القاهرة ـ «القدس العربي»: حين يذكر اسم مدينة المنصورة في مصر وبين عاشقيها، ذُكر جمال ساكنيها وأثرها في التاريخ، الذي كتبه الملك الأيوبي الكامل محمد بن الملك العادل عام 1219 ميلادية، وكانت قبل ذلك التاريخ تسمى بـ«جزيرة الورد». إذ تذكر كتب التاريخ المصري أن المدينة كانت محاطة بالمياه من ثلاث جهات وكانت فيها أكبر حدائق الورود في مصر.
تقع المنصورة عاصمة محافظة الدقهلية على الضفة الشرقية لنهر النيل «فرع دمياط» وتواجه مدينة طلخا على الضفة الغربية، وتبعد 120 كيلومترا إلى شمال شرق العاصمة المصرية القاهرة.
ويرجع اسم «المنصورة» إلى حين انتهى النصر الذي حققه الشعب المصري على الحملة الصليبية السابعة بقيادة لويس التاسع الفرنسي في معركة المنصورة. ونقل بن لقماق من كتاب «الانتصار عن كتاب تقويم البلدان» للمؤيد عماد الدين، أن المنصورة بناها الملك الكامل عند مفترق النيل على دمياط وأشموم، وبينهما جزيرة البشمور التي بناها في وجه العدو حين حاصر الفرنج دمياط، وقال بن لقماق إن «المنصورة تقع قبالة بلدة تسمى طلخا وهي مدينة فيها حمامات وأسواق».
ظهرت أول خريطة لمدينة المنصورة في نهاية القرن التاسع عشر سنة 1887 ميلادية، ويتضح منها أن العمران كان مقصورا على الرقعة المحصورة ما بين نهر النيل شمالاً والمدافن القديمة «الساحة الشعبية حاليا».
كانت مدينة «أشمون طناح» التي تعرف اليوم باسم «أشمون الرمان» في مركز دكرنس، قاعدة لإقليم الدقهلية ومقر ديوان الحكم فيه إلى آخر أيام دولة المماليك في مصر، وحين استولى العثمانيون على مصر رأوا بلدة أشمون الرمان فضلاً عن بعدها عن النيل الذي كان هو الطريق العام للمواصلات في ذاك الوقت ـ قد اضمحلت وأصبحت لا تصلح لإقامة موظفي الحكومة، ولهذا أصدر سليمان الخادم والي مصر أمرا في عام 1527 ميلادية بنقل ديوان الحكم من «أشمون الرمان» إلى مدينة المنصورة لتوسطها بين بلاد الإقليم وحسن موقعها على النيل، وبذلك أصبحت المنصورة عاصمة محافظة الدقهلية ومقر دواوين الحكومة من تلك السنة إلى وقتنا هذا.
في سنة 1871 ميلادية أنشئ قسم المنصورة، وجعلت المنصورة قاعدة له ثم سمي مركز المنصورة منذ ذلك الحين، ولاتساع دائرة المنصورة وكثرة أعمال الإدارة والضبط فيها أصدرت نظارة الداخلية في سنة 1890 ميلادية قرارا بإنشاء مأمورية خاصة لبندر المنصورة، وبذلك أصبح البندر منفصلا عن مركز المنصورة بمأمورية قائمة بذاتها.
وقعت في المدينة معركة المنصورة الجوية في 14 تشرين الأول/اكتوبر 1973 وتعد من أهم المعارك الجوية العربية، إذ كان لها دور كبير في انتصار مصر في حرب تشرين الأول/اكتوبر.
معالم دينية
تعد دار بن لقمان التي تقع إلى جوار مسجد الموافي وسط مدينة المنصورة، من أشهر معالم المدينة بعد أن سجن فيها لويس التاسع ملك فرنسا وقائد الحملة الصليبية السابعة على مصر عام 1249 ميلادية لمدة شهر، حيث فدته زوجته وأطلق سراحه في 7 ايار/مايو 1250 ميلادية.
وأنشئ في الدار متحف تاريخي يحوي الكثير من اللوحات والمعلومات والصور التي توضح دور الشعب المصري في تحطيم قوات الصليبيين، إلى جانب بعض الملابس والأسلحة التي استخدمت في المعركة.
أما مسجد الموافي، فهو من أشهر مساجد المنصورة، وأسسه الملك الصالح نجم الدين أيوب، وكان مسجدا صغيرا إلى أن نزل فيه الشيخ عبد الله الموافي فنسب إليه وأصبح معهداً دينياً تعقد فيه المحاضرات الدينية والحلقات الدراسية بمعرفة كبار العلماء في الدلتا، وقد هدم هذا المسجد الأثري لبناء مسجد جديد على الطراز الحديث، كما هدمت مئذنته بعده في عام 2000 بسبب ميلها واقتراب سقوطها.
ويعد مسجد الصالح أيوب «مسجد المحمودية» أقدم مساجد المنصورة، إذ بناه الملك الصالح نجم الدين أيوب عام 616هـ وكان فيه استراحة للزوار من المماليك، ويتصف بكونه تحفة معمارية، ويقع في شارع الملك الصالح أول العباسي.
فيما يقع مسجد النجار في منطقة سوق التجار، وقد بني عام 566 هـ وما زال محتفظا ببنائه الرصين وسقفه الخشبي القديم ومئذنته المائلة مثل برج بيزا المائل.
كما يقع «مسجد سيدي حالة» في شارع سيدي حالة، وقد بني عام 711 هـ إبان دولة المماليك ولا يزال على حالته.
وبني «مسجد سيدي سعد» عام 611 هـ وهو يقع في حي ميت حضر، وقد أجريت له العديد من أعمال التجديد والصيانة، لكنه لا يزال يحتفظ ببعض معالمه القديمة.
وتشمل معالم المدينة «مسجد الجمعية الشرعية» في شارع بورسعيد، وكان في الأصل مقاما صغيرا لأحد «الصالحين» ويسمى الشيخ المصري، وعُدّ هذا المقام جزءا من مقابر المنصورة القديمة التي كانت تشمل مدرسة فريدة حسان ونادي المنصورة الرياضي وصولا إلى آخر شارع بورسعيد الحالي، وتم هدم مقام الشيخ المصري أثناء إعادة بناء المسجد عام 1997 ميلادية، وأدخلت مساحته مكان الحمامات الحالية في المسجد ولا يزال الشارع المواجه له والمعروف بشارع «بائعي الرسيفر» يسمي باسم الشيخ المصري.
آثار الحضارة
توجد في محافظة الدقهلية مناطق أثرية عديدة تمثل حضارة طويلة من تاريخ مصر في مختلف العصور، وقد جرت أعمال التنقيب والبحث عن الآثار في تلك المناطق.
فهناك منطقة أثرية تبعد 8 كيلومترات شمال غرب مدينة السنبلاوين، وتجمع بين منطقتين أثريتين متجاورتين هما «تل الربع وتل تمى الأمديد» وكان الأول يقع في الجهة الشمالية من الفرع المنديسي من فروع النيل، والثاني من الجنوب منه.
وتل الربع، هو أطلال مدينة منديس «كانت تمسى في العصور الوسطى تل المندر» وتسمى في أيام الفراعنة «وت» وكانت عاصمة لإقليم 16 من أقاليم الوجه البحري.
وعثر في هذا النيل على أحجار معابد من أيام رمسيس الثاني وابنه منقاع كما عثر أيضا على أسماء ملوك من الأسر 21 و22 و26.
وأهم الآثار الحالية قطعة واحدة ضخمة من حجر الغرانيت، تقع أبعاده على «جبانة / مدافن أكباش المقدسة» التي كانت في الركن الشمالي الغربي من سور المدينة.
أما «تل تمى الأمديد» فُسمي في اليونانية «ثمويس» ويسمى أيضا «تل ابن سلام» وقد عثر فيه على آثار من عهود مختلفة، لأن المدينة لعبت دورا هاما في جميع عصور التاريخ وخاصة في العصر المتأخر هي وجارتها «منديس» التي كان منها ملوك الأسرة 21.
وإلى الشمال الغربي من شربين يقع تل البلامون، ويبعد عنها حوالي 8 كيلومترات وأمام قرية أبو جلال، ومساحة هذا التل 158 فدانا وتحيط به حقول خضراء، وهذه المنطقة هي المقاطعة رقم 17 من مقاطعات وجه بحري في ذلك الوقت «عهد الرمامسة».
وتم العثور على عدد من الحفائر والآثار في هذه المنطقة منها قناعان من الذهب الخالص، ونشرت هذه الحفائر في حوليات مصلحة الآثار باللغة الإنكليزية، وتقع هذه المقاطعة 17 تحت أنقاض قرية تل البلامون وحلت عبارة آمون في العصور التاريخية محل عبارة حورس الإله المحلي.
وتل بلة، يقع بالقرب من مدينة دكرنس، وهو من أهم التلال الأثرية حيث له طابع خاص وهو مكان المدينة القديمة التي أطلق عليها دبلله، ثم حرفت إلى «تبالة» و»تبلة» وهي تقع على الترعة القديمة المسماة «اتوينس» ولها شهرة في العهد اليوناني والروماني، وقد استخرج من هذا التل قطع أثرية هامة محفوظة حاليا في المتحف المصري.
وفي منطقة كفر المقدام يقع «تل المقدام» الذي يبعد 10 كيلومترات عن مدينة «ميت غمر». ولهذا التل أهمية كبيرة تاريخيا، إذ تبلغ مساحته حوالي 120 فدانا حيث يسمى في العصر اليوناني الروماني «هيلوبولس» وتظهر به حالياً بعض بقايا من التماثيل والأحجار المنقوشة بكتابات هيروغليفية، كما اكتشفت فيه بعض الأواني الفخارية والمسارج.
إرهاب يصيب الحضارة
في ايلول/سبتمبر 2015 عبر أهالي المنصورة عن غضبهم، بعد أن ألمح رئيس الوزراء حينها إبراهيم محلب، إلى هدم مبنى مسرح المنصورة القومي وإعادة بنائه، لاستحالة ترميمه بسبب الأضرار التي لحقت به بسبب تفجير مديرية أمن الدقهلية فى 24 كانون الأول/ديسمبر 2013.
كما أعلن مالك قصر إسكندر التاريخي في حي المختلط في المنصورة عن بيعه مع أرضه تمهيدا لإزالته وبناء أبراج سكنية على أنقاضه.
وتأسس مسرح المنصورة القومي كأقدم بناء مسرحي خارج القاهرة والاسكندرية، وذلك حسبما أشار رئيس المركز القومي للمسرح وأستاذ الأدب المسرحي في جامعة حلوان، سيد علي إسماعيل، لصحيفة «الأهرام» حينها، وكما وصفت جريدة «المؤيد» في افتتاحيتها في 18 كانون الأول/ديسمبر 1889 هذا المسرح بأنه «بناية حسنة الوضع متقنة الصنع، ينشر حُسن اتقانها على مشيديها ألوية الحمد والشكر».
وأضاف د. إسماعيل أن المسرح أطلق عليه كذلك اسم «تياترو التفريح» ومثل عليه الجوق العربي بإدارة سليمان القرداحي مسرحية «الأمير حسن» بطولة الشيخ سلامة حجازي.
وظلت الفرق تعرض عليه باستمرار، وكذلك حفلات الغناء والطرب، وكان أيضا للمسرح المدرسي نصيب.
وظل اسم المسرح «تياترو التفريح» حتى سنة 1921 تقريباً حين تم تغييره إلى «تياترو البلدية».
بعد تضرر مبنى مسرح المنصورة القومي من الأعمال الإرهابية قبل نحو أربعة أعوام، شكلت لجان فنية لتقرير وضعه وانتقلت تبعيته من إدارة المسارح في وزارة الثقافة إلى دار الأوبرا.
قصر إسكندر
أما قصر اسكندر في حي المختلط، فقد فوجئ سكان المنصورة بلافتة كبيرة عليه تفيد أنه معروض للبيع مع أرضه، والقصر شيده الخواجة الفريد دبور عام 1920 ميلادية.
وكانت تحيط به حديقة من أربع جهات تنبت فيها أندر أنواع الأشجار. واشتهر القصر بين أبناء مدينة المنصورة باسم «القصر الأحمر» نظراً لجدرانه الخارجية المطلية باللون الأحمر، وعُرف أيضا بقصر «بارون المنصورة» نظراً لتشابهه مع «قصر البارون امبان» في حي مصر الجديدة في القاهرة، ويتميز بطرازه القوطي الفريد وببرجه الأثري الذي يعلوه سقف مخروطي مغطى بالقرميد القشريى «كقشور السمك ذيى الدلالة في الديانة المسيحية».
مؤمن الكامل