عمان ـ «القدس العربي» من بسام البدارين: قبل ساعات فقط من زيارة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون إلى عمّان، انشغل مضيفه الأردني أيمن الصفدي بطلب خاص من زملائه المسؤولين والوزراء يقضي بعدم إعلان أي شيء رسميا يخص مذكرة التفاهم المالية التي سيوقعها الضيف الأمريكي عند حضوره.
فكرة الصفدي أن أعضاء الكونغرس المسؤولين عن المساعدات قد يغضبهم الإعلان عنها قبل توقيعها.
حضر تيلرسون إلى العاصمة الأردنية ووقع فعلا المذكرة المرتقبة بوجود الصفدي التي تقول عمليًا إن الإدارة الأمريكية معنية بدعم الأمن الاقتصادي الأردني سياسيًا.
المصادر الأردنية كلها قبل حضور تيلرسون كانت تتحدث عن زيادة بمقدار 500 مليون دولار أمريكي على الحصة الأردنية.
لكن المذكرة وقعت بزيادة قدرها 275 مليون دولار فقط وهو رقم لا يفيد كثيرا الخزينة الأردنية لكن قيمته السياسية والدبلوماسية وبتقدير الوزير الصفدي هي ما يستوجب الاحتفال لأنها تخفف الانطباع الحاد القاضي بأن الأردن لم يعد مؤثرا كما كان في الماضي بعمق معادلة القرار الأمريكي خصوصا في قضية فلسطين والصراع مع إسرائيل.
مذكرة تيلرسون الموقعة رفعت مقدار المساعدات 25 في المئة لكنها تضمنت نصا على أنها غير ملزمة وإن كانت ستوقع لخمس سنوات في إطار رسالة سياسية قال بيان السفارة الأمريكية في عمان أنها تختص بتأكيد أنها تدل ليس على عمق العلاقات فقط ولكن على غطاء سياسي أمريكي يظهر مجددا أن واشنطن ما زالت حريصة على تقدير العلاقة مع حليفها وصديقها الأردني.
في كل الأحوال ابتهج الأردنيون بزيارة تيلرسون لأنها تمثل المؤشر اليتيم بعد قرار الرئيس دونالد ترامب بخصوص القدس على أن الأردن يحتفظ بمكانته ضمن سياقات الإدارة الأمريكية وهي الورقة التي خسرتها عمان حتى مع حلفائها العرب عندما لم يتضمن وعد ترامب أي إشارة من أي نوع للدور الأردني في الوصاية على المسجد الأقصى والقدس.
واضح تمامًا في السياق أن المذكرة التي وقعها الوزير تيلرسون في الأردن تم استخدامها أمريكيا في لعبة ابتزاز سياسية وحصل التوقيع بعدما حظي نائب الرئيس الأمريكي مارك بنس على ما يريد الحصول عليه عند زيارته لعمان الشهر الماضي من تنازلات أردنية وتعديل في لهجة الأردن خصوصا تجاه ملف القدس.
الأردن بمعنى سياسي آخر أعاد إنتاج موقفه لمصلحة الأجندة الأمريكية المقبلة وبضغط ملموس لم يستند فقط إلى تأجيل توقيع مذكرة المساعدات لنحو شهرين وإنما لاستعصاء واقعي توقفت بموجبه المساعدات الخليجية والعربية المعتادة للأردن وبناء على ترتيبات مع الأمريكيين على الأرجح.
زيارة الوزير تيلرسون بهذا المعنى هي محطة توقف ضمن رحلة شاملة يقدر خبراء أردنيون أن لها علاقة أيضا ببلاغ أمريكي جديد لعواصم المنطقة وتحديدا العربية يقضي بأن وزارة الخارجية الأمريكية تغادر منطقة التهميش وتعود وإن كان بالتدريج إلى لعب دورها في الملفات الأساسية في الشرق الأوسط مثل العراق وسوريا والإرهاب والقضية الفلسطينية.
ويبدو واضحا تماما أن تيلرسون عندما توقف في بغداد والقاهرة ثم عمان تقصد الحديث في ملف العلاقات الثنائية بالتوازي مع الملفات الإقليمية، وصدرت عنه ومنه تلميحات مباشرة إلى أنه تم الاتفاق مع الرئيس ترامب على استعادة دور وزارة الخارجية الإقليمي والدولي بعد نزاعات حصلت داخل الإدارة الأمريكية بسبب سطوة ثلاثة على الأقل من مستشاري الرئيس ترامب على مساحة العمل التي كانت مخصصة في العادة لمؤسسات وزارة الخارجية وعلى رأسهم صهر الرئيس أجاويد كوشنير.
جزء أساسي من تكثيف جولة تيلرسون في المنطقة سواء على صعيد الملفات الثنائية أو القضايا السياسية الكبيرة الإشكالية كان له علاقة بتلك الإيحاءات التي يقول فيها تيلرسون للشركاء والحلفاء إن وزارته وطاقمها يعودان للعمل المكثف والدبلوماسي وإن الخارجية لديها خطة للتعاطي مع كل الملفات الأساسية وهو الأمر الذي اتضح فعليا عند متابعة تلك المعطيات التي نتجت عن الوقوف وجها لوجه أمام تفصيلات وليس ملفات فقط.
من هنا على الأرجح التقى تيلرسون في عمان لجنة تنسيقية تتبع المعارضة السورية، وتحدث عن إعادة الإعمار في العراق وعن برنامج العودة للخيار السياسي في سوريا كما تحدث عن الإرهاب في مصر واستعرض الأوضاع في سيناء وناقش مع الكويتيين الأزمة داخل البيت الخليجي وتحدث عن تركيا ومعها في القضايا الكثيرة العالقة.
بمعنى آخر حقيبة الوزير تيلرسون كانت مليئة بالتفاصيل واللقاءات والرسائل وبدا أن الرجل مهتم بإعادة الاعتبار لدور وزارته على حساب المستشارين الذين يقومون بالأعمال باسم الرئيس ترامب ونيابة عنه، وبدا معنيا بتذكير نادي الأصدقاء والحلفاء في الأردن ومصر والكويت والعراق بانه سيبقى على اتصال معهم وأن طاقم وزارته سيــعــيد إنتاج خطة عمل وتواصل.
في الوقت نفسه أظهر تيلرسون قدرا من المرونة وهو يحاول الاطلال على المربع المغلق في المشهد اللبناني وكذلك المشهدين السوري والعراقي. وحاول في الوقت نفسه تخدير الأردنيين لأكثر مسافة زمنية ممكنة قبل توجه الملك عبد الله الثاني إلى موسكو ولقائه الرئيس فلاديمير بوتين في زيارة قد يكون هدفها الأبعد والأعمق الحرص على توريط روسيا أكثر في ملف عملية السلام حتى لا تنفرد إدارة ترامب وحدها بالتفاصيل التي يؤكد مسؤولون أردنيون أنها لا تزال غامضة ومجهولة بالنسبة لهم. وفي الكويت عبر تيلرسون على الأرجح عن اهتمامه بإطالة أمد الوساطة الكويتية في أزمة الخليج، وتحدث عن ضرورة عدم الاستسلام والاكتفاء بقبول الواقع الحالي مشيرا وفقا لمصادر «القدس العربي» إلى أن أزمة الخلافات الخليجية ينبغي ان لا تدخل في نطاق طويل الأمد وينبغي ان تعالج في إطار متسارع مع ترحيبه بمبادرات الحوار القطرية وإشاراته الملغزة عن منح المزيد من الوقت حتى يخف التشنج والتوتر السعودي والإماراتي.
الوزير تيلرسون على نحو أو آخر يحاول تشخيص وتوصيف جولته في المنطقة على أساس أنها ضمن برنامج متفق عليه مع الرئيس ترامب له علاقة بمحاولة تفعيل قنوات الاتصال البينية مجددا وعبر طاقم الخارجية بين الإدارة الأمريكية وأصدقائها وحلفائها في المنطقة خصوصا القدامى.
دبلوماسيون أمريكيون شاركوا في تحضيرات جولة الوزير تيلرسون تحدثوا عن محطات تشمل رأب الصدع وتنشيط خلايا التعاون والاتصال والتنسيق. كما تحدثوا عن مشاريع لمعالجة الاختلال الناتج عن الملفين الفلسطيني والسوري تحديدا بين أعضاء نادي الحلفاء والأصدقاء في المنطقة وأيضا عن مشاريع موازية لمعالجة مظاهر الاختلال في طبيعة التواصل والعلاقة بين العواصم الحليفة والإدارة الأمريكية نفسها ضمن بروتوكول جديد له علاقة مباشرة بالعودة إلى صيغة العمل المؤسسي بدلا من الرهان كما حصل طوال العام الماضي على تفاهمات واتفاقيات بالمستوى الفردي مع مسؤولين في البيت الأبيض.
يريد تيلرسون إعادة تموقع وتمركز مؤسسات وزارة الخارجية على طاولة الفعل والواقع والمناورة في المنطقة.
ويريد إظهار الحرص على أن العمل المؤسسي على الملفات ينبغي ان يعود للصدارة بدلا من الاجتهادات الشخصية التي تستند إلى انفعالات واتصالات هنا وهناك، واعدا في الأثناء وفي التلميح المباشر بإعادة حظوة وسطوة ودور السفارات الأمريكية في عواصم المنطقة بعد امتناع مكتب الرئيس عن المصادقة على تعيين نحو 22 سفيرا أمريكيا دفعة واحدة بينهم ثمانية على الأقل في منطقة الشرق الأوسط. جولة تيلرسون لا علاقة لها فقط بتمهيد الأرض والأجواء قبل أسابيع قليلة من إعلان ملامح وتفاصيل الصفقة السياسية الشاملة التي سيعرضها الرئيس ترامب قريبا لحل الإشكال الأقدم في الشرق الأوسط وهو الصراع العربي الإسرائيلي، بل لها علاقة أيضا بإزالة تشنجات وإطفاء حرائق بين دول المنطقة الصديقة والحليفة واستعادة دور المؤسسات الدبلوماسية التي ألحق الرئيس ومستشاروه طوال العام الماضي ضررا بالغا بها.
الجولة هي طرقة جديدة على أبواب تقاليد العمل في مؤسسة الرئاسة الأمريكية حاليا أكثر من كونها جولة بمضمون سياسي واضح ومحدد له علاقة بخطط ومشاريع واتجاهات وتفويضات مرسومة مسبقا.
جولة متعددة الأهداف والأغراض ومن شأنها العمل على إزالة العوائق في مستويات التنسيق والاتصال سواء بين واشنطن وحلفائها أو بين أصدقائها من أطراف المحور الأمريكي أو الذي يرعى المصالح الأمريكية.
يحضر تيلرسون إلى المنطقة وسط انطباع أسس ملامحه مبكرا نظيره المخضرم العجوز جون كيري، عندما ألمح في اتصالات مع شخصيات فلسطينية إلى أن ظاهرة الرئيس ترامب الشخصية ستبدأ في الانحسار مع الربيع الحالي وتتغير المعطيات مع الصيف المقبل وعلى أساس العودة للعمل المؤسسي المألوف ثم على أساس أن الأجندة الخفية المطلوبة من الرئيس ترامب تكون قد أنجــزت مع بداية الصيف المقبل.
ما يلمح له المخضرم كيري قد يكون هو ما يبدأ مع اللعبة التي يدشنها الوزير تيلرسون خلال جولته الحالية المثيرة.
بسام البدارين
حضر الجميع أخيرا لبيت الطاعة ، لم يبق الى اليتيم الذي لا أبا له ولا أم ، طبعا الفلسطيني الذي يدفع بالعاده الثمن بعد كل ازمه تحصل في المنطقه ، واخيرا ازمه القدس التي اعلنها المعلم عاصمه للدوله الإسرائيليه وتم سحبها من طاوله المفاوضات , نتج عنها هبوب عاصفه في فنجان ما لبثت أن هدأت وانتهى الأمر .
نجاح يسجل للوزير الاصلاحي الشاب وخطوة على الطريق الصحيح لإعادة دور وزارة سيادية بحجم الخارجية قدمت الشهداء للوطن…الخطوة التالية معاليك تنظيف بيتكم الداخلي وإعادة المكتب الخاص إلى مركزه منسقا وقلبا نابضا…هناك العديد يؤيدون معاليك دون مقابل ويتمنون بنهجكم الاصلاحي ..ابحث بين الوزراء المفوضين والرتب العليا ..ولكم دوام التوفيق