السياسات العنصرية والمعادلات المعدة سلفا

الولايات المتحدة تسمح لنفسها بفعل ما تُريد في العالم، وأصبحت تُهدد بشكل مفضوح الدول بوقف المساعدات في حال عدم مسايرتها في قراراتها الإجرامية في حق الشعوب، ومثال ذلك ما حدث في مجلس الأمن بشأن القدس.
تلك سياسة الاستكبار تفتقرُ إلى أدنى مبادئ احترام الدول ذات السيادة، وقد أصبح الإرهاب أيضا بمثابة ستار لتنفيذ ما ترغب به الولايات المتحدة، خاصة إذا ما هُددت مصالحها الجيوستراتيجية وأساسها بترول الشرق الأوسط، الأمر الذي يُفسر تعاطف الرئيس الأمريكي ترامب مع الملك السعودي سلمان من أجل صاروخ وُجه إلى السعودية بدون أضرار تُذكر، ولم نسمع تعاطفا مع أطفال اليمن ونسائه وشيوخه الذين يُقصفون منذ أكثر من سنتين بأسلحة أمريكية.
إن السياسات التي انتهجتها الامبريالية العالمية تختصر كل تاريخ الإرهاب، فكل الدول الاستعمارية استخدمت مصطلح الإرهاب لتبرير قمعها للشعوب المستعمَرة بعد كل فعْل مقاوم يُواجه الاستعمار والغطرسة، حدث ذلك مع الفرنسيين أثناء المقاومة الجزائرية، وكذلك استخدم البريطانيون المصطلح ذاته مع بورما وماليزيا وفلسطين، وبرعت أمريكا بطبيعة الحال في استخدام الإرهاب كأداة لإدامة هيمنتها في كل مكان، وليس مستغربا حينها أن يتم وصْمُ حركات المقاومة الشعبية، لصد أشكال الهيمنة وسلب الخيرات والموارد الطبيعية بالإرهاب.
وفي الأثناء كل ما يجري من عنف ووحشية يتنافى ومعايير حقوق الإنسان ويُناقض جميع الأعراف الإنسانية، ولا يأبه بالقانون الدولي يُنظر لمن يرفضه ويُندد به على أنه من أطراف محور الشر، حسب التصنيف الأمريكي، فهو يختلف مع المثل الأعلى المطروح، الذي عملت النخب الحاكمة في أمريكا على إعادة تشكيل الإنسان الغربي وفقه، بحيث أصبح إنسانا اقتصاديا جسمانيا تُحركه مصالحه الاقتصادية المباشرة، وسعادته التي عرفها بطريقة مادية، ومثل هذا الإنسان «لا يكترث بأي أمور تقع خارج نطاق حواسه الخمس»، فهو أبعد ما يكون عن العالم الخارجي وعن السياسة الخارجية لبلده، إنسان اقتصادي جسماني لا يُدرك ما تُكلفه الحروب الهمجية، التي ترتكبها بلاده ضد دول أخرى، وتكون كُلفتُها على حساب نظام الرعاية الصحية والإحاطة الاجتماعية السكنية وغيرها.
توازيا مع ذلك لا يكشف الإعلام الأمريكي حقيقة تأثير الحروب الخارجية والإنفاق العسكري على الحياة الشخصية للمواطن الأمريكي، وبالتالي يغيب وعي الجماهير بالعالم الخارجي، ولا يتعدى الأخبار المحلية والشأن الداخلي، ويتحول الإعلام حينئذ إلى أداة لتفريغ المواطن الأمريكي من الداخل وإعادة صياغة تطلعاته وفق أجندات يُتفق عليها مسبقا، وجعله لا يُميز صدق الأخبار من كذبها ولا أي شكل من التحيز المفرط، والاستخدام المقصود لمصطلحات بعينها من قبيل الإرهاب الاسلامي، ونعت حركات المقاومة بالإرهاب، وتشويه القضية الفلسطينية وقلب المعادلات التي تجعل المحتل بريئا والمدافع عن أرضه إرهابيا. يريدون أن يمحوا سجلات التاريخ ويُعيدون تفصيله على مقاس السياسات العنصرية، التي تُردد اللازمة المعهودة «نحن لنا حق بهذه الأرض ولم يكن أحد يقيم هنا». ولا يزال هذا الخطاب الإقصائي يتكرر حتى اليوم ومع ذلك يتم ترديد عملية سلام موهومة قوامها إدارة أزمة وفق أهواء الولايات المتحدة، التي تدفع باللوبي الصهيوني في الداخل الأمريكي نحو دعم القيادة الإسرائيلية بشكل يكاد يكون مطلقا سياسيا وعسكريا ودبلوماسيا. ومثل هذا الدعم الأمريكي لإسرائيل يزيدها تورطا ويدفع باتجاه تنامي موجة الغضب واتقاد مشاعر الكراهية تُجاه الولايات المتحدة.
هكذا تشتغل الدعاية الغربية التي تحفلُ بسجل متخم بالخداع حول مصطلح «الإرهاب»، يُقدم في إطاره الدفاع الفلسطيني عن الحق المسلوب إرهابا، وما تقوم به إسرائيل وتبادر إليه يُعنْوَنُ في إطار «الرد الشرعي الانتقامي»، فالنظام العقائدي لأباطرة هندسة التاريخ والدعاية اليومية كما يسميهم نعوم تشومسكي مصمم لضمان أن تكون الاستنتاجات صحيحة بشكل بديهي، بغض النظر عن الحقائق التي إما أنه لا يردُ ذكرها، أو يردُ بشكل يتوافق مع الضرورات العقائدية أخذا بالاعتبار أن إسرائيل كيان موال وعميل مفيد جدا للولايات المتحدة تستخدم «كذخر استراتيجي» في الشرق الأوسط.
كاتب تونسي

السياسات العنصرية والمعادلات المعدة سلفا
 
لطفي العبيدي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية