في الرد، الأمر الذي يؤدي إلى اتساع رقعة الحرب وشمولها المنطقة العربية وجوارها. فهل للولايات المتحدة مصلحة في نشوب حرب إقليمية قد تتأذى منها المصالح النفطية وأمن اسرائيل؟ ثالثا، الولايات المتحدة لم تتخلص بعد من آثار أزمتها المالية والاقتصادية التي اندلعت في صيف2008 فلماذا تتورط في حرب باهظة التكلفة من جديد؟ والأهم أخيراً، أن روسيا تبدي إشارات إلى إمكانية إيجاد مخرج للأزمة السورية من خلال التوافق على ترتيبات بشأن أسلحتها الكيميائية على أساس وضعها تحت رقابة الأمم المتحدة. فلماذا لا تدرس أمريكا هذا المقترح الروسي بعد بلورته، فيكون مدخلاً لتسوية الأزمة سياسياً مع سورية، وربما يكون أيضاً مدخلاً لتسوية الخلاف مع إيران بشأن برنامجها النووي؟ إذاً ما الذي تريده أمريكا في الحقيقة، وهل ما يقال عن إحراج أوباما في ما يسمى الخطوط الحمر كان وراء هذه ‘المسرحية’ الدولية، التي سميت بــ’الضربة الأمريكية’؟ نعتقد أن الإدارة الأمريكية كانت تخطط من لحظة الإضاءة على ‘الأسلحة الممنوعة’ لدى النظام في سورية إلى تحييد هذا السلاح الذي قد يتحول خطراً على حلفائها الإقليميين وعلى رأسهم إسرائيل وتركيا، وليس المقصود بهذا التهديد والوعيد تفجير الوضع أو تعديل ‘ميزانه’. ولهذا كان التركيز على ‘خاتمة توافقية’ تسير على ‘شفير الهاوية’ وتنتهي سلمياً، كما انتهت أزمة الصواريخ الكوبية في العام 1962 بسحب ‘المواد المشتعلة’ بعد التهديد الأمريكي بضرب ‘الجار الكوبي’ آنذاك. فالإدارة الأمريكية تعيش ‘عصر انكفاء’ عسكري وصل على متنه باراك أوباما إلى البيت الأبيض، فيما الروس كانوا واضحين بقولهم إنّهم لن يدخلوا حرباً عسكرية مع خصمهم الأمريكي، لكنهم كانوا يسعون إلى ‘تغطيس’ الأمريكيين في مستنقع الوحول السورية، كي يكونوا ‘القشة’ التي تحمل ‘المارينز’ إلى برّ الأمان، أسوة بما فعله الإيرانيون في أفغانستان والعراق مع الجحافل القادمة من بلاد ‘العم سام’. غير أنّ هؤلاء جرّوا الروس والسوريين إلى اتفاق لتحييد ‘الكيميائي’ من دون أن يشمروا عن سواعدهم. وبالتالي فالأزمة لن تغيّر كثيراً في ميزان القوى السورية على الأرض، الميزان الذي يعتبر نموذجياً بالنسبة للغربيين، إذ أن تصارع ‘الأعداء’، أي النظام ‘البعثي’ والمجموعات السلفية التي جاءت من كل حدب وصوب إلى ‘أرض الجهاد’ السورية، هو الوضع الأمثل بالنسبة لواشنطن وحلفائها، لأنه يساهم في استنزاف الفريقين، أسوة بما حصل في حرب العراق وإيران التي استمرت أكثر من ثماني سنوات وكلفت أكثر من 600 مليار دولار. وهنا، تتلاقى مصلحة الجميع، بما في ذلك موسكو وحتى الخليج، بإنهاك المجموعات الأصولية أولاً، وبالحفاظ على وحدة الجيش السوري بنواته الحالية ثانياً، ذلك لأنّ واشنطن لا تريد تكرار تجربة العراق، في حين أنّ التمايز يظهر حين يتصل الأمر بالرئيس بشار الأسد. ذلك لأنّ العواصم الغربية تعتبر أنّ أي تسوية سورية لا يمكن أن تحتمل بقاء الأسد في سدّة الرئاسة، في حين أن روسيا تجيبهم بأنّه ليس بمقدورها الضغط عليه للتنحي، ولهذا يعترضون حتى اللحظة على مبدأ إقالته. وعلى هذا الأساس، قد يستمر تسليح المعارضة السورية من جانب حلفائها، فقط بهدف الضغط على النظام كي يقبل بالتسوية. ومن هنا عودة الحديث عن ‘جنيف 2’، بينما لا تزال شروط انعقاده غير متوفرة بسبب التباين في وجهات النظر، إذ يعتقد الروس أنّ الشعب السوري وحده من يقرر تركيبته الحاكمة، في حين يطالب الأمريكيون بالاتفاق على مرحلة انتقالية لا تتضمن الأسد، مع العلم أنّ بعض الخبراء يعتبرون أنّ التسوية السورية لن تنضج قبل أن يُرهق الفريقان وتُستنزف قدراتهما. ونتيجة لذلك فإن الظروف لا تبدو مهيأة لانعقاد مؤتمر دولي في جنيف بحثاً عن حلّ للأزمة في الوقت الحالي، حل تريده واشنطن على الطريقة اليمنية، بخارطة طريق وفق نموذج ‘الطائف’ اللبناني، الذي يتيح قيام تركيبة توافقية لا تغيّر في موازين القوى بين مكونات الشعب السوري، ولا تؤثر في التموضع الإقليمي لدمشق. بتعبير آخر، لن تمانع واشنطن، من أن يكون لموسكو ولطهران دور نافذ في سورية الجديدة، طالما أنّ مصالحها مضمونة، وطالما أن سورية قد انتقلت من دور اللاعب الإقليمي الى مسرح للصراع الدولي.