هل ما زال ممكناً التصدي للمشروع الأمريكي؟

حجم الخط
1

لا تستطيع السلطة الفلسطينية وحدها، ولا الأردن وحده ولا كلاهما معاً التصدي للقرار الأمريكي بنقل سفارة واشنطن إلى القدس واعتبار المدينة المقدسة المحتلة عاصمة للإسرائيليين، وإنما يحتاجُ التصدي لهذا القرار تحركاً على مستوى عربي وإسلامي عالي المستوى، وهذا يعيدنا إلى حقيقة أن القدس هي وقف إسلامي للأمة، وأن الدفاع عنها هي معركة الأمة بأكملها وليست مهمة موكلة للفلسطينيين وحدهم.
ندفع اليوم ويدفع كل العرب والمسلمين ثمن خطيئة التخلي عن الفلسطينيين وتركهم يواجهون مصيرهم لوحدهم، بدون ظهير أو مساند، منذ أن قال العرب للشهيد الراحل ياسر عرفات «إذهب أنتَ وربُّك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون»، وهنا نتحدث عن قرارات الجامعة العربية التي كانت في مجملها تؤدي إلى هذه النتيجة البائسة، وتعني بالضرورة أن العرب تخلوا عن قضية فلسطين ولم تعنِهم في شيء.
كما تدفع مدينة القدس الحزينة اليوم ثمن واقع عربي وإسلامي بالغ السوء والبؤس والتردي، حيث لم يعد ثمة دولة ولا نظام ولا حكومة ولا مؤسسات في خمس دول عربية على الأقل، إذ تغرق هذه الدول الخمس في حالة غير مسبوقة من الفوضى والاقتتال الداخلي، أما باقي الدول العربية فمشغولة هي الأخرى في التدخل بشؤون الدول الخمس الغارقة بالفوضى، ومشغولة أيضاً بإشعال مزيد من الفوضى الداخلية في هذه الدول التي تحولت إلى ساحات لتصفية الحسابات بين الأشقاء العرب المتخاصمين.
في المنطقة أيضاً تنشغل تركيا، التي هي أهم قوة إسلامية وإقليمية حالياً، بالعمل العسكري في سوريا وتتدحرج شيئاً فشيئاً نحو المعارك التي تخوضها من أجل إنقاذ أمنها القومي، وهو ما يجعلها أضعف من أن تواجه القرار الأمريكي أو تضغط على واشنطن في مسألة السفارة. أما إيران التي خرجت لتوها من سنوات العقوبات الاقتصادية العجاف، فغير قادرة على التصدي للقرار الأمريكي، ولا تملك أصلاً الأدوات ولا العلاقات اللازمة للتصدي للقرار ولا الضغط على واشنطن.
الولايات المتحدة اختبرت «باروميتر الغضب العربي» خلال الفترة الماضية، ووجدت أن العرب والمسلمين لم يعودوا مكترثين بالقدس، ولم يعودوا يغضبون لأجلها.. بدأ الأمر بالتلويح بنقل السفارة وإطلاق الوعود بذلك، ثم أجَّل الرئيس ترامب التوقيع على القرار، الذي كان قد وعد باتخاذه فور وصوله إلى البيت الأبيض، ثم وقع القرار بالفعل، لكن المسؤولين الأمريكيين تحدثوا على الفور عن أن التنفيذ سيتم خلال عامين ولن يكون فورياً.. ثم فوجئنا بأن النقل سيتم فعلياً في شهر مايو المقبل، أي أن العامين تم اختصارهما إلى شهرين، مع هدوء الشارع العربي والإسلامي وانطفاء جذوة الغضب. وواقع الأمر أن مظاهرة هنا أو مسيرة هناك لا يمكن أن تؤدي إلى تراجع واشنطن عن قرارها ولا تأجيله، كما أن سقوط شهيد في غزة وآخر في جنين (على عظمة دمائهم وقدسيتها) لن يعطل القرار الأمريكي بأي حال، وإنما المطلوب تحرك عربي إسلامي شامل لا يقل عما يلي:
أولاً: تتوجب الدعوة إلى مؤتمر قمة عربي شامل يناقش قضية القدس وكيفية حمايتها، ويعلن أنها «وقف عربي إسلامي مسيحي» ولا يمكن القبول بتغيير وضعها القانوني، بدون التوصل إلى اتفاق حل نهائي يكون فيه كل من الفلسطينيين والأردن شركاء. وهذا المؤتمر رغم أنه سيكون كغيره من مؤتمرات القمة التي لا تُسمن ولا تغني من جوع، ولا تتخذ أي قرار ذو تأثير، إلا أنه سيشكل إحراجاً وتعرية لبعض الأنظمة العربية التي تواطأت مع ترامب، والتي وافقت في السرّ على الطرح الأمريكي بشأن القدس والتسوية.
ثانياً: على الفلسطينيين أن يلجأوا إلى الدول الإسلامية الكبرى فوراً، من أجل استخدامها ورقة ضغط على الولايات المتحدة، وهنا نتحدث عن تركيا وإيران وباكستان.
ثالثاً: على القيادة الفلسطينية أن تعلن بشكل واضح أنها ستعود إلى مربع «منظمة التحرير» وتتخلى عن السلطة، وأن تحل السلطة بشكل كامل، إذ لا معنى لوجود السلطة الفلسطينية أساساً ما دامت مدينة القدس التي هي عنوان الصراع قد تم ويتم حالياً تغيير وضعها القانوني، كما أنه لا معنى لوجود سلطة ترعاها الولايات المتحدة ونشأت بموجب اتفاق رعته الولايات المتحدة، ما دامت هذه الأخيرة قد حسمت موقفها وأعلنت انحيازها لأحد الأطراف قبل أن ينتهي الصراع باتفاق حل نهائي.
رابعاً: على الفلسطينيين ومعهم الدول العربية، ذات الموقف الداعم بحق، أن يلجأوا إلى الدول الكبرى التي يمكن أن تشكل نداً للولايات المتحدة، وهنا نتحدث عن روسيا والصين والاتحاد الأوروبي وجميعهم رفضوا القرار الأمريكي بنقل السفارة إلى القدس.
خلاصة القول هو أن خطورة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس يتمثل في أن اعتبار المدينة عاصمة للاسرائيليين ليس سوى مقدمة لفرض مشروع تسوية أمريكي على الفلسطينيين، بدون الجلوس إلى طاولة مفاوضات، وبدون التوصل إلى حل مرضٍ لمن هم في الداخل والخارج، وفي حال مرت الخطوة الأولى من هذا المشروع ونجحت بها الولايات المتحدة، فإن واشنطن ستفهم حينها بأنها قادرة على فرض مشروعها وتجاهل الفلسطينيين والعرب.. وهنا الخطر الأكبر.
كاتب فلسطيني

هل ما زال ممكناً التصدي للمشروع الأمريكي؟

محمد عايش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول sajid abdelouahad:

    قال تعالى وهو اصدق القلئلين في سورة الاسراء وليس اصدق من الله قيلا .
    (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُئُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا )

إشترك في قائمتنا البريدية