«شخطة شخطين» لباتريسيا نمور تكسر المحرم بمسرحة نص فرنسي شفاف

حجم الخط
0

بيروت ـ «القدس العربي»: « Ce soir j’ovule» أو «الليلة تبيض» عنوان مسرحية عُرضت في أفينيون الفرنسية وشاهدته الممثلة اللبنانية باتريسيا نمور. مسهتا بعمق وتماهت معها. بعد سنوات حلّ العرض في بيروت تحت عنوان «شخطة شخطين» عرّبته نمور وأخرجته مع كالين برنوتي.
«شخطة شخطين» لمن هم فوق الـ18 عاما، فالعرض علمي يتغلغل في جزئيات جسد المرأة في رحلتها اللاهثة لتحقيق حلم الحمل الذي بدى مستحيلاً. رحلة عاشت بعضها باتريسيا نمور، وعاشتها بتفاصيلها الكاتبة الإيطالية كارلوتا كليريشي، التي حضرت خصيصاً إلى بيروت وشاهدت العروض الأولى في مسرح بيريت، وأثنت عليها.
مع باتريسيا نمور هذا الحوار:
○ كيف ترآئ لك مسرحة كابوس الحمل بـ»شخطة شخطين» وما يدور في فلكه؟
• حضرت هذا العرض في مهرجان أفينيون الذي ينعقد طوال شهر تموز/يوليو من كل عام. كانت زيارتي الأولى للمهرجان، وكان العرض الأول الذي أتابعه. حينها كنت شخصياً في تساؤل ذاتي «هل أصبح أماً أم لا»؟ تأثرت بالعرض حين تذكرت النصائح التي كنت أسديها لأفراد من عائلتي أو حتى من أصدقائي ومعارفي، وكم كنت أتفلسف عليهم، وفي اعتقادي أني أساعدهم. عندما نظرت إلى هذه المعضلة من بعد، شعرت بالوجع. وجدت أهمية مطلقة لهذه المسرحية، اشتريت نصها واحتفظت به منذ خمس سنوات.
○ لماذا التريث حتى الآن؟
• النص على درجة عالية من الحساسية، وإن لم نتقن التعامل معه قد يصبح سوقياً. ترددت في الإقدام إلى حدود الخوف. هذا العام تسلحت بالشجاعة مع زميلتي في الإخراج كالين برنوتي واشتريت حقوق النص. في رأيي أن شجاعتي استندت إلى خبرة تسع سنوات في محترف «L’atelier Du Je» الذي نديره معاً أنا وبرنوتي. ففي هذا المحترف تُطرح الموضوعات الاجتماعية بكثرة. اتكلت على جمهور المحترف الذي بات جاهزاً لأن يسمع موضوعاً مماثلاً. قررنا ثمانية عروض فقط. التجاوب مع المسرحية فاق توقعاتنا فامتدت العروض. اخترت مسرح بيريت الجامعي لأرفع عن المسرحية أي صفة تجارية في تسويق بطاقاتها. رحلة الحمل تتضمن تفاصيل الحياة الحميمة بين الزوجين، مع احترامي الشديد لكافة المسارح، ولكن قد يختلف معنى «شخطة شخطين» حين تُشاهد مترافقة مع الكأس.
○ ولماذا الحضور الطبي في عروض السبت؟
• تحظى المسرحية بدعم الجمعية اللبنانية للتوليد والأمراض النسائية، ويحضر كل سبت طبيب نسائي ومعالجة نفسية، ليكون محتوى وهدف العرض اجتماعيا إنسانيا أولاً. فليس لهذا العرض أن يسوق تجارياً.
○ عبء الحمل والمجتمع قبل وبعد الزواج، هل حياة المرأة في مجموعها دراما؟
• تحدثت المسرحية عن شغف المرأة بالحمل، لكنه يتأخر. وفي السياق تقول المسرحية تفاصيل من حياة المرأة التي تتبدل مع الزواج. وتنقل ضغط المجتمع وصراع المرأة مع كم لا يُحصى من العلاجات، والتي تترك أثراً سلبياً عليها جسدياً ونفسياً. تقع المرأة تحت عبء اتخاذ القرار في هذا العلاج أو ذاك. ومن ثم تكون أمام معضلة متابعة تجارب التلقيح الإصطناعي المرهقة، أم تختار التبني؟ قرارات عليها وحدها حسمها. إلى جانب العديد من الأسئلة التي تطرحها المسرحية.
○ كتبت كارلوتا كليريشي من وحي تجربتها الشخصية هل نقول أن المرأة هي المرأة شرقاً وغرباً في تشابه المواجع؟
• كثيراً، وهذا ما صدمني. لدى حضور الكاتبة العرض الثالث للمسرحية وكانت لها مقاربة بين العرض الفرنسي واللبناني، وخلُصت إلى نتيجة مستها. فقد توقفت عند كيفية التمثيل، لتقول أنها وجدت زوايا دقيقة أطل عليها العرض. الكاتبة إيطالية وتعيش في فرنسا، وفي ظني أن الطليان يتشابهون معنا. لذلك وجدت جرأة في تقديم هذا العرض في بيروت، رغم كونه محصورا بالراشدين فقط. تفاجأت حين أخبرتني الكاتبة أن الصحافيين في فرنسا حين كانوا يتصلون بها من أجل حوار عن كتابها « Ce Soir J’ovule» كانوا يهمسون بالقسم الثاني من عنوانه خجلاً. نعم اندهشت فهل أوان الإباضة لدى المرأة أمر مهول؟ وهل المحرمات تنسحب إلى كافة المجتمعات؟ بالنسبة لي ولأني من خلال المسرح أتناول منذ زمن قضايا اجتماعية، زالت المحرمات. كافة الموضوعات يجب أن تطرح بأساليب لا تخدش الحياء، ولا تجرح إنساناً. وظيفة المسرح تتمثل في وضع المشكلات أمام الجمهور. يمكن للفن أن يتيح لصاحب أي مشكلة رؤيتها من مسافة، عندها تختلف النظرة إليها.
○ رغم أن العروض لا تزال في بداياتها فهل رصدت أي ردود فعل ذكورية حولها؟
• كثر من الرجال عبّروا بحساسية مطلقة عن تبدل مشاعرهم حيال المرأة بعد حضور العرض. آراء أفرحتني للغاية. ومنهم من قال ان احترامه للمرأة بات دون حدود. الفنان جورج خباز أبلغني أنه تمنى لو قبل يديَ المرأة التي كانت تجلس قربه احتراماً. وأنه شعر بوالدته وشقيقته، وبصعوبة ما تمر به النساء، والتي لا يقدرها الرجل مطلقاً. في رأيي عندما يرى الإنسان أشياءه على المسرح، ومن بعيد يستوعبها. كما أبلغني المخرج هادي زكاك حرفياً «جعلتِ كل رجل فينا يشعر أنه امرأة». ووصلتني اليوم جملة مماثلة من رجل عبر فيسبوك تقول: «أشعرتني أني امرأة تعيش مشاعر الحمل وآلام الولادة».
○ هل يتطابق العرض اللبناني مع الفرنسي؟
• فقط حذفت برغبة مني جملا بسيطة للغاية. مرجع الكاتبة العهد القديم كونها مسيحية، ولأنها عاشت التجربة شخصياً شعرت وكأن الله تركها عندما بلغت أوجاعها الجسدية والنفسية أوجها. عادت لتشعر أن الله معها عندما وجدت الحل الشخصي. في العرض المسرحي الفرنسي استبدلت كلمة الله بالطبيعة. للناس في لبنان مرجعيتها التي ترتاح لها وهي الله. وأضفت للنص خصوصية لبنانية كمثل سؤال الأم لإبنتها: ما بدي أقشعلك قبل ما موت؟ في مجتمعنا تعيش المرأة ضغطاً نفسياً كبيراً وكأن سعادة والديها متوقفة على زواجها وإنجابها. ليس هذا وحسب بل في مجتمعنا تقدير المرأة المتزوجة يختلف عن غير المتزوجة.
○ هل يمكن لغير المرأة أن تكتب هذا النص؟ وكم فيه من التجربة الشخصية للكاتبة؟
• هي تجربتها بالكامل. عانت لتصل إلى الحمل مدة ثماني سنوات. ومعاناتها الكبرى كانت مع الأطباء الذين تعاملوا معها بغير إنسانية ولم يمنحوها وقتاً تحتاجه للسؤال. ربما اختلفت وسائل العلاج والعلاقة مع الأطباء عن السنوات الماضية.
○ تعيش المرأة على توقيت الـ28 يوماً و»شخطة شخطين» ثم يظهر حل التبني. في رأيك هل إيجابيات هذا الحل أكثر من سلبياته؟
• المهم أن تعرف المرأة ماذا تريد، وأن تعمل وفق رغباتها وليس إرضاءً للآخرين. إلى حل التبني هناك العديد من سبل الحمل التي باتت متوفرة بفعل التقدم الطبي إلى جانب التلقيح الاصطناعي. احترم التبني، ولكل إنسان أن يعمل وفق ضميره.
○ وهل للتبني أن يريح الزوجين من علاقة جنسية تصبح «أشغالا شاقة» كما ورد في المسرحية؟
• أشغالا شاقة هو تعبير عن المتاعب التي تمر بها بعض النسوة لتحقيق الحمل. وهذا ما أشار له الطبيب النسائي الدكتور رامي عاصي في الحوار مع الجمهور. قال بضرورة الوعي خلال اختيار الطبيب المختص تلافياً للتعب الجسدي والنفسي، وهدر الوقت، ومنعاً لوصول المرأة للطبيب القادر على مساعدتها وهي خاسرة كامل طاقتها. بل وتكون قد دخلت مرحلة الـ»سريس» والتي تؤثر سلباً على الحمل. أكد الطبيب النسائي للحضور أن الضغط الذي تعيشه المرأة بهدف الحمل يحد من جهوزية بويضاتها لقبول التلقيح. النصيحة التي وجهها الدكتور رامي عاصي للنساء أن يمتنعن عن زيارة كل طبيب تقل مدة الزيارة له عن 45 دقيقة. وكذلك أن يكون جاهزاً للرد على أي رسالة تصله من المرأة، وأن يشعرها أنه صديق العائلة وليس تاجراً.
○ لجأت لتعابير متداولة شعبياً كما «استقامت» لتقولي رأياً في نمطيات متخلفة من مجتمعنا وعبر الكوميديا. بأي هدف؟
• في النص الأصلي ما يسمى «فتحة» تفيد أن المرأة تبقى مقصرة مهما فعلت. لم أصدق أن باباً فتح لي فأضفت إليه. نعم يفيد مجتمعنا في أدبياته أن المرأة ناقصة، في عزوبيتها وزواجها. إن لم تنجب يمكن استبدالها. وإن حملت توصف أنها «استقامت» فهل كانت منحرفة من قبل؟ إن انجبت بنات تلازمها وصمة. وحتى إن أنجبت ولداً يطلب منها ان «تزينه ببنت». وإن أنجبت ولدين يقال لها «بس اتنين»؟ وإن أكثرت «ولووووووو ما عندكم تلفزيون»؟ ابنتي وحيدة والتعليقات على الموضوع تنهمر عليَ.
○ في رأيك هل تبدأ أزمة المرأة مع الحياة من طبيعتها الجسمانية وتحديد عمرها الإنجابي؟
• ما سمعته من المعالجة النفسية غرازيللا كلاّب في أول سبت من عرض المسرحية كان رائعاً. فقد تحدثت عن الخطأ الشائع «غريزة الإنجاب» هو في الواقع «رغبة الإنجاب». الرغبة تبدأ من الدماغ، فيما الغريزة تترافق مع ألم في الجسد كما لدى الحيوانات. للمرأة رغبة شخصية في الإنجاب، وليس بهدف إسعاد والدتها أو أحد سواها. ما قيل في الحوار مع المعالجة النفسية والطبيب النسائي أن خضوع المرأة للعلاج حتى الموجع منه بهدف الإنجاب، يمكنها تحمله عندما يكون القرار شخصيا وبناء على رغبتها. في حين أن العلاج مع امرأة كسرها المجتمع وصنفها ناقصة لأنها لم تنجب، وحمّلها عقدة ذنب، سيكون مضنياً، وجسدها ونفسيتها خالية من أي دفاعات. ولسوء الحظ لا يُطلب من المرأة أن يترافق علاجها للإنجاب التواصل مع معالجة نفسية.
○ حاكمت الجينات العائلية ومسارها من بيدوفيليا إلى الأمراض العصبية وغيرها. هل هو تمهيد لفكرة التبني أم لفتة؟
• هي لفتة. بالنسبة لي التساؤل دائم عن الجينات التي نمنحها للطفل. الحمد لله الأمراض التي أحملها أنا وزوجي ليست كثيرة، ولن نحمّل ابنتنا الكثير. الإنجاب ليس رياً لنرجسيتنا، فنحن لا نعرف ماذا يأتي مع الطفل. أن ننجب يعني أن نقبل الطفل كما هو وليس كما نرغبه.
○ كنت المرأة القلقة لحدود الهستيريا فلماذا اخترت الأحمر القاني لوناً لثوبك؟
• وافقت على قرار مصممة الثوب غريس ريحان التي أحترم تفكيرها. لون الثوب جاء من وحي الديكور الأبيض البارد المحيط بي والذي يشبه كافة العيادات الطبية. كما واختيرت كافة المحتويات مؤنثة، الكراسي والسجاد بشكل مستدير كما بويضات المرأة، إلى جانب المثلثات التي تشير إلى زمن الإباضة وفي الوسط الساعة التي تناقصت دقيقتها زمنياً إلى 20 ثانية. واخترت شعري أزرقاً بدون شعر اصطناعي. فالمرأة غير المنجبة تكون غريبة في مجتمعها، وهكذا ينظرون لي في الشارع. جاء الأحمر ليكسر برودة المكان، فهو دافئ وفيه لون الدم الذي تكره رؤيته على ملابسها الداخلية كل امرأة ترغب في الحمل.
○ من المفيد عرض المسرحية تكراراً على شاشة التلفزيون نظراً لفائدتها. هل خطر لك هذا؟
• نعم ولسوء الحظ طلبت إعلاناً مقابل حقوق تصوير المسرحية من قبل إحدى الشاشات المحلية، جاء الرد: لا يهمنا الموضوع.
○ ليس للمسرحية أن تذبل، فموضوعها دائم. هل ستعرض لاحقاً؟
• بدأت العروض ويدي على قلبي فهي من إنتاجي. تفاجأت أن الناس ترغب في ما هو حقيقي. يتابع الناس سخافات التلفزيون لعدم وجود بديل، وليس لكونهم يفتقدون الثقافة. إن لم يبدأ لبنان بكسر المحرمات فمن أين سنبدأ؟
○ إلى جانب مونودراما «شخطة شخطين» ما هي مشاريع باتريسيا نمور؟
• أتابع المحترف مع زميلتي كالين وفي أيلول/سبتمبر نعرض مسرحية لمن يرغب من المشتركين، وموضوعاتنا إنسانية اجتماعية. في أيلول/سبتمبر من كل عام لقاء مع الطقس المسرحي. شخصياً وعدت نفسي بمسرحية في كل عام. فلن أكون في موضوع يقل عن ما وصلته على الصعيد الاجتماعي والفني.

«شخطة شخطين» لباتريسيا نمور تكسر المحرم بمسرحة نص فرنسي شفاف
رحلة النساء المضنية مع الحمل تتساوى شرقاً وغرباً وفي «الأشغال الشاقة»
زهرة مرعي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية