«إسقاط الطائرات» على الطريقة المغربية… وناشط إسلامي جزائري يتغزل في تركيا!

 

في زمن العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني، كان ثمة إعلاميٌّ يتولى مهمة تلميع الصورة الرسمية للبلاد عبر الإذاعة والتلفزيون، وقد لقّبته صحافة المعارضة آنذاك بـ»مسقط الطائرات»، مستعيرة هذا اللقب من نكتة معروفة، تقول إن تلميذا كان مولعا بوصف الحديقة، فكلما طلب منه الأستاذ تعبيرا كتابيا إلا وتحايل على الموضوع المقترح، ليعود إلى وصف الأشجار والأزهار والطيور.
فكّر الأستاذ في طريقة لإبعاد التلميذ عن عادته هذه، فاهتدى إلى اقتراح موضوع يتعلق بوصف طائرة، اعتقادا منه أن مجال الفضاء البعيد عن الأرض لن يسمح للتلميذ بوصف الحديقة. ولكنّ هذا الأخير كان أذكى وأدهى، فكتب في نصه التعبيري: «ما إن أقلعت الطائرة، حتى سقطت فوق حديقة…» ثم راح يتفنن بأسلوبه المفضل في وصف الحديقة.
لُقّب التلميذ بـ «مسقط الطائرات»، وانتقل اللقب إلى الصحافي المغربي الشهير، لكونه كان يُقحم التعبيرات المتعلقة بمدح الملك في كل موضوع.
اليوم، غاب الإعلاميّ الملمح إليه من على شاشة التلفزيون، ولم تعد عبارات المديح المبالغ فيها مطلوبة ولا مستساغة، فضلاً عن كونها تتعارض مع العمل الإعلامي السليم، مثلما غابت أغاني المناسبات الوطنية والملاحم الفنية وقصائد المديح التي كانت تملأ الإذاعة والتلفزيون خلال الأعياد الوطنية المغربية.
ولكن يبدو أن مهمة «إسقاط الطائرات» انتقلت إلى وزير مغربي يروقه تجميل عمل الحكومة وتعداد حسناتها (إنْ كانت لها من حسنات)، حتّى يخيل للمستمع لكلامه أنه على المغاربة أن يحمدوا الله آناء الليل وأطراف النهار، لأنهم يتوفرون على مثل هذه الحكومة المكونة من 40 وزيرا، بمعدل وزير لأقل من مليون نسمة، (إذا علمنا أن سكان المغـرب ينـاهز 36 مليـون فـردا، حسب آخر إحصـاء رسـمي).
عشية أمس الأول، كان الوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة، يتحدث عن المشاريع التي تَعِدُ بها «الحكومة العثمانية» (نسبة إلى رئيسها سعد الدين العثماني) أهالي منطقة جرادة القريبة من الحدود المغربية ـ الجزائرية.
ومن كثرة استرسال الوزير مصطفى الخلفي في تعداد تلك المشاريع، بقي له فقط أن يقول إن جرادة ستصير جنة على الأرض، تنافس كل المدن العالمية ذات الجاذبية الاقتصادية والسياحية!
لم يتوقف الوزير عن الكلام إلا بعد جهد جهيد، ولم يستطع مقدم النشرة المسكين أن يقاطعه، كما لو أن مصطفى الخلفي جاء ليدلي بتصريح صحافي مطوّل، وليس من أجل حوار يتيح للصحافي أن يطرح أسئلته الدقيقة وأن يقاطع المستجوَب متى بدا له الأمر ضروريًا، وفق الشروط المهنية المعروفة.
ولكن السؤال الجوهري الذي لم يطرحه مقدم النشرة هو: أين كانت الحكومة، بل الحكومات المتعاقبة، كل هذه العقود، تاركة منطقة جرادة تعاني الفقر والتهميش والإهمال وغياب البنيات التحية والاقتصادية وشروط العيش الكريم؟ لماذا تكتفي السلطات عادة بردّ الفعل دون أن تقوم بالفعل المطلوب، ذلك أن الحكومة لا تتحرك في الغالب إلا حين ينفد صبر السكان، ويهبون للصراخ بملء حناجرهم، مطالبين بالعدالة الاجتماعية والمجالية؟ رأينا ذلك في الحسيمة، بعد انطلاق الحراك، ثم رأيناه في جرادة حيث أدى البحث عن لقمة العيش المرّة إلى إزهاق روحين اختناقا في منجم عشوائي للفحم الحجري.
ويأتي الوزير الناطق باسم الحكومة ليطلق الوعود الوردية، مُعزّزا بالإعلام الرسمي الذي يلعب دور «النكافة» المحددة مهمتها في تجميل العروس والإشادة بمحاسنها، حتى وإن كانت خالية من أيّ حُسن، كما هو حال «الحكومة العثمانية» التي نهز أكفنا نحو السماء، لعلّ رحيلها يكون قريبا!

الجزائر… بين تركيا وفرنسا!

وننتقل إلى الجزائر، حيث النقاش محتدم هذه الأيام حول زيارة الرئيس التركي طيب رجب إردوغان إلى بلد المليون شهيد، ما بين مرحب بها باعتبارها تفتح آفاقا جديدة للتعاون الاقتصادي وبين معترض عليها، من منطلق كونها إعادة لتاريخ التوسع العثماني في هذا البلد.
هذا السجال وجد صداه ـ منذ يومين ـ في قناة «فرانس 24» التي استضافت كلا من مريم السعيداني (عن برنامج جيل جديد) وحسين بن قدواد (عن حركة مجتمع السلم). وإذا كانت المتدخلة الأولى قد طالبت بأن تكون العلاقة بين البلدين على قدم المساواة، وليس من منطلق استفادة تركيا لوحدها من الاتفاقيات الاقتصادية بين البلدين، فإن المتدخل الثاني (المنتمي إلى تيار الإسلام السياسي) كان أكثر حماسا وتهليلا لتلك العلاقة، لدرجة أن مريم السعيداني قالت متهكمة: «أنت تقول شعرا في تركيا، والأجدر بك أن تقوله في بلدك الجزائر!» ولاحظت أن المؤسسات في الجزائر منهارة، مؤكدة أن القيادة الجزائرية لا تقوم حاليًا بتبادل الزيارات نحو البلدان التي تعقد مـعها شـراكات واتفاقـيات.
وكما هو الشأن في القناة الفرنسية المذكورة، فإن موضوع الذاكرة والتاريخ والماضي الاستعماري طغى على أحد برامج قناة «البلاد الجزائرية»، وذلك على خلفية زيارة الرئيس التركي إلى الجزائر، ووجد متحاوران نفسيهما يقفان على طرفي نقيض من هذه الزيارة، إذ رحب بها علي لخضاري الإعلامي والباحث في العلاقات الدولية، فيما عارضتها مسعودة شبالة القيادية في «الحركة الديمقراطية الاجتماعية».
واحتدم النقاش حول مقال للكاتب كمال داود اعتبر فيه أن إردوغان غير مرحب به في الجزائر، حيث ذكرت مسعودة أن الكاتب حر في التعبير عن آرائه ومواقفه الشخصية، فيما أثار لخضاري مسألة سكوت البعض عن الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر، وقال ساخرا: «يبدو أن السياسة الفرنسية توزع الورود في المنطقة».
وعلى سبيل الختم، يلاحظ أنه في معظم البرامج الحوارية العربية، يحرص كل طرف على الانتصار لرأيه ومحاولة إلغاء الآخر. ويبقى المُغيَّب الأكبر هو المُشاهد/ المواطن العربي!

كاتب من المغرب

«إسقاط الطائرات» على الطريقة المغربية… وناشط إسلامي جزائري يتغزل في تركيا!

الطاهر الطويل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود:

    كان الشعراء المداحون للملوك في قديم الزمان
    أما اليوم فالمداحون من جميع الطبقات والمهن وأولهن الإعلام المقروء والمسموع والمُشاهد
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول الصوفي الجزائر:

    فعلا يوجد كثير ممن يتقنون اسقاط الطائرات على طريقة قصة الكاتب المحترم
    السجال في زيارة اردوغان هو بين التيارين الاسلامي العروبي الذي يايد الزيارة ويثمن الاتفاقيات التي تبدو فيها المصالح متبادلة
    والتيار الفرنكفوني المايد لفرنسا والذي رحب بمكرون بالجزائر بل تجرء احد مستقبليه من ابناء فرنسا المتغلغلين في النظام واستقبله بكلمه مرحبا بك في فرنسا اما الاتفاقيات مع فرنسا فتخدم بالدرجه الاولى فرنسا وبالدرجه الثانية المسؤلين الموقعين على اللتفاقيات والساهرين على تطبيقها وفي الاخير الفتات للجزائر كدولة وشعب

  3. يقول عمر بن سعيد:

    لم تقتصر معارضة زيارة الريئس التركي على الفرونكوفون،هناك فئات عديدة كان اها موقف معارض

إشترك في قائمتنا البريدية