تونس ـ «القدس العربي» من حسن سلمان استنكر سياسيون تونسيون ما اعتبروها «رشوة» أرسلتها الدبلوماسية التونسية لنواب الاتحاد الأوروبي، بهدف حثهم على التصويت ضد تصنيف تونس ضمن قائمة البلدان الأكثر عرضة لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب، حيث طالب أحد النواب بمساءلة وزير الخارجية، فيما اعتبر آخرون هذه السياسة تكرارا لممارسات نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
وكانت صحيفة «لوموند» الفرنسية تحدثت عن «هدايا» تلقاها نواب الاتحاد الأوروبي من قبل الدبلوماسية التونسية وتتضمن «زيت الزيتون والتمر» (أشهر منتجين تونسيين مخصصين للتصدير) بهدف حثهم على التصويت ضد إدراج تونس ضمن القائمة السوداء للدول الأكثر عرضة لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب، مشيرا إلى أن هذه «الهدايا» فشلت على ما يبدو في إقناع النواب الأوروبيين بالتصويت لصالح تونس كـ»ديمقراطية ناشئة» تحتاج للدعم الدولي.
وأثار الخبر جدلا كبيرا في البلاد، حيث استنكر البعض ما أسماها «دبلوماسية الزيت والدقلة (التمر باللهجة التونسية)» التي اعتبرت أنها ممارسات تعود لعهد النظام السابق.
وكتب ياسين العياري النائب عن «الكتلة الديمقراطية» على حسابه في موقع «فيسبوك»: «يوم الإثنين، سأسائل السيد وزير الخارجية كتابيا حول قصة دبلوماسية «الزيت والتمر». هل خلط السيد الوزير بين عمله الحكومي وعمله الحزبي؟ هل أرسل للنواب الأوروبيين دبوزة (زجاجة) الزيت التي تعود حزبه إرسال مثلها في المحطات الانتخابية (السيد الوزير مسؤول عن الانتخابات البلدية لحزب نداء تونس في إحدى الدوائر ورئيس حزبه أيام الانتخابات التي أوصلته للقصر تحدث عن «ابعثلهم دبوزة زيت وباكو (علبة) سميد»). مؤسف ومحزن أن تصبح الدبلوماسية التونسية اضحوكة: نتائج وطرق عمل!».
وعلّق ثابت العابد القيادي في «نداء تونس» على الأمر بقوله «دبلوماسية تونسية تعكس بيئة وواقعا فاسدا ومحسوبية وزبونية ورشوة وسطحية لا مثيل لها في معالجة الأمور، في حركة تملق ومحاولة فاشلة بائسة للعق أقدام أعضاء البرلمان الأوروبي لعدم تصنيف تونس بتقديم الزيت والتمر، ولكنها تفشل، كما تواصل منظومة الحكم الإصرار على الفشل».
ويأتي تصنيف الاتحاد الأوروبي لتونس ضمن قائمة الدول الأكثر عرضة لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب بعد وقت قصير من إخراجها من القائمة السوداء للملاذات الضريبية.
وكتب عبد الوهاب الهاني رئيس حزب «المجد»: «عوض إرسال زيت الزيتون ودقلة النور لتغيير موقف نواب البرلمان الأوروبي من وضع تونس على القوائم السوداء لمخاطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، كان بأولى وأحرى أن يبقى الزيتون في كُوزِهِ وأن تبقى الدقلة في عَرَاجِينِهَا. كان الأفضل أن يتم إيفاد وفد من البنك المركزي التونسي ومن هيئة التحليلات المالية، ومن الوزراء ذوي الاختصاص والكفاءة والنزاهة والمصداقية، ووفد من هيئة مكافحة الفساد، ووفد من البرلمانيين التونسيين من مختلف المشارب ومن اللجان ذات الصلة بمحاربة الفساد ومكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال ممن قاموا بأداء واجب التصريح بالشرف على الممتلكات، ليقف الجميع لإقناع نظرائهم وزملائهم الأوروبيين بالخطوات والالتزامات التي اتخذتها والتي تنوي بلادنا اتخاذها لحماية اقتصادنا وترابنا الوطني والإنسانية جمعاء من آفات الإرهاب والفساد وغسيل الاموال القذرة».
وأضاف «سياسة «أطعم الفم تستحي العين» قد تكون تنفع مع دكاكين تجار بيع الضمائر في سوق نخاسة الحياة السياسية التونسية وغيرها من البلدان، ولكنها لن تمنع عنا الكوارث. كما أن سياسة أكباش النطيح والفداء لن تجدي نفعا».
وكتب النائب السابق محمد نجيب كحيلة بتهكّم «إيّاكم والخلط بين الرشوة والهديّة!»: «آثم من اعتبر عراجين الدقلة وقوارير الزيت الفاخرة التي وُزِّعت على نوّاب الاتحاد الأوروبي، رشوة! أذكّر بفتوى ترى أنّك إن قدّمت شيئا، دون أن يُؤثّر ذلك على حيادية القرار اللاحق، فهو هديّة لا لبس فيها، لا رشوة! ولأنّ نوّاب أوروبا صوّتوا لإدراجنا في القائمة السوداء للدول المعرّضة لخطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، إذن، فما وُزّع عليهم من خيرات بلادي، هو هديّة كي يقفوا معنا في سبيل تونس، كما نفعل نحن، وكذلك لاستجلاب مودّتهم ومحبّتهم واستمالة قلوبهم وتأليفها، وللأسف فقلوبهم شتّى وبأسهم بينهم شديد!».
وأضاف «يوم، قُدّمت دقلتنا وزيتنا، ما كان الغرض إحقاق باطل أو إبطال حقّ، إنّما ابتغى من فعل ذلك، زيادة مساحة الودّ، وتمكين عشّاقنا من إكرامية تذوّق زيتنا الرفيع وتمرنا الشهير. واستنادا الى قاعدة «إنّما العمل بالنّيات، ولكلّ امرئ ما نوى»، فإنّ من قدّم زيتنا وتمرنا، ما نوى سوى العفوية والتواصل وإدخال البهجة على النفوس، لذلك فإنّ ما أتاه من أهدى هو حلال ولا شبهة فيه. وربّما هي فرصة، خصوصا والتوافق على أشدّه، أن نقترح على مشرّعنا، استحداث قانون، ينصّ على عدم الخلط بين الهدايا والرشاوى، وأنّ من اعتبر عطايانا رشوة، فقد غوى!».
وكان رئيس الحكومة يوسف الشاهد اقترح على رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي إقالة الشاذلي العيّاري محافظ البنك المركزي، وهو ما اعتبرته المعارضة محاولة لتقديم العياري كـ»كبش فداء»، وطالبت باستقالة الحكومة بأكملها على اعتبار أنها تتحمل المسؤولية الكاملة عما حدث.