تونس – «القدس العربي» : أثارت وثيقة مسرّبة تكشف «مخطط» أبوظبي للتعامل مع أزمة منع التونسيات من السفر إلى الإمارات، ردود فعل غاضبة في تونس، حيث طالب سياسيون ونشطاء السلطات بفتح تحقيق لكشف «عملاء» الإمارات في البلاد، فيما حذر آخرون من تأثير أبوظبي على نتائج الانتخابات البلدية المقبلة.
ونشر موقع «عربي 21» اللندني وموقع «الصدى» التونسي وثيقة مسربة صادرة عن «إدارة تخطيط السياسات» في وزارة الخارجية الإماراتية، تتضمن ثماني توصيات لتعامل الإمارات مع الأزمة الأخيرة مع تونس، أبرزها «استبعاد فرضية الاعتذار لتونس؛ كون الاعتذار يُسيء لصورة دولة الإمارات» وتحويل الغضب الشعبي التونسي تجاه دولة الإمارات إلى جدل حول حركة «النهضة» و«تحريض» حزب «نداء تونس» ضد الحركة و«تحريك جمعيات ومواقع إعلامية داخل تونس لقلب النقاش ضد «النهضة» وتسويق أنها «المسؤولة عن الأعداد الكبيرة من الداعشيات التونسيات اللواتي أصبحن يسئن للمرأة التونسية وصورتها التقدمية في الأذهان»، ودفع الأموال لبعض وسائل الإعلام في العالم العربي من أجل الخلط بين قوى الإسلام السياسي الديمقراطي (والذي تمثل النهضة أحد أقطابه) وبين تنظيم «الدولة الإسلامية» المتطرف.
وشكك سالم عيسى القطام الزعابي السفير الإماراتي في تونس بصحة الوثيقة المذكورة، مؤكدا أنه «لا وجود لإدارات في وزارة الخارجية الإماراتية تسمى «إدارة تخطيط السياسات» أو «إدارة الشؤون الأفريقية» أو «إدارة الشؤون الإعلامية والاتصال الحكومي»، مثلما جاء في الوثيقة»، ورد موقع «عربي 21» بنشر هيكلية وزارة الخارجية الإماراتية المنشورة عل موقعها الإلكتروني والتي تتضمن بوضوح أسماء الإدارات المذكورة.
وأثار الخبر ردود فعل غاضبة في تونس، حيث كتب سمير بن عمر رئيس الهيئة السياسية لحزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» على صفحته في موقع «فيسبوك»: «متى تفتح النيابة العسكرية الملف الحقيقي للتخابر مع دولة اجنببة والتآمر على أمن الدولة الضالع فيه بعض المرتزقة من أشباه السياسيين والاعلاميين؟ أم أن القضاء العسكري اختصاصه شفيق جراية (رجل أعمال موقوف بتهم تتعلق بالفساد) فقط!». وكتب طارق الكحلاوي القيادي في حزب «حراك تونس الإرادة»: «رد السفير الاماراتي يجعل الوثيقة اكثر جدية (…) ومحتوى الوثيقة فيه ما يدين من يشتغل عند الامارات سواء بشكل مباشر (ولم يتم التنصيص عليه بالاسم) ومن يشتغل بالوكالة (وتم التنصيص عليه بالاسم). والحقيقة منطق السياسة الاماراتية الخارجية المتوترة يجعلها فعليا تخدم بغبائها الاطراف التي تدعي مهاجمتها»، مشيرا إلى أنه «لا يمكن تجاهل من يعتبر في الخارج ان معركته تتضمن ضرب هذه الديمقر اطية (التونسية) مهما كانت مبرراته بما في ذلك معركته الذاتية المتوترة مع الاسلام السياسي». وأضاف الباحث سامي براهم «أهم ما تكشفه الوثيقة المسربة هو حجم الضعف والوهن والارتباك الذي عليه محور الثورات المضادة»، لكن انتقد بالمقابل نجاح «مرتزقة الإمارات» في إرباك الحكومات التونسية المتعاقبة. وكان حساب «بدون ظل» الشهير على موقع «تويتر» والذي يُعرّف نفسه بأنه ضابط في جهاز الأمن الإماراتي أكد قبل أيام أن صورة بلاده باتت سيئة جدا في تونس، داعيا التونسيين إلى مغادرة الإمارات بسبب قيام السلطات هناك بحملة أمنية كبيرة ضدهم.
وهذه الوثيقة الثانية التي تؤكد محاولة الإمارات التدخل في شأن تونس، حيث نشرت مصادر إعلامية منتصف العام الماضي وثيقة أخرى تلخص الاستراتيجية الإماراتية المقبلة لمحاولة التحكم بالقرار السياسي والاقتصادي في تونس، عبر تقديم الدعم لعدد من الأطراف السياسية (من بينهم محسن مرزوق وعبير موس وكمال مرجان وغيرهم) والإعلامية لمواجهة حركة «النهضة» وكسر تحالفها مع «نداء تونس»، وهو ما أثار موجة من الاستنكار لدى عدد كبير من التونسيين. وكتب رياض الشعيبي رئيس حزب «البناء الوطني»: «ليس هناك وسيلة للتأكد من صحة الوثيقة من عدمها، لكن ما بات متأكدا للجميع أن الامارات تتدخل في الشأن التونسي الداخلي بشكل يتناقض مع القانون الدولي وسيادة الدولة التونسية. وبحسب علمي الى حد الان لم أقرأ أي تعليق تونسي رسمي أو غير رسمي على الوضع الداخلي الاماراتي. ما نطلبه فقط هو عدم التدخل الاماراتي في الشأن التونسي الداخلي والتوقف عن تمويل بعض المرتزقة في مختلف المجالات. لكن ماهو مطلوب أيضا أن تتحرك النيابة العمومية للتحقيق في كل المعطيات حول هذا الموضوع. من غير المعقول أن يتحول الانتقال الديمقراطي ذريعة لاختراق المشهد الوطني». وكتب أحد النشطاء «على القضاء التحرك لفتح تحقيق حول مضمون هذه الوثيق، والكشف عن عملاء الإمارات وتوجيه تهمة الخيانة العظمى لمن يكشف عنه البحث»، وأضاف آخر «اقطعوا دابر الامارات وعملائها محسن مرزوق وعبير موسي وغيرهم.. وهكذا نرتاح سنرتاح من الإرهاب في البلاد». وكان محمد عبو مؤسس حزب «التيار الديمقراطي» دعا قبل أيام السلطات التونسية إلى «التحقيق في تدخل الإمارات وأي دولة أخرى دون استثناء في الشأن التونسي، وفي محاولات التأثير في نتائج الانتخابات فيها، عبر ضخ الأموال»، مرحبا بقرار وزارة النقل تعليق رحلات شركة الخطوط الإماراتية من وإلى تونس بعد قرار منع التونسيات من الصعود على متن طائراتها.
حسن سلمان