مئوية عبد الناصر: الزعيم الوطني والدولة الأمنية

حجم الخط
48

كثيرة هي الدروس التي يمكن استخلاصها في مناسبة الذكرى المئوية لولادة الزعيم المصري جمال عبد الناصر (1918 ـ 1970)، ليس على الصعيدين المصري والعربي فقط، بل كذلك على صعيد دولي يتجاوز بلدان «العالم الثالث» حسب التسمية القديمة، ويشمل قوى الاستعمار القديم والهيمنة الحديثة، ومراكز الاستقطاب الكبرى المعاصرة.
الدرس الأول يخص مصر، إذ ثمة من يساجل بأن عبد الناصر كان أول رئيس مصري يحكم البلد بعد الفراعنة، بالنظر إلى أن حكامها وفدوا على رأس الجيوش العسكرية، ابتداء من اليونان والبطالمة، مروراً بدول ما بعد الفتوحات الإسلامية، وانتهاء بالعثمانيين وسلالة محمد علي باشا. ولهذا فإن أعظم إنجازات عبد الناصر هي تلك التي استهدفت تحسين مستوى معيشة أبناء الطبقات الفقيرة والكادحة عبر مشاريع كبرى مثل الإصلاح الزراعي والسد العالي والتصنيع الثقيل وكهربة الأرياف، بالإضافة إلى إصلاح التعليم والصحة والخدمات العامة.
الدرس الثاني هو الأبعاد العربية لهذه الزعامة المصرية، لأن حركة «الضباط الأحرار»، التي طوت صفحة الملكية في 23 تموز/ أيلول 1952، كانت قد انبثقت أصلاً على خلفية هزيمة الجيش المصري في فلسطين. ومن هنا تبلور الحس العروبي العميق لدى عبد الناصر، والذي سيدفعه إلى إقامة الوحدة مع سوريا سنة 1958، والتدخل لصالح حركات التقدم والتحرر والاستقلال ومناهضة الأحلاف الرجعية، في اليمن والعراق والجزائر وتونس وسواها. ولأن هذه المواقف جلبت على عبد الناصر سخط القوى الاستعمارية، خاصة بعد القرار الوطني التاريخي بتأميم قناة السويس، فقد تعرّضت مصر لعدوان ثلاثي من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، لم تخرج منه منتصرة ومتماسكة أكثر من ذي قبل فقط، بل احتلت مكانة قيادية على مستوى الشعوب الخاضعة للاستعمار.
ومن هنا الدرس الثالث، أي مقدار ما يمكن للزعامة الوطنية الأصيلة أن تكتسبه في امتدادها إلى نطاقات خارجية أبعد من العالم العربي، أو حتى الأفريقي. ذلك لأن عبد الناصر كان أحد أبرز مؤسسي حركة عدم الانحياز، إلى جانب زعماء كبار من أمثال الهندي نهرو واليوغسلافي تيتو والغاني نكروما. وإلى عبد الناصر يعزى مفهوم الحياد الإيجابي، الذي ميّز بين مواقف أمريكا والاتحاد السوفييتي من قضايا تحرر الشعوب، ولكن دون التحاق بأي من المعسكرين المتصارعين خلال الحرب الباردة.
لكن الدرس الرابع هو أقدار الزعيم الوطني في إطار الدولة الأمنية، التي تقوم أصلاً على تمكين العسكر من مقاليد الحكم المدنية وتضعهم بالتالي فوق القانون والمؤسسات. ولأن عبد الناصر جاء هو نفسه من قلب حركة عسكرية انقلابية، فقد استدعى هذا أن يكون الضباط هم عماد دائرة السلطة من حوله، وأن يمارس هؤلاء سياسات انفراد وتسلط واستبداد، خاصة بعد حلّ الأحزاب وفرض «الاتحاد الاشتراكي» حزباً أوحد للنظام والمجتمع معاً.
ومن المعروف أن آثار هذا الخيار لم تقتصر على قمع الحريات العامة وتعطيل الحياة الديمقراطية ومصادرة الرأي، لأنها آلت في نهاية المطاف إلى تصارع كبار الضباط من خلال مؤسساتهم العسكرية والأمنية، وإلى هزيمة نكراء أمام إسرائيل في سنة 1967. وتلك كانت الذروة المأساوية القصوى في آلام زعيم وطني، كانت زعامته قد ابتدأت مع ذلك من حلم نبيل بتحقيق آمال شعبه.

مئوية عبد الناصر: الزعيم الوطني والدولة الأمنية

رأي القدس

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود:

    عبد الناصر كان مجرد فقاعة إعلامية كما هو الحال مع السيسي !
    عبد الناصر بطل الهزائم والنكسات وبطل التعذيب بالمعتقلات وبطل الأكاذيب في الإذاعات !!
    عبد الناصر أضاع فلسطين 48 بهروبه من مواقع الجيش المصري فيها بشهادة اللواء نجيب وأضاع فلسطين 67 وسيناء
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول ع.خ.ا.حسن:

    بسم الله الرحمن الرحيم. الاخ اسامة كلية سوريا المحترم
    الامر في غاية البساطة ان نحتكم الى افراز الصناديق الحرة والنزيهة،واذا قالت للعسكر تنحوا لحماية الحدود وترك امور الحكم للشعب ان يتنحوا وان يرضى الكل بحكم الصناديق بما فيهم انصار العسكر

    1. يقول أسامة كليّة سوريا/ألمانيا Ossama Kulliah:

      أخي ع.خ.ا.حسن, شكرا على الرد إذاًً نحن متفقون على الأقل من حيث المبدأ, لكن عذراَ لم أرى هذا في بالسرد السلبي في تعليقك السابق.

  3. يقول Rdwan:

    عبد الناصر هو الذي إعطاء الكرامة لكل عربي وكانت دول العالم تهأبه وتحسب له ألف حساب أما يتصدقون ان عبد الناصر ابو هزائم هولاء معروفين انهم ضد أي زعيم عربي ينادي بوحدة العرب وإنما مع تمزيقهم . الحرب هي خدعة فخدعوا عبد الناصر العملاء من العسكر وحكام العرب الذين كانوا يتواصلون مع امريكا اسراءيل يعني كان العالم كله يتآمر ضد عبد الناصر وفي حرب 1967 خدع من روسيا وامريكا عندما خبروه بان اسراءيل لن تهجم على طيران مصر ولاكنه لم يستسلم وبني جيش قوي لتحرير كل الأراضي ولاكن اتته المنية الله يرحمه ويوسع عليه قبل يحقق حلمه بتحرير كل فلسطين فله الفخر كل الفخر بأنه هزم بريطانيا وفرنسا وإسرائيل في عام 1956 وأخرجهم مطرودين من ارض مصر وحرر قناة السويس أليس هذا فخر لكل عربي . بعدما توفي عبد الناصر اين مكان حكام العرب وشعوبهم أمام العالم في ذليل الأمم . لو بقي عبد الناصر كان تحررت فلسطين وكان للعرب مكانة وفي مقدمة الإمم عسكريا واقتصاديا . رحمك الله يا عبد الناصر وادخلك فسيح جناته امين يارب العالمين .

  4. يقول احمد الجزائري:

    بداية احي الاخ الاخ غلعزير الصعيدي المصري على ما قدمه من معلومات في غاية الاهمية عن انجازات زعيم مصر الملهم ( و اهل مكة ادرى بشعابها) وازيد ان هذا ينطبق على كل الزعامات العربية التي انتجتها لنا القومية العربية على مدى عقود و اوصلتنا لما نحن فيه من تخلف و انحطاط.

  5. يقول Mhyub:

    الانحطاط عندما يتحكمون بالشعوب العرب العملاء الانحطاط عندما يعيش بين العرب كل ذيل أما من يوحد العرب فإنه نعم المخلص لله سبحانه والشعوب العربية والله أمر بوحدة العرب والمسلمين وإذا يتمنى بتفرقة بين العرب فإنه شيطان اخرص . إذا لم يتوحد العرب لن يتوحد المسلمين نهاءيا فالعرب هم من يقود الأمة العربية والإسلامية على مدى التاريخ .

  6. يقول ع.خ.ا.حسن:

    بسم الله الرحمن الرحيم. الاخ اسامة كلية سوريا المحترم.اعتقد ان ال 99.99 ٪ هي الرد. وشكرا لك

  7. يقول مصطفى حمٌامي:

    أراني ألاحظ أن جميع المتهجمين على تراث عبد الناصر هم من النوع السلفي الديني المنتسب الى أحزاب رجعية تسعى إلى السيطرة على كراسي الحكم . انظروا حولكم الآن ما حل بمنطقتنا العربية والإسلامية – حروب طاحنة واقتتال دموي [ ليته كان ضد اسرائيل ] تغذيه دول النفط والغاز الوهابي السعودي والقطري المتقلب على خمسة حبال من ضمنهم الإخوان المسلمين ومجموعة عجيبة من الأحزاب الدينية السنية والشيعية أمثال حزب الله الشيعي , وفي االجانب الآخر الحكم الملالي الإيراني الشيعي والتابعين له من حزب الدعوة الشيعي والحشد الشعبي الشيعي وحزب الله والحوثيين, و و و كفاكم بهتاناً وإساءة لذكرى عبد الناصر الإنسان النظيف والذي مات فقيرا في سبيل هذه الأمة.
    فلسطيني حر

  8. يقول بلحرمة محمد:

    لو كان جمال عبد الناصر كما تدعي يا سيد كروي داود من النروج لما تعرض للعدوان الثلاثي عام 1956 ولما تامرت عليه الرجعية العربية ووقفت سدا منيعا امام مشاريعه الوحدوية بتعاون مع الدوائر الصهيوامريكية والغربية فعبد الناصر يا سيد داود لم يكن بطل الهزائم والنكسات بل ابطالها وروادها هم من يحكموننا حاليا حيث اضحت الخيانة بالواضح ودون خجل ولا وجل وان كنت تقول انه اضاع فلسطين فارجوك مشكورا ان تاتي بادلة لاجل الاقناع فالقاعدة المعروفة تقول – ان كنت ناقلا فالصحة او مدعيا فالدليل – فاستشهادك باللواء نجيب لا تغير من حقيقة ان عبد الناصر زعيم عربي قل نظيره في عالمنا العربي المبتلى لان كلام اللواء نجيب ليس حديثا مقدسا ولا منزها.

1 2 3 4

إشترك في قائمتنا البريدية