الجزائر: تطوير اللغة الأمازيغية رهينة صراعات بين الحرفين العربي واللاتيني

حجم الخط
5

الجزائر ـ «القدس العربي»: عاد موضوع الهوية ليحتل واجهة الأحداث في الجزائر خلال الأسابيع الأخيرة من سنة 2017 وبداية السنة الجديدة، ومعه عاد الجدل بخصوص الأمازيغية التي تبين أن المشكل القائم بشأنها ليس مطروحا على مستوى السلطة فقط، بل حتى على مستوى النخب التي ما زالت لم تحسم صراعاتها وحساباتها الضيقة التي تجعلها كمن يطلق رصاصة في إحدى قدميه معتقدا أن ذلك يجعله يسير بطريقة أسرع!
كل شيء بدأ عندما قرر البرلمان الجزائري ودون ضجيج كبير وفي إطار مناقشة قانون الميزانية لسنة 2018 رفض مقترح تقدمت به نائب عن حزب العمال «تروتسكي» لتطوير اللغة الأمازيغية، ولأن الذين رفضوا هذا المقترح لم يعوا عواقب هذا القرار، فإنهم تسببوا في اندلاع موجة احتجاجات في مدارس وجامعات في منطقة القبائل، احتجاجا على هذا الرفض الذي اعتبر تنكرا لمكون أساسي من مكونات الهوية الجزائرية، واحتقارا للغة الأصلية للجزائريين.

شرارة جديدة

وتحولت هذه الاحتجاجات في كثير من الأحيان إلى صدامات مع قوات الأمن، التي لجأت في بعض المرات إلى استعمال القوة لمنع المظاهرات، الأمر الذي تسبب في وقوع جرحى وتوقيف العشرات، ما كان ينبئ بأن كرة الثلج تتدحرج وتكبر، خاصة وأن الاحتجاجات انتقلت بعدها إلى مدن أخرى مثل العاصمة وباتنة، وبدأ التخوف يرتسم من تكرار سيناريو الربيع الأمازيغي سنة 1980 الذي انطلق بسبب منع السلطات الدكتور مولود معمري من إلقاء محاضرة حول الشعر الأمازيغي القديم في جامعة تيزي وزو، لتتحول هذه الحادثة «البسيطة» إلى أول انتفاضة شعبية في الجزائر بعد الاستقلال، خلفت قتلى وجرحى وموقوفين وجرح ينزف في منطقة من أهم مناطق البلاد وفي نفوس الملايين من الجزائريين الذين عاشوا وشعور الإقصاء ينغص عليهم حياتهم، وتكرر السيناريو الدامي مرة أخرى سنة 2001 عندما اندلعت موجة احتجاجات عنيفة في منطقة القبائل، على إثر مقتل الشاب ماسينيسا قرماح داخل مركز للدرك، وبدل أن تسارع السلطات آنذاك إلى تهدئة النفوس ومعاقبة المسؤول عن مقتل الشاب، اكتفى وزير الداخلية الأسبق نور الدين يزيد زرهوني بأن قال إنه «شاب منحرف». تصريح كان كافيا لصب مزيد من الزيت على النار، وليفتح جرحا جديدا في منطقة كانت ما زالت تنزف.
السلطة التي بقيت في أول الأمر تتفرج على تصاعد الاحتجاجات بسبب قضية رفض تطوير اللغة الأمازيغية، سارعت في وقت ثان إلى اتخاذ إجراءات أبعد من تلك التي طالب بها الذين خرجوا للتظاهر، وأثبتت أنها تعلمت من دروس الماضي، وأنها أضحت قادرة على سماع أجراس الخطر، وبالتالي أعلن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن ترسيم عيد كانون الثاني/ينّاير أي رأس السنة الأمازيغية، وجعله يوم عطلة مدفوعة الأجر، وتقرر الاحتفال بشكل رسمي وشعبي عبر كل مدن البلاد بهذا العيد، كما طالب الرئيس الحكومة بالإسراع في تأسيس الأكاديمية الوطنية للغة الأمازيغية، والتي سيكون من مهامها تطوير اللغة الأمازيغية.
القرار الذي أعلنه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لم يضع حدا للجدل الدائر، بل أعاد بعثه من جديد، لأن هناك من اتهم السلطة الجزائرية باستغلال قضية الأمازيغية، والمزايدة في هذا الموضوع، وأنها أصبحت تقدم تنازلات مبالغ فيها، وذلك بخلفيات سياسية، وحسابات استحقاقات مقبلة، خاصة وأن البلاد مقبلة في العام المقبل على انتخابات رئاسية، تسعى السلطة إلى تحضير الأجواء الخاصة بها من الآن، بنزع فتيل أي أزمات يمكن أن تنغص عليها مشاريعها المقبلة، خاصة في ظل وضع متشنج ومتوتر أصلا بسبب أزمة مالية واقتصادية حرمت السلطة من عديد الأوراق التي تعودت لعبها لتهدئة الشارع وإخماد الفتن والاحتجاجات.

لغة ولكن؟

قضية الأمازيغية رغم الفصل فيها على مستوى السلطة (بصرف النظر عن الخلفيات) ما زالت تطرح إشكالا حقيقيا، خاصة على مستوى النخبة، فجزء من هذه النخبة يعتبر أن الأمازيغية ليست لغة، وإنما لهجات، وأن داخل هذه اللغة التي اعترفت بها السلطة وجعلتها وطنية سنة 2002 ثم رسمية في 2016 توجد عدة لهجات، مثل القبائلية، والميزابية، والشاوية، والشلوحية، والتارقية، وأنه ليس واضحا حتى الآن، على حد قول هؤلاء، ما هي «اللهجة» (من بين اللهجات المذكورة) التي سيتم اعتمادها كلغة أمازيغية. أما الإشكال الثاني فيخص الحرف الذي ستكتب به، وهو أيضا موضوع خلافي كبير، ومادة دسمة لجدل لا ينتهي، خاصة وأنه يحتوي على كل التوابل التي تجعل منه موضوع سجالات وصراعات إيديولوجية في المقام الأول.
السلطات الجزائرية لم تعلن بعد عن الحرف الذي سيعتمد في كتابة اللغة الأمازيغية رسميا، ففي وقت يطالب فيه البعض بكتابة اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني، يرى آخرون أن الحرف العربي هو الأقدر على استيعاب الأمازيغية والتعبير عنها، فيما يرى طرف ثالث أن حرف التيفيناغ هو الأنسب لكتابة الأمازيغية، والذي حدث هو أنه قبل الفصل في الخلاف القائم قامت وزارة الداخلية بإصدار أول بيان رسمي باللغة الأمازيغية، ورغم أن المبادرة كانت إيجابية وتأتي في إطار الجهود التي تبذلها السلطة لطي صفحة الماضي، والتصالح مع الذات، لكن الإشكال الذي وقع هو أن البيان كان مكتوبا بالحرف اللاتيني، وهو ما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت السلطات قد فصلت في الأمر حتى قبل تأسيس أكاديمية اللغة الأمازيغية، التي من شأنها الفصل في الموضوع، واختارت الحرف اللاتيني، وهو ما جلب إليها اتهامات بالسعي إلى إرضاء التيار الفرانكفولي في القضية الأمازيغية.
وقال الباحث والمؤرخ محند أرزقي فرّاد في تصريح لـ»القدس العربي» إن النضال في سبيل القضية الأمازيغية عمره على الأقل 70 سنة، وأنه بدأ في أربعينيات القرن الماضي، أي منذ فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر، وطوال عقود وعقود النضال لم يتوقف، مشيرا إلى أنه ربما أن يكون هناك عقلاء في السلطة تنبهوا إلى الأخطار التي يمكن أن تنجم عن استمرار التنكر للأمازيغية، خاصة في ظل التوترات التي يعرفها العالم العربي ودول الجوار، وأنهم قرروا تبني الأمازيغية لغلق هذا الباب، أما الاحتمال الثاني فقد يكون له علاقة بالتحضير لمرحلة ما بعد بوتفليقة، لأن النظام يدرك أن المنطقة الوحيدة التي تمارس عليه الضغط، والتي بإمكانها إقلاقه هي منطقة القبائل.
أما فيما يتعلق بموضوع الحرف الذي تكتب به الأمازيغية فاعتبر فراد أن الجدل القائم موضوعي لأسباب تاريحية، مشيرا إلى أن حرف التيفيناغ موجود في أقصى الجنوب فقط، وأنه كمختص في التاريخ قام بأبحاث كثيرة في الموضوع، وجد أن هناك شبه إجماع لدى المؤرخين الفرنسيين، أن الأمازيغ كتبوا لغتهم بالحرف العربي منذ مئات السنين وإلى غاية اليوم، فالفنان شريف خدام أحد أعمدة الأغنية القبائلية كان يكتب الأغاني بالحرف العربي، والشيخ الحسناوي أيضا، موضحا أن هناك كما هائلا من المخطوطات الأمازيغية بالحرف العربي، لكن الاستعمار الفرنسي الذي دخل إلى الجزائر في 1830 اختار كتابة القبائلية بالحرف اللاتيني. فالفرنسيون نقلوا في البداية النصوص الأمازيغية بالحرف العربي، لكن بداية من 1868 شرعوا في استعمال الحرف اللاتيني، وفي 1880 أصبح هناك ما يسمى دبلوم في اللغة القبائلية وليس الأمازيغية، وأصدر بلقاسم بن سديرة كتابا عنوانه دروس اللغة القبائلية، وذلك لأن فرنسا كانت تخطط لإقامة لبنان جديد في الجزائر، عملا بسياسة فرق تسد، وكان هدفها تقسيم الجزائر إلى دويلات صغيرة.
واعتبر محند أرزقي فرّاد أن أول خطأ ارتكبته السلطة الجزائرية كان في سنة 1962 لأنها سعت لإلغاء الأمازيغية، لأنه لو كان النظام ديمقراطيا لاعترف بالأمازيغية في الدستور، ولشرع في تدريسها بالحرف العربي، دون أن يطرح ذلك أي إشكال، لكن الذي حدث هو أن السلطة رفضت الاعتراف بالأمازيغية وقامت بمحاربتها، والذين أرادوا تعلمها ذهبوا إلى فرنسا، وبالتالي درسوها بالحرف اللاتيني، ثم جاء ما عرف بـ»إضراب المحفظة» سنة 1994 والذي تقرر على إثره إنشاء محافظة سامية للأمازيغية، والتي راحت تكتب الأمازيغية بالحرف اللاتيني، رغم أن الدولة الجزائرية لم تفصل بعد رسميا في الحرف الذي تكتب به الأمازيغية، بدليل أن في المقررات الدراسية نجد أن الحروف الثلاثة موجودة.
وأضاف المصدر نفسه، أننا ورثنا مشكلة موضوعية، مشيرا إلى أنه هو شخصيا يؤمن بالحرف العربي لاعتبارات علمية، ولكنه كباحث اقترح إقامة ثلاثة مخابر في إطار الأكاديمية الوطنية للأمازيغية التي تقرر تأسيسها، واحد للأبجدية العربية وآخر لللاتينية وثالث للتيفيناغ، على أن يكون هناك تنافس علمي، وأن الحرف الذي يأتي بالخير ويكون الأنسب للأمازيغية يتم اعتماده بعيدا عن أي صراعات أو صدامات.
واعترف فراد، أن الأمازيغية ما زالت تطرح إشكالا على مستوى النخب وحتى على مستوى العوام، لأن عقودا من الأحادية السياسية أنتجت أحادية ثقافية وفكرية، وتشنجا وتطرفا لدى الجانبين، مشددا على ضرورة إنقاذ الأمازيغية والعربية من التشنج والتطرف، لأن لا العربية ولا الإسلام يرفضان الأمازيغية أو يتعارضان معها، وأن من الضروري العودة إلى لغة العقل والاعتدال، لأن أجدادنا عاشوا 14 قرنا في إطار تعايش وتكامل، وأنجبت الأمازيغية الكثير من الألسن والأقلام للعربية، لكن الاستعمار زرع بذرة الانفصال، وظهرت في المقابل الذهنية العروبية المتشجنة المستوردة من المشرق.
وأعرب عن تخوفه من أن تكون السلطة قد تحالفت مع دعاة الطرح اللاتيني، وهو ما يزيد في تعميق الهوة، لأن الجزائري عموما لا يقبل الأمازيغية بغير الحرف العربي، وإذا تم ربط اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني فإن الهدف هو تمزيقها عن المشرق، رغم أن البحوث والكتابات القديمة كانت دائما تشير إلى تناغم وتواصل بين الأمازيغية والعربية المقبلة من الشرق.
ويرى الدكتور عثمان سعدي رئيس جمعية الدفاع عن اللغة العربية، أن السلطة قدمت تنازلات في موضوع الأمازيغية بخلفيات سياسية وحسابات انتخابية، من أجل كسب أصوات منطقة القبائل في استحقاقات مقبلة، مشيرا إلى وجود أكثر من 12 لهجة في الأمازيغية، وأن لا وجود للغة أمازيغية، وأن العملية لن تنجح، إلا إذا تم اختلاق لغة.
واعتبر سعدي في تصريح لـ»القدس العربي» أنه لا توجد لغة أمازيغية أم، بل توجد عشرات اللهجات الشفوية، والمعتمدة منها هي القبائلية المكتوبة بالحرف «الفرنسي» وأن قرار تعميم تعليمها غير سوي، لأن الكردية في العراق تدرس فقط في المناطق التي يوجد فيها أكراد. موضحا أنه في الوقت الذي تقوم فيه الدول المحترمة على اعتماد لغة وطنية ورسمية واحدة، تتخذ الجزائر قرارها باعتماد لغتين وطنيتين ورسميتين، وهذا سيؤدي، حسب الدكتور سعدي، إلى وجود لغة ضرة وضارة للعربية، لأنهما ستدخلان في صراع، وأن المستفيدة من هذا الصراع هي اللغة الفرنسية.
أما فيما يخص اعتماد التقويم الأمازيغي، الذي بدأ 950 قبل الميلاد، فيقول أن هذه السنة مفتعلة، لأنها تقوم على أساس رواية تقول إن الملك شيشناق الأمازيغي انتصر على رمسيس الثالث، في حين أن هذا الأخير حكم مصر سنة 1183 قبل الميلاد، وشيشناق الأول حكم سنة 950 قبل الميلاد، مشددا على أن الهدف هو فصل الجزائر عن بعدها العربي، وأن الجزائر كانت وستظل عربية.

الجزائر: تطوير اللغة الأمازيغية رهينة صراعات بين الحرفين العربي واللاتيني

كمال زايت

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود:

    تحدثت مع حارسة متحف بإسطنبول عن العملات التركية القديمة بالأحرف العربية والتي لا تعرف قراءتها !
    قالت لي أنها تفضل أن تُكتب لغتها التركية بالأحرف العربية حتى يتيسر لها قراءة القرآن الكريم
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول عادل بولندا:

    مالم يتخلى الامازيغ عن عنصريتهم وكرههم لكل ماهو عربي فسوف يقع ما لا يحمد عقباه .ارى ان الحرف العربي هو الاقرب وسيساعد على انتشار اللهجات الامازيغيه كما ارى عدم اجباربه تعليمها بل تكون اختياربه

  3. يقول طالب:

    لدينا في الجزائر 4 او 5 لهجات امازغية تختلف حسب المناطق فمن الصعب التوفيق بين كل هذه اللهجات لجعلها لهجة واحدة متمثلة في الامازغية و الحرف اللاتيني سيجعل من غير المتكلمين بها في اشكال، اظن ان الحرف العربي هو الحل المنطقي مثل الفارسية و الافغانية فقراءتها سهلة بالنسبة للعرب.

  4. يقول سلام عادل(المانيا):

    احرف الكتابة في كل لغة هي وسيلة للتعبير عن الصوت لذلك الحرف والاصوات في اللغة اكثر من حروف الكتابة,وهناك اصوات لا يمكن ان تعبر عنها الاحرف العربية والعكس صحيح بالنسبة لالاحرف اللاتينية فالامازيغ وحدهم من سيتطيع تحديد ذلك,بالمناسبة اكراد العراق يستخدمون الاحرف العربية يكتبون اسم محمد ليس كما يكتب ليس كما نعرفه نحن لانهم لا يستطيعون استخدام الحركات وبالتالي الفتحة والضمة والكسرة يستخدمون الحروف لكتابتها

  5. يقول الاحمر:

    من حق كل امة الاعتزاز بلغتها فالاسلام لا يحارب اللغات بل العقائد الضالة .اما العنصرية التي لا تتحاور مع الاخر تسوق شعبها الى الانحطاط والهمجية .

إشترك في قائمتنا البريدية