«نيويورك تايمز»: ترامب يريد إبقاء الوجود العسكري في سوريا حتى لا يكرر أخطاء أوباما

حجم الخط
0

لندن – «القدس العربي»: تعتبر تصريحات وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون عن الوجود الأمريكي في سوريا الأولى التي تصدر عن مسؤول بارز في إدارة الرئيس دونالد ترامب. وقال الوزير الأمريكي إن وجود القوات مفتوح لمنع عودة تنظيم الدولة والتأكد من عدم سيطرة إيران أو نظام بشار الأسد على المناطق التي طرد منها التنظيم في العام الماضي. وأكد تيلرسون أن بقاء القوات الأمريكية في المناطق الكردية يعني عدم تكرار الإدارة الأخطاء التي ارتكبتها الإدارة الماضية عندما سحبت القوات من العراق عام 2011. والاخطاء التي ارتكبت بعد إطاحة الناتو بالرئيس الليبي معمر القذافي.
ففي الأولى خرج تنظيم «الدولة» أما الثانية فانقسم البلد إلى حكومتين ومناطق تحكمها الميليشيات. وقال تيلرسون «لن نسمح للتاريخ بأن يعيد نفسه في سوريا». وأضاف إحدى قدميّ تنظيم الدولة في القبر وبقاء القوات الأمريكية يعني لحاق القدم الثانية وبالتالي القضاء عليه وهزيمته. ويبلغ عدد القوات الأمريكية في سوريا حوالي 2000 جندي وهم خليط من الوحدات الهندسية التي تقوم ببناء قواعد ووحدات من القوات الخاصة التي تقاتل وتقوم بتدريب الميليشيات المحلية فيما يقوم المتعهدون الأمنيون بالمساعدة على إزالة الألغام من المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة تنظيم الدولة.
وتعلق صحيفة «نيويورك تايمز» أن تصريحات تيلرسون تعلم تحولاً تدريجياً للرئيس الأمريكي دونالد ترامب من رئيس شعبوي يرفض التورط في الحروب الاجنبية إلى رئيس يقبل على مضض الكثير من استراتيجيات الأمن القومي التي عبر عن رفضه لها. ففي أثناء الحملات الانتخابية عام 2016 قال ترامب: «في نقطة ما لن نستطيع أن نواصل دور شرطي العالم». وكان الرئيس باراك أوباما قد فاز بالسباق الإنتخابي عام 2008 على ورقة الخروج من العراق ووافق على لعب دور محدود في ليبيا عام 2011. وتقول الصحيفة إن قرارات كهذه أقلقت القيادة العسكرية التي عمقت من دورها في إدارة ترامب وزادت من عدد القوات الأمريكية في أفغانستان وأشرفت على الحرب ضد تنظيم الدولة.
وقال ترامب إن على القوات الأمريكية البقاء في أفغانستان لأن «انسحاباً سريعاً سيترك فراغاً للإرهابيين بمن فيهم تنظيم الدولة والقاعدة». وكرر تيلرسون هذا الكلام في حديثه عن بقاء القوات الأمريكية في سوريا. ولم يقل وزير الخارجية إن كانت هناك دول ستدفع كلفة بقاء القوات الأمريكية على التراب السوري مع ترامب قال في أثناء حملته الإنتخابية أنه سيجبر ألمانيا ودول الخليج العربي للمساهمة في التمويل «لان لديها المال». وقال تيلرسون ان بقاء الأمريكيين في سوريا «مشروط» وليس مفتوحًا. مما يؤكد أن التوصل لعملية تحول سياسي في سوريا تحتاج إلى وقت طالما بقي الأسد في الحكم. وقال تيلرسون إن التغيير لن يحصل مباشرة بل تدريجياً من خلال إصلاحات دستورية وانتخابات تشرف عليها الأمم المتحدة.
ويرى محللون ان الوقت سيطول قبل أن تقرر الولايات المتحدة سحب قواتها من سوريا. وقالت جينا أبركومبي وينستانلي، السفيرة السابقة والدبلوماسية المخضرمة «نعم نستطيع الحفاظ على قوات هناك في المستقبل المنظور، ولكن هل ستكون 20 عاماً كما هو الحال في أفغانستان». ويظل الوجود الأمريكي في سوريا مرتبطا كما قال تيلرسون بتحقيق خمسة أهداف وهي عدم ظهور تنظيم الدولة والقاعدة ودعم الجهود التي تقودها الأمم المتحدة لتحقيق السلام والتخلص من تأثير إيران والتأكد من خلو البلاد من أسلحة الدمار الشامل ومساعدة اللاجئين على العودة إلى بلادهم.
ورغم هذه الجهود الكبيرة إلا ان تيلرسون اعترف بالصعوبات الكبرى أمام تحقيق السلام وخلافات المجتمع الدولي. وتشير الصحيفة إلى أن إعادة تنظيم وزارة الخارجية أدى لخفض الميزانية ورحيل العديد من الدبلوماسيين أصحاب الخبرة الطويلة في الشرق الأوسط. وخبراء من هذا النوع مهمون لأي وجود عسكري أو عملية دبلوماسية حيث تعاني المنطقة من الخلافات والمنافسات المستمرة. فقوة الحدود التي تدعم الولايات المتحدة إنشاءها في المناطق الكردية تجد معارضة من تركيا وإيران وروسيا والنظام السوري. ووصفها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بـ «جيش الإرهاب» والذي يخشى من إدارة حزب العمال الكردستاني الذي يعتبره تهديداً على بلاده.
وعبر نائب رئيس الوزراء بكر بوزداغ عن نفاد صبر بلاده فيما يتعلق بالتطورات على حدودها. وحاول تيلرسون التخفيف من مخاوف تركيا مؤكداً أن اي ترتيب يجب ان يكون ممثلاً ولا يهدد الجيران.

«إندبندنت» عن فيسك: ترامب الفانتازي لن يجلب السلام للشرق الأوسط.. وفي عامه الثاني سيحوله جحيماً

اتهم الكاتب الصحافي المعروف روبرت فيسك الرئيس الأمريكي بالعمل على تحويل منطقة الشرق الأوسط مكاناً أكثر قسوة وليس جلب السلام. وجاء في مقالته التي نشرتها صحيفة «إندبندنت» إن عدم التفاؤل من محاولات الرئيس الأمريكي جلب السلام للمنطقة هذا العام نابع من ضعف رئاسته التي قامت على أسس ضعيفة وليس لديها والحالة ما تقدمه لإسرائيل والفلسطينيين بل أسهم في تدهور الوضع. وقال فيسك «ليست هناك حاجة للحديث عن سياسة ترامب او الولايات المتحدة الخارجية. لأنها غير موجودة. وبدلاً من ذلك فـ «رئاسة» ترامب هي حققية مثل «فلسطين» وكلاهما يحتاجان لوضعهما بين قوسين مع أن الفانتازيا الأولى تمثل بوضوح البيض والمسيحيين الأمريكيين الذين يحاولون جعل بلادهم عظيمة من جديد على حساب مخلوقات أقل، أما الثانية وهي ليست دولة حقيقية – ومن الواضح أنها مؤهلة لأن تكون من الدول التي وصفها ترامب بـ «الحثالة» فسكانها ليسوا بيضاً وغالبيتهم مسلمون وقد يحاولون البحث عن لجوء من الاسترقاق الذي يعانونه بسبب أطول احتلال عسكري في التاريخ الحديث».
ويرى فيسك أن ترحيب الرئيس الأمريكي بسكان النرويج للهجرة إلى بلاده لأنها تشبه إسرائيل في عقل ترامب. وهنا فلا حاجة للأمل من رجل يعتقد أنه يدير الولايات المتحدة. ويعني فيسك السلام، فلا أمل به لأنه يعني بين حليف حديث ومحبوب سيجبر على السلام مع دولة من العالم الثالث يعيش سكانها في حفر القذارة جنوباً وشرقاً. والقدس عاصمة إسرائيل، أوسلو الشرق الأوسط التي بنيت على «تلة خضراء بعيدة» مع أن المفترض أن لا تحتوي الترتيلة على الجدار. وما هو الفرق؟ فترامب يحب الجدران والأيرلندي الذي عاش في القرن التاسع عشر، كاتب التراتيل سيسل فرانسيس الكسندر كاتب الترتيلة قال بالإضافة لـ»هناك تلة خضراء بعيدة» و«كل الأشياء مشعة وجميلة» وهو وصف جذاب للمجنون الذي يسكن في البيت الأبيض ويتحدث عن «الأطفال الحلوين» (في سوريا وهم موتى) والأسلحة الجميلة» (في الرياض قبل أن تقتل الأطفال).

مستشفى المجانين

ويضيف فيسك قائلاً «في الحقيقة فالحديث عن ترامب والشرق الأوسط ضروري للدخول إلى مستشفى المجانين. فبعد كل هذا ففلسطين ليست مؤهلة لأن تكون دولة ولكن إسرائيل تصلح مع أن ليس لديها أدنى فكرة عن حدودها الجغرافية شرقا وفيما كانت وسط القدس أو في منتصف الطريق للضفة الغربية أو على طول نهر الأردن ، وماذا عن غزة الفقيرة؟ وعندما قام الإسرائيليون برمي القنابل على المكان وحولوه إلى ركام في 2008- 2009 (وفعلوا الأمر نفسه عامي 2012 و 2014) وألقوا القنابل على نظام الصرف الصحي الفلسطيني ولوثوا المياه الصالحة للشرب والبحر وحولوا غزة وبالمعنى الحقيقي إلى «بالوعة».
وهو يرى ان رجل الأعمال وتاجر العقارات وصهر الرئيس المحبوب والبطل البائس الخارج من روايات ديكنز – إن كان هناك بطل من هذا النوع- لا يستطيع تحديد الاتجاهات لهذا العقار في الشرق الأوسط، لأنه والسفير الأمريكي في إسرائيل دعما الإستعمار اليهودي للضفة الغربية العربية «وصدقوني لا توجد بالوعات في هذه المستوطنات المقامة على التلال، ولا يعرف حدود إسرائيل الشرقية واين تقع اليوم وفي المستقبل وللأبد، آمين». وهذه هي المشكلة فالعالم بالنسبة للمكتب البيضاوي مجرد أبخرة تؤثر على الدماغ والشرق الأوسط هو أرض الجن والأشباح والصليبيين والسراسين والقيامة والإمام الثاني عشر ورموز المسيح والرجال الملتحين في المغاور. وكل منها لديه الفرصة للظهور أو العودة للظهور في العام الثاني من رئاسة ترامب بدلاً من السلام بين دولتين التي لا يعرف جارد اتجاهاتهما الجغرافية و»شركات كوشنر».

الاعتراف له ثمن

ويعتقد فيسك أن الاعتراف بكل هذا له ثمنه. مشيراً إلى نقاشات عدة في مدينة دبلن عن الشرق الأوسط، وبعد اعتراف الرئيس الأمريكي بالقدس كعاصمة لإسرائيل فان ترامب «مجنون وغير عاقل وكذاب ويجب أن ينقل إلى مستشفيات المجانين» و «في كل مرة كان يذكرني المقدم أو المنتج أنني لست مؤهلاً لإطلاق هذه التصريحات نظرا لعدم تخصصي في الطب. وأجد هذا غريباً، فلو قلت أن ترامب عاقل ومتوازن فلن يذكرني أحد بقلة تخصصي الطبي ولم يكن هذا ليحدث لو وصفت (كما فعلت) معمر القذافي بالمجنون وقد كان». وفي حالة ترامب عليك أن تراقب ما تقوله حيث سيظهر «الترامبيون» الذين سيصفون ما تقول بـ»أخبار مزيفة» ويخيفون المحررين في محطات الإذاعة. ويدعو الكاتب إلى فحص الإعلام الذي لا يزال يتعامل مع ترامب من خلال «اللعبة العادلة» مقارنة مع «اشكاله» من العرب. وهم يعرفون أنه معاد للأجانب وعنصري. وكان هذا الإعلام سخياً في وصف زعماء في المنطقة: القذافي مجنون، أحمدي نجاد مجنون، أبو نضال مجنون وصدام مجنون، ولكن حاول استخدام هذا مع ترامب (إحم إحم) وعليك أن تكشف عن شهادة الممارسة الطبية.
ومهما كان ترامب واهماً وفنتازياً فإنه يجعل من الشرق الأوسط مكاناً أكثر خطورة وسيواصل عمله ويساعده على هذا صهره المبتسم دائماً وجنرالاته مثل ماتيس «الكلب المسعور» الذي لم يحصل على هذا اللقب لحكمته العسكرية. مشيرا إلى أنه من السهل إقناع النفس بقوة العسكر. ويعرف العرب الكثيرعن قوة العسكر ويتذكرون عبد الناصر والعقيد القذافي وعلي عبدالله صالح وقائد سلاح الجو حافظ الأسد وقائد سلاح الجو حسني مبارك ومساعده الثاني أنور السادات والمارشال عبد الفتاح السيسي، أعدم معظمهم ومات اثنان نتيجة سكتة قلبية ولا يزال اثنان معنا. وطبعاً يعيشون أو عاشوا في دول يصفها دونالد ترامب بأوكارالحثالة. ولكن على الأقل لم يكونوا فانتازيين وواهمين مثله.

«كريستيان ساينس مونيتور»: جماعة «المداخلة» تعمق وجودها في السياسة الليبية وتدعم حفتر باسم «طاعة ولي الأمر»

من هم المداخلة؟ هم الذين دعموا معمر القذافي حتى النهاية وقاتلوا لمنع تنظيم الدولة من إنشاء قاعدة لهم في ليبيا إلا ان الخبراء يحذون من تأثيرهم على المجتمع الليبي وهدفهم النهائي إنشاء ثيوقراطية أو دولة دينية. ويرى تيلور لاك، مراسل «كريستيان ساينس مونيتور» في تقرير له من العاصمة الأردنية عمان أن تنظيم الدولة ظل في مركز الاهتمام الإعلامي إلا أن جماعة أصولية تقوم بنناء حضور لها وتوسيعه بهدوء في كل أنحاء ليبيا.
والمداخلة هم جماعة سلفية سعودية متشددة استفادت من مرحلة ما بعد الثورة في ليبيا التي انتشرت فيها الفوضى ويقومون بفرض تفسيرهم الإسلامي المتشدد على المجتمع بالإكراه ومن خلال الدوريات في الشوارع واستخدام سيطرتهم على المساجد لتغيير رؤية المجتمع الليبي. ولتحقيق أهدافهم تحالف المداخلة مع كل حكومة أو زعيم نصب نفسه آمرًا وناهيًا على ليبيا خلال السنوات الثلاث الماضية وقاموا بملاحقة نقادهم من الليبراليين والإسلاميين. ومع معارضة الجماعة هذه لتنظيم الدولة الذي حاول إنشاء قواعد له في ليبيا وطرد الآن من سوريا والعراق إلا أن غياب الحكومة المركزية والخدمات تعني تدمير المداخلة للمجتمع المدني كما حذر مراقبون للشأن الليبي.
وسينجحون لو لم تنجح الجهود التي ترعاها الأمم المتحدة بإحلال السلام في البلاد التي مزقتها الحرب الأهلية منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011. ويتبع المداخلة أفكار وتعاليم الشيخ السعودي، ربيع بن هادي المدخلي البالغ من العمر 84 عاماً والمقيم حالياً بالمدينة المنورة.
وتم إنشاء الحركة التي تبتعد عن السياسة كرد فعل على نجاح حركة الإخوان المسلمين التي حظيت بشعبية في مصر والسعودية ودول الخليج في العقد الأخير من القرن الماضي. وعملت حكومات عربية على استخدام الحركات السلفية التي تدعو لطاعة ولي الأمر كأداة لمواجهة الجماعات الإسلامية المعارضة. وكان الدعم المطلق الذي يقدمه المداخلة للديكتاتوريين وابتعادهم عن السياسة وعداؤهم الشديد لحركة الإخوان المسلمين سبباً في تسامح نظام معمر القذافي معهم عندما ظهروا في ليبيا بداية القرن الحالي.

آخر الجماعات

ولهذا السبب كان المداخلة آخر الجماعات التي تخلت عنه رغم ما ارتكبه من عنف ومظالم ضد المواطنين الليبيين. وظلوا مع ذلك يدعون لاتباع ولي الأمر وطاعته حتى نهاية الثورة. وبعدما أصبحت غير مرتبطة بالنظام أو أية حكومة قام المداخلة بإنشاء قوتهم العسكرية الخاصة وجماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واصطفوا مع أمراء حرب يتنافسون على حكم المجتمع الليبي. ويشير لاك إلى العنصر الهام في ايديولوجية الجماعة السلفية هذه وهي الطاعة للحاكم. فعلى خلاف حركات سلفية أخرى وجماعات الإخوان المسلمين والتي تطالب بأسلمة نظام الحكم أو تطبيق الشريعة يطالب المداخلة بالطاعة للحكام حتى لو كانوا من العلمانيين. ويعتبر المدخلي الذي صاغ أفكار المجموعة أن سلطة الحكام على رعاياهم «دينية» وإن كانوا علمانيين. ولو لم تكن لديهم سلطة لما اوصلهم الله إلى الحكم في المقام الأول. ومن هنا فإنهم يدافعون بشراسة عن النظام أو الحاكم الذي يخدمونه ويستخدمون النصوص الدينية لانتقاد معارضيهم أو وصمهم بالهرطقة والكفر.
أما المبدأ الثاني للمدخلية وهو الإبتعاد عن السياسة ومعارضتهم الشرسة للديمقراطية حيث يقولون إن السياسة تخلق الإنقسام بين المسلمين وتحث على الولاء للأحزاب لا الله، بشكل يفتح الباب أمام الجماعات غير الإسلامية للزحف نحو المجتمع. وعلى الجبهة الإجتماعية فلا فرق بين المداخلة والموقف الوهابي الرئيسي الذي يطبق في السعودية مع أن ولي العهد السعودي الحالي يحاول تحييد القوة الوهابية وقطع الدعم عنها ونشر العقيدة الوهابية في أنحاء العالم الإسلامي.

الدور السياسي

ويؤمن المداخلة أن للمرأة دوراً محدوداً خارج البيت وتحتاج دائما إلى محرم من أجل السفر. وينظرون للموسيقى والتلفزيون والادبيات غير الإسلامية باعتبارها وسائل تقود للإثم. أما الاختلاط مع غير المسلمين فهو تهديد للمجتمع ويقود للضلال.
أما عن الدور الذي يلعبونه في السياسة الليبية، يقول لاك إن المداخلة الذين ابتعدوا عن صناديق الاقتراع والسياسة في مرحلة ما بعد الثورة قاموا بهدوء بإنشاء قوة عسكرية وشرطة أخلاق وتحالفوا مع القوى اللاعبة على الأرض بحيث أصبحوا من اللاعبين المهمين على الساحة الليبية. ففي الغرب شكل المداخلة قوة شرطة لحراسة شوارع طرابلس وملاحقة الجريمة والممارسات غير الإسلامية وإحباط أية خلايا تابعة لتنظيم الدولة. وأصبحت القوة التابعة لهم ناجحة بدرجة باتت الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة تعتمد عليها كقوة أمن رئيسية لوزارة الداخلية في العاصمة. أما في وسط ليبيا فقد شكل المداخلة قوة مسلحة من آلاف المقاتلين لعبت دوراً مهماً في طرد تنظيم الدولة من مدينة سرت والمعاقل الأخرى على الساحل.
ولا تزال القوى التابعة لهم في القرى والبلدات تحرس الشوارع بعد خروج الجهاديين منها. وأهم نجاح للمداخلة هو في شرقي ليبيا حيث قام فرع من الحركة بالتحالف مع خليفة حفتر الذي تدعمه مصر وروسيا. ومنح هذا الجماعة الحرية التامة للسيطرة على المساجد والوقفيات والمؤسسات الدينية مقابل مساعدته عسكريا والدعوة للبيعة له من خلال المنابر. ويتبع المداخلة في كل ليبيا الاستراتيجية نفسها التي تقوم على إسكات ومهاجمة ونزع الشرعية عن المنافسين لهم، بمن فيهم الليبراليون والديمقراطيون وجماعة الإخوان المسلمين ومنافسوهم من السلفيين والجماعات الجهادية الأخرى. وقد نجحوا في تعزيز أي لاعب يتحالفون معه ووضعوا منافسيهم في موقع الدفاع عن النفس. ويرى المراقبون أن المداخلة استطاعوا جذب المجتمعات التي يعملون فيها من خلال الخدمات التي يقدمونها لهم في غياب الدعم من الحكومة المركزية. ويقول فردريك ويهري من وقفية كارنيغي أن المداخلة يدفعون بخطاب يقول : « نحن سلفيون، لسنا فاسدون ونقوم بملاحقة المخدرات وتنظيف المجتمع من الخمور ونقدم الأمن»، وهذا خطاب جذاب للمجتمعات المحلية. وقام المداخلة في تشرين الثاني/ نوفمبر بوقف معرض للكتب الكرتونية في طرابلس واتهموا الجهة القائمة على تنظيمه بأنها استغلت ضعف الدين والانجذاب للثقافة الأجنبية.
وقبل ذلك اعتقلت الشرطة التابعة لهم ثلاثة في مدينة بنغازي كانوا يحضرون ليوم الأرض حيث اتهموا بتشجيع الأفكار «الماسونية». وأصدر حاكم عسكري أمراً بمنع المرأة من السفر بدون محرم إلى شرقي ليبيا بناء على فتوى من المداخلة، برغم إلغاء الأمر بسبب المعارضة الشعبية. وقام أتباع الحركة بحرق الكتب ويديرون عدداً من الإذاعات في مختلف أنحاء ليبيا. وسمح للمداخلة بدخول السجون والإشراف عليها في شرقي وغربي ليبيا.
ويقول لاك إن الأثر الدائم للمداخلة في ليبيا سيكون إسكات الأصوات المعارضة، واستهداف الناشطين في مؤسسات المجتمع المدني الذي اضطر العديد منهم للهرب وتعرض آخرون للقتل حسب «هيومان رايتس ووتش». ويقول الناشطون الليبيون في مجال حقوق الإنسان إنهم يخافون انتقاد المداخلة الذين «يشجبونك من على المنبر والراديو ويعتقلونك في اليوم ذاته».
ومن دون قوة مضادة للسلفيين يرى المراقبون للشأن الليبي أنه من الصعب التخلص من سيطرة الأصوليين على المجتمع عندما ينتهي القتال. ويرى ابن فيشمان، المسؤول السابق في البيت الأبيض أيام باراك أوباما «الكثير من الأصوات الليبرالية في تراجع إن لم تكن اختفت كليا» و»كلما طال الوقت لتشكيل حكومة وحدة فاعل كلما تعمقت هذه الجذورفي حياة وقيم المجتمع الليبي بشكل يصعب التخلص منها لاحقاً».

«نيويورك تايمز»: ترامب يريد إبقاء الوجود العسكري في سوريا حتى لا يكرر أخطاء أوباما

إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية