غزة… والمطرقة الإسرائيلية

حجم الخط
0

لا تختلف قناعات الإسرائيليين حول مقدار ما يعانيه مليونا فلسطيني في قطاع غزة. جميعهم يرون أن الوضع هناك على حافة هاوية «كارثة إنسانية». جميعهم يعرفون أنهم هم (الإسرائيليون) السبب في هذا الوضع، نتيجة استعمارهم، ثم انسحابهم الذي حرصوا أن يتم من دون تنسيق، وألحقوه بحصار بلغ حد الخنق على البر وفي البحر وفي الجو. وزادوه الآن إلى حصار تحت سطح الأرض، وإلى أعماق عشرات الأمتار في باطنها. ثم بعد كل هذا الحصار والخنق، لا نرى في مواقف الحكومة، بكل أعضائها من دون أي استثناء، أي خلاف أو اختلاف في طريقة التعامل مع هذا الوضع، ولا في أسلوب الرد على ما قد تتطور الأمور باتجاهه نتيجة هذا الوضع الكارثي.
بل، وأكثر من ذلك لا توجد بين هذه الحكومة الموغلة في يمينيتها وعنصريتها، وبين الغالبية الأعم مما يسمونه في إسرائيل «أحزاب المعارضة» في الكنيست، (البرلمان الإسرائيلي)، بداية من «المعسكر الصهيوني» المكون من حزبي العمل وكاديما، بقيادة آفي غباي وتسيبي ليفني، وحتى حزب «ييش عتيد ـ هناك مستقبل»، بقيادة يائير لبيد، أي اختلافات جوهرية حول أسلوب معالجة هذه المسألة.
جميع هولاء يرون أن «العلاج الوحيد» لهذه الكارثة الإنسانية المتحققة بالفعل في قطاع غزة منذ سنين، والتي توشك قريبا جدا على الانفجار وانتشار شظاياها بكل الاتجاهات، يكمن في التعامل معها بلغة القوة العسكرية، والتي تمتلك إسرائيل فيها تفوقا بكل المقاييس.
هذه العقلية الإسرائيلية قصيرة النظر، والمصابة بلوثة العنصرية، لم تتعلم من تجارب التاريخ، ولا من تجارب تاريخها هي أيضا، أن القوة العسكرية التي لا تستند إلى الحق والعدل وأبسط قواعد المنطق، لا يمكن أن تحقق أهدافها في إخماد إصرار الشعوب والمجتمعات والجماعات التي تتعرض للظلم والقهر. هكذا اندحر الاستعمار وتحررت جميع الشعوب المستعمَرة في شتى بقاع وقارات العالم، ولم يبق في الأرض شعب يرزح تحت نير الاحتلال والاستعمار والتمييز العنصري، إلا شعبنا الفلسطيني؛ وشعب رفض وقاوم على مدى أكثر من قرن من الزمان حتى الآن، وما زال يرفض ويقاوم حرمانه من حقوقه الطبيعية في التحرر، لا يمكن إلا أن ينال كل حقوقه الوطنية الطبيعية والسياسية، مهما بلغت قوة إسرائيل العسكرية والاقتصادية، وقدرتها على بناء تحالفات تساند وتحمي سياساتها العنصرية.
من المفارقات اللافتة أن الأكثر اعترافا في إسرائيل، بمحدودية، أو حتى باستحالة قدرة القوة العسكرية على أن تكون بديلا عن حلول وتسويات ومعالجات لمشاكل وقضايا من هذا القبيل، هم القيادات العليا في الجيش وأجهزة الأمن الإسرائيلية. لكن هذا الفهم المحصور في دوائر هذه القيادات العسكرية، يصطدم مع «جدار القيادات السياسية» الإسرائيلية، حسب تعبير هداس زيف، المديرة في جمعية «أطباء من أجل حقوق الإنسان»، في جريدة هآرتس الإسرائيلية، يوم الثلاثاء الماضي.
ما تعانيه إسرائيل منذ أكثر من عقدين، وربما منذ اغتيال يميني عنصري لاسحق رابين، رئيس الحكومة الإسرائيلية سنة 1994، هو التصاعد الكبير في ميزان العنصرية الإسرائيلية المتفاقم: جمهور يهودي يميل نحو اليمين العنصري، ينتخب قيادات يمينية عنصرية، تساهم في التحريض لدفع الجمهور اليهودي إلى مواقع أكثر يمينية وعنصرية، فينتخبون قيادات أكثر وأكثر عنصرية، ليشكل هذا دائرة مغلقة متصاعدة في الاتجاه نفسه.
هذا الحال في إسرائيل لا يبشر بخير. وهم أكثر من تنطبق عليهم حكمة بريطانية تقول إن من يحمل مطرقة بيده يعتقد أن كل مشكلة تواجهه هي عبارة عن مسمار. لكن من يحمل المطرقة في إسرائيل هو الجيش الذي هو نفسه عبارة عن مطرقة بيد حكومته اليمينية العنصرية، من رئيسها بنيامين نتنياهو، إلى وزير دفاعه افيغدور ليبرمان، رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» العنصري، إلى وزير التعليم، نفتالي بنيت، رئيس حزب «البيت اليهودي»، إلى وزير الزراعة الموغل العنصرية، اوري اريئيل، الذي احتج الشهر الماضي على أن: «منذ أشهر عديدة لم تؤد كل الهجمات الإسرائيلية (على قطاع غزة) إلى سقوط قتلى (فلسطينيين)، ولا حتى جرحى. أي سلاح هذا الذي نستخدمه ونرى صور نار ودخان، ولا نرى جرحى»!!.

٭ كاتب فلسطيني

غزة… والمطرقة الإسرائيلية

عماد شقور

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية