بغداد ـ «القدس العربي» ـ مصطفى العبيدي: تخوض الحكومة العراقية هذه الأيام، معارك شرسة على أكثر من جبهة في آن واحد، لاقناع البرلمان بتمرير ميزانية 2018 ولكسب معركة الانتخابات المقبلة، ولحل أزمة الإقليم، اضافة إلى اقناع المجتمع الدولي للمساهمة في إعادة إعمار المناطق المحررة ( المدمرة).
فبعد إخفاق البرلمان منذ أشهر في تمرير الميزانية رغم محاولات عديدة، نتيجة فشل التوافقات بين الكتل السياسية حول ثلاثة بنود في الميزانية هي حصة إقليم كردستان والمحافظات النفطية وغياب مخصصات إعمار المدن المحررة من الميزانية، فقد حضر رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى البرلمان ليومين متتاليين واجتمع برؤساء الكتل السياسية لبحث الخلافات حول الميزانية في جلسات غير علنية لتجنب المزايدات الانتخابية لبعض النواب. وتمكن العبادي من استرضاء النواب الشيعة المطالبين بادخال نسبة البترودولار المخصصة للمحافظات المنتجة والمصدرة للنفط ، في الميزانية، كما وعد النواب السنة بإعادة النازحين إلى مناطقهم ومحاولة إعمارها، ولكن ليس من ميزانية الحكومة بل من تبرعات مؤتمر الكويت لإعمار العراق التي لا يعرف أحد مقدارها ومدى جدية الدول في تقديمها واحتمال ان تكون مجرد وعود. أما حصة الإقليم من الميزانية فقد أصر العبادي على إلغاء نسبة السابقة البالغة 17في المئة واستبدالها بنسبة 12,6في المئة حسب نسبة السكان، وهو الأمر الذي دفع النواب الكرد إلى مقاطعة جلسات البرلمان التي تناقش الميزانية واتهام العبادي بتعقيد الأزمة وعرقلة تمرير موازنة عام 2018 البالغة حوالي 71 مليار دولار بعجز تجاوز 13 مليار دولار.
وفي معركة الانتخابات المقررة في ايار/مايو المقبل، برزت مؤشرات جديدة على الصراع حولها في البيت الشيعي، عندما أعلن تيار الحكمة الوطني بزعامة عمار الحكيم، وإئتلاف النصر برئاسة رئيس الوزراء حيدر العبادي، النزول بقائمتين منفصلتين وتأجيل التحالف بينهما إلى ما بعد نتائج الانتخابات. وكان ائتلاف الحشد الشعبي قد انسحب هو الآخر من التحالف مع العبادي وسط أنباء عن نية نائب قائد الحشد وقائد منظمة بدر هادي العامري، الترشح لرئاسة الوزراء بدعم إيراني. وحذر العديد من النواب الشيعة مما سموه بـ «مخططات» تشارك فيها أطراف محلية وخارجية لتشكيل الكتلة الأكبر لقيادة الحكومة المقبلة وفق سيناريوهات مختلفة منها تحالف بين اياد علاوي والسنة ومسعود بارزاني بدعم خليجي على حساب اضعاف دور التحالف الشيعي في السلطة، وقد استغل النواب الشيعة تصريحا لمسعود بارزاني بالعودة إلى كركوك بدون قتال، للترويج لهذا السيناريو.
وضمن السياق ذاته، فقد برز وبوضوح الدور الإقليمي والدولي في الانتخابات العراقية، حيث زار ممثل بعثة الأمم المتحدة في العراق يان ياكوفيتش، ممثل المرجعية الشيعية في كربلاء ومقتدى الصدر، معلنا دعم الأمم المتحدة ومساعدتها للحكومة العراقية بإعادة النازحين إلى مناطقهم، من أجل تحقيق العدالة في الانتخابات للمناطق التي شهدت نزوحاً جماعيا، ومؤكدا على ان «العراق بحاجة إلى حكومة قوية تمثل جميع مكوناته، من أجل محاربة الفساد ودعم الاصلاح». كما زار ياكوفيتش إيران وبحث مع المسؤولين فيها الشأن العراقي مع التركيز على الانتخابات التي حذر خلالها مساعد رئيس مجلس الشورى الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، خلال لقائه ياكوفيتش، بضرورة «إجراء الانتخابات العراقية في موعدها المحدد» منتقدا ما اسماه «مساعي السعودية في تأجيل إجراء الانتخابات العراقية».
وفي الوقت الذي تباينت مواقف المراجع الدينية الشيعية والسنية وفتاواهم تجاه الانتخابات بين الدعوات لمقاطعتها أو ضرورة المشاركة فيها لتزيد من حيرة المواطنين، فقد اهتم الناس بتعرض ممثل المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني الشيخ عبد المهدي الكربلائي لمحاولة اعتداء فاشلة خلال خطبة الجمعة في كربلاء. وكان العديد من رجال الدين الشيعة والسنة والكرد تعرضوا مؤخرا إلى ضغوط ومحاولات اعتداء أو تهديد اعتبرها الكثيرون محاولات للتأثير على مواقف المراجع الدينية ممن انتقدوا السياسيين الفاسدين ودعوا الناس إلى عدم انتخاب الفاشلين واختيار الوجوه الجديدة والكفوءة.
وفي أزمة الإقليم، أعلنت حكومة كردستان عن توصل أربيل وبغداد إلى اتفاق «مبدئي» حول ست نقاط خلافية بينهما وانه لم يتبق على الاتفاق شيء سوى موافقة رئيس الوزراء حيدر العبادي، دون تحديد أي موعد لرفع الحظر الجوي عن مطارات الإقليم.
أما في الإطار الاقتصادي وضمن مساعي حكومة العبادي لاستثمار مؤتمر الكويت المقرر هذا الشهر، للحصول على الدعم الدولي وتشجيع الاستثمارات لإعادة إعمار المناطق المدمرة وتنشيط الاقتصاد، فقد أجرت الحكومة العراقية اتصالات واسعة مع سفراء الدول واستقبلت وفودا كما نظمت زيارات لبعض العواصم لحشد الدعم الدولي للعراق خلال المؤتمر المذكور.
ويأتي ذلك في وقت أعلنت هيئة النزاهة في مؤتمرها السنوي، عن صدور أوامر استقدام بحق 35 وزيرا ومن هم في درجتهم إضافة إلى 306 من ذوي الدرجات الخاصة والمدراء العامين خلال عام 2017 الماضي في قضايا فساد، كما أعلنت هيئة النزاهة عن تنفيذها (293) عمليةَ ضبط فساد وهدر المال العام، مشيرة إلى أن الأموال التي تم ضبطها في تلك العمليات فاقت 51 مليار دينار. ويخشى المراقبون من ان العديد من الدول قد تتردد في تقديم الدعم لإعادة إعمار المدن المدمرة، نتيجة الخشية من وقوع المساعدات في يد حيتان الفساد المنتشرة في العراق.