ربما لا يحتاج خامنئي إلى تقديم دليل إضافي على التدخل الخارجي في المظاهرات الإيرانية المعارضة، فقد تكفل ترامب بالمهمة، وعلى نحو فاقع ركيك مثير للشفقة، واعتمادا على مليارات منهوبة من خزائن دول خليجية بائسة، لا تتردد في إقامة الأفراح والليالي الملاح، وتروج لسقوط قريب للنظام الإيراني، وهو ما لا تسنده قرينة ولا شبهة قرينة، فلا يزال النظام الإيراني على سوءاته قويا بما فيه الكفاية، وقادرا على امتصاص الضربات.
ورغم أن إيران ظلت محاصرة بالعقوبات على مدى أربعين سنة، فلا تشكل ديونها الخارجية عبئا بأي معنى، وطبقا لدراسات اقتصادية مستندة لأرقام دولية، لا تزيد ديون إيران عن 5.5 مليار دولار، أي بنسبة أزيد قليلا على 1% من ناتجها القومي الإجمالي البالغ 512 مليار دولار، ولا علاقة لإيران بأي مؤسسات مالية عالمية تديرها واشنطن، وما من شروط يفرضها عليها صندوق النقد الدولي، ولا البنك الدولي، ولا تتلقى قروضا من أحد، ولا استثمارات أجنبية يعتد بها، وتتمتع باستقلال اقتصادي ظاهر، لكن إدارة اقتصادها تبدو محدودة الكفاءة، فإيران بلد غني بموارده الطبيعية، تحتل المركز الثاني عالميا في احتياطات البترول بعد السعودية، وتحتل المركز الثاني في احتياطات الغاز الطبيعي بعد روسيا، وصادراتها البترولية السنوية تدر عليها 60 مليار دولار سنويا، بعد أن كانت 110 مليار دولار قبل انخفاض أسعار البترول، وكان هذا هو الخلل الأول الذي ضرب الاقتصاد الإيراني، فلا تزال إيران تعتمد على دخل البترول كمورد أساسي، رغم أنها حققت تطورا هائلا في قدراتها العلمية والصناعية، توجه في غالب أثره إلى القفز بمعدلات التصنيع العسكري، بينما لا يزيد وزن قطاع الصناعات التحويلية إلى الآن عن 10% من جملة اقتصاد البلد، ولا تزيد نسبة الإنفاق العسكري المسجل رسميا عن 3% من الموازنة السنوية، وهو ما يبدو رقما خادعا بالقياس إلى النشاط العسكري الاستثنائي، بينما تبدو معدلات النمو في الناتج القومى متواضعة، نزلت لسنوات إلى ما تحت الصفر، ولم تزد في العام الأخير عن 3.5%، مازاد في معدلات البطالة والفقر والتضخم، معدل التضخم 10.5%، أي أن أسعار المستهلكين تزيد بالقدر نفسه سنويا، ومعدل البطالة 11% رسميا.
وفي الواقع أكثر بكثير، قد يصل عدد العاطلين من خريجي الجامعات إلى أربعة ملايين، فوق أن خرائط توزيع الدخول سيئة المغزى، أفقر 40% من سكان إيران لا يحصلون سوى على 17% من إجمالي الثروة، وأغنى 20% من الإيرانيين يحصلون على 45% من ثروة البلد، ومزيج الفقر والبطالة والغلاء أسباب كافية للغضب في مدن إيران، ففي المدن، يسكن قرابة ثلاثة أرباع السكان المقدرين بنحو 80 مليونا، أغلبهم من الشباب المعاني من الفقر والبطالة وانغلاق المجال الاجتماعي، وسيطرة تقاليد دينية غاية في التخلف والتشدد.
ومن حق الشعب الإيراني أن يتمتع بثروة بلاده، وهو ما لا يحدث غالبا بسبب سوء الإدارة، وبسبب الحروب المتصلة بين الإصلاحيين والمحافظين في بنية الحكم، وضيق هامش السلطات المنتخبة شعبيا، فلا يزيد دور الرئيس الإيراني المنتخب عن دور رئيس حكومة مغلول اليدين، ولا يزيد دور البرلمان (المسمى مجلس الشورى) عن دور مجلس محلي، بينما مفاتيح السلطة الحقيقية في مكان آخر، وفي يد أشخاص لا دور للناس في اختيارهم، فالمرشد الإيراني (علي خامنئي الآن) ليس منتخبا من الشعب، وخلافته محكومة بآراء رجال دين في مجلس خبراء، وسلطات الدولة العسكرية والأمنية أضعف في أدوارها بكثير من «الحرس الثوري»، والأخير جماعة نافذة لا تتلقى أوامرها سوى من المرشد غير المنتخب، والمرشد يفترض في نفسه سلطة إلهية، بيده الحل والعقد، ومن سلطته أن يحدد قوائم المرشحين للرئاسة والبرلمان والمحليات، وأن يعزل من يشاء متى ما شاء، فله سلطة «الولي الفقيه» بحسب تأويل الخميني للمذهب الشيعي، وهو نائب الإمام الغائب، وهو الأمين على عملية انتظار فك كرب المهدي الأسير في أنفاق سامراء، الذي ينتظر الشيعة عودته من الأسر على مدى مئات السنين الفائتة، وحتى يملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا.
وقد يمنع التركيب المعقد للنظام الإيراني من الانقلاب الداخلي عليه، وقد حدث أكبر تمرد داخلي في النظام عام 2009، قاده رجلا الدين مير حسين موسوي ومهدي كروبي، وكانا مرشحين للرئاسة، وأشهرا اعتراضهما وقتها على ما سمياه تزوير الانتخابات لصالح أحمدي نجاد، وحظيت حركة موسوي بتأييد شعبي واسع، وبدعم مظاهرات ضخمة في قلب العاصمة طهران، وكان للمرشد غير المنتخب دوره الحاسم في قمع ما سمي وقتها بالحركة الخضراء، ودفع موسوي وكروبي إلى إقامة جبرية متصلة إلى الآن، فيما تبدو مظاهرات إيران الأخيرة مختلفة، فقد ظهر في طهران شيء يسير منها، لكن مراكزها الكبرى كانت في مدن أخرى، من «مشهد» إلى «عبادان»، وبمساهمة من أطراف معارضة خارجية ممولة خليجيا، وباستثمار مباشر لأزمات اقتصادية حقيقية، ومن خارج النظام لا من أحد أجنحته، وكلها عناصر قد تسهل قمع واحتواء التحركات الجديدة، خاصة أن التدخل الخارجي بدا فاقعا، وظهر فيه صوت ترامب المكروه إيرانيا وعربيا على أوسع نطاق، فلا يعقل أن يكون شخص مهووس كترامب مناصرا للحرية، وهو المتهم في أمريكا نفسها بالجهالة والعمالة، وقد يؤدي تدخله العلني إلى تيسير قمع النظام الاستبدادي الإيراني لحركة المعارضين التلقائيين، ومنح النظام الإيراني مدد بقاء أطول بكثير، خاصة لو جرت قراءة المشهد بعناية، وإتاحة عدالة أكبر في توزيع الثروة، وفك القيود الدينية الثقيلة على الحريات الاجتماعية بالذات، وهو امتحان كبير وإنذار خطر للسلطة القائمة على فرادة تركيبها وتعقيداته.
ومن العبث، أن يتوقع أحد تغييرا كبيرا قريبا في طبيعة النظام الإيراني، وإن كان واردا أن يحدث شيء من ذلك على نحو تراكمي، وعلى مدى طويل نسبيا، فثمة رابطة فريدة بين فكرة «التشيع» الديني، ومبدأ وجود إيران ذاته، فإيران القائمة دولة متعددة القوميات، فيها فسيفساء من نحو ثلاثين عرقا وقومية، أظهرها الفرس والعرب والتركمان والآذريون والكرد والبلوش، ولا يشكل الفرس فيها سوى نحو 40% من إجمالي السكان، بينما الفرس هم الطبقة السائدة في الحكم والاقتصاد واللغة والثقافة، وما من وسيلة لتأكيد الهيمنة الفارسية في إيران، ولا لبناء تماسك إيراني، ما من وسيلة أكثر فعالية سوى تأكيد مبدأ التشيع الجامع، فالشيعة بين كل قوميات إيران هم القاسم المشترك الأعظم، وتزيد نسبتهم على 70%، ومن هنا يبدو «التشيع» في إيران عملا قوميا فوق مذهبيته الدينية، التشيع «قومية بديلة» تمزج وتصهر التنوع الإيراني، وهذه نقطة قوة كبرى للنظام الإيراني الحالي على سوءاته، فقد منح «التشيع» استقرارا داخليا كبيرا لإيران، أضاف إليه التقدم الطفري في التصنيع العسكري والنووي والصاروخي، ثم استفاد النظام في تضخيم نفوذه من الحالة العربية المزرية، بعد تراجع دور مصر بكامب ديفيد، وانهيار المشروع القومي العربي بعد انقلابات السادات والمخلوع مبارك من بعده، وسيطرة الثروات البترولية الجهولة على المشهد، واللعب على المكشوف بأوراق أمريكا وإسرائيل، والتآمر مع أمريكا لغزو العراق، وإسقاط نظام صدام حسين، وإشاعة حروب تكفير الشيعة العرب، من العراق إلى البحرين عبر شواطئ الخليج، وهو ما انتهى موضوعيا إلى تقديم خدمة العمر للنظام الإيراني، وجعل من كل الشيعة العرب جنودا مستعدين لخدمة «الولي الفقيه» في طهران، إلى أن تمددت حدود إيران عمليا من شواطئ الخليج إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وهكذا جرى بناء امبراطورية نفوذ إيراني، تعجز أمريكا عن قمعها بحرب مباشرة، وتلجأ الآن إلى حروب ناعمة مع العقوبات الاقتصادية الصارمة، وكلها أساليب غاية في البؤس، حتى إن دعمتها مئات المليارات المستنزفة من خزائن دول خليجية معروفة، فبؤس ترامب كفيل وحده بإنقاذ دولة خامنئي.
يبقى، أن مصير نظام الحكم الإيراني بيد الإيرانيين وحدهم، ومن حق شعوب إيران التطلع للحرية والعدالة والإنصاف القومي، لكن التدخل الخارجي يفسد قضية الإيرانيين، ويسيء إلى الشعب بقدر ما يخدم النظام، ويهدد بتفكيك إيران ذاتها، وهو ما لا تبدو فرص حدوثه راجحة بالمدى المنظور، خاصة أن التدخل الأمريكي ليس معنيا بحقوق الإيرانيين، بل بأهداف إسرائيل في الثأر من النظام الإيراني، وتجنيد المال الخليجي لخدمة تل أبيب، وتصفية المشروع النووي والصاروخي الإيراني، وهو من مفاخر طهران الراهنة، التي يسعون إلى إيقافها وتحطيمها، وعلى نحو ما بدا من شعارات وهتافات مقحمة على خط سير مظاهرات الغضب الاجتماعي أساسا، وعلى طريقة المريب الذي يكاد يقول «خذوني»، ويكشف أدوار اللاعبين والملعوب بهم في مظاهرات إيران الأخيرة.
كاتب مصري
عبد الحليم قنديل
التمدد الايراني في النطقة العربية جاء لملء فراغ فشلت الدول العربية وعلى رأسها مصر في أخذ دورها الحقيقي لانها باتت مرهونه للسيد الامريكي وأكثر من ذلك للاسرئيلي الذي بات المهندس لسياسات هذه الدول والقائمة اليوم على دور وظيفي أمني لحماية امن اسرائيل وتدمير ثقافة الامة وتاريخها وهذا ما تقوم به هذه الانظمة وعلى راسها مصر السيسي فكيف بها ان تنافس على الحلبة الاقليمية دول صاعده مثل تركيا وايران.
ترامب ليس بائسا، إنه صريح إلى حد الفجاجة في الإعلان عن الأهداف الاستعمارية الوحشية في بلاد المسلمين أيا كان وضعها. البؤس الحقيقي لمن يتعلقون به من الحكام الخونةالذين لا يملكون إلا شرعية صندوق الرصاص وجنزير الدبابة!
بصراحة توقعت ان تكتب عن التسريبات لرجل الامن المصري عن التنازل عن القدس للكيان..معلش عاوزين نعيش
أخي عبد الحليم قنديل ..؛ لا أرغب تكرار بأننا نحن الاثنين ( نعرف بعضنا .؛ ) فلقد جمعتنا العروبة بكل مفهومها القومي الناصري الاتجاه .؛ ولست براغب هنا في نقد ما جئت به أعلاه في وصفك للوضع الاقتصادي والتكوين الاجتماعي لايـران ونهوضها العلمي تصنيعا عسكريا وبقدرات لا أشك بها اطلاقا.؛ لكنـي ومن منطلق مبدئي قومي ..أتسـاءل ؛ أفليس هذا الصعود المتسارع لايران ووصولها لهذه القدرات والتي اضحت تقض مضجع حفاة البوادي قبل سـواهم . أفليس هذا نتيجة ( تدمير العراق وبكل منجزاته ) ، والتي فاقت في حينها قدرات ايران الحالية .؟؟ لست هنا بحاجة لوصف ما أنجزه العراق ..؛ وكان درعا لأمتنا كلها بلا جدل .؛؛ بل أتساءل مرة أخرى ( وكنت قد طرحت هذا السؤال على الأخّين…ضياء دواوود وحامد محمود ) المرحومين …في منزل المرحوم الأخ حامد …سألت وتساءلت ؛ ماذا أنجـز اخوة القائد الخالد عبد الناصر ..في سبيل الحفاظ على مكانة مصر ودورها القيادي ..تصديا للهجمة الرجعية والتي أوشكت على محو كل منجزات الراحل القائد .؟؟ أين بقي التصدي لمحاولات طمس عروبة مصر وشعبها وبتاريخه العطر الطاهر ..عروبة واسلاما ؟؟ ..كيف تمكن اللاّمبارك من اقناع أحرار الجيش العربي المصري للمشاركة في عار ( حفر الباطن .؟) اسوة بالنصيري المحتل ومدنس شرف طهر التراب العربي السوري ؛؛ ؟؟ القدس يا أخي عبد الحليم قدسنا ومقدساتنا وقبلتنا الأولى ..؛ سيسي اليوم؛؛؛وبعد أن أجهض أعمق آمالنا ..بـه ..؛ وما توخيناه ( عن طيب قلب وحسن نية .؛؛؟) مصر يا أخي ستبقى مصر …قلعة العروبة والاسلام..؛؛ولكن الى متة ستبقى الكلمات( الخجولة ) مقفلة أبوابها..؟ لما لا نضع النقاط على أحرفها الصحيحة ؛ ونصف المرض بالتشخيص المرضي السليم والمبنيى على حقائق العلم والواقع.؟؟ مصر الشعب .. لم ولن تهـزم ؛؛؛ فمتى للفارس بأن يستفيق جواده من كبوة العــار الحـارقة ؟؟.