شركاءٌ يتقاسمون الخراب

حجم الخط
0

ركامٌ مفضٍ إلى ركام وخرابٌ يجرّ خلفه جاره الخراب وشريكه في البلاء، أبنيةٌ هُدمت على عجل بدون أخذ تصريح مُسبق من ظلالها يُجيز الهدم، وبدون السماح منها لاحقاً وأزقةٌ لم تُهدم بل سُحقت، فالأزقة لا تُهدم يا صاحبي وأنما تُخنق بركام الأبنية وتزدحم بأطراف الموتى، رئات طازجة لا تزال ملأى بالهواء الدافئ وبعضها الآخر مليء بالكلور، طرفٌ مرميٌ في مؤخرة الشارع ومالكه مرميٌ في السراب إلى حيث لا مرآة تُصادق على وجوده حياً، خرابٌ مجرورٌ بخراب وهو يجرّ خراباً آخر، تلك هي الحرب.
شركاء اجتمعوا على الأرض السورية ليتقاسموا الركام حيناً والدمار حيناً آخر، شركاء يتقاسمون الخراب وأما أنت أيها المالك للخراب لا يحق لك حتى الخراب، قد يحق لك التفرج على مشهد القسمة غير الشرعية وربما القسمة العادلة بين الشركاء، شركاء ارتوت أعناقهم من شرب الدماء الطازجة في أقداح لم تخصص إلا للدم، أما في الضفة المقابلة للخراب حقول حزينة وذابلة للقمح والشعير، حقولٌ عطشى جفت من البكاء طويلاً فذبُلت، ويجاورهما الجار الدخيل والحقل الدخيل حقل الألغام! مصيدة الأجساد والأرواح ومستنقع لبيع القطع من الأعضاء بعد فصلها عن المالك الجسد، قطعٌ للأيدي وقطعٌ للأرجل وقطعٌ للأكباد وقلوبٌ ملأى بحب الوطن ورئاتٌ خاوية من الهواء وحناجر ملت الصيحات، إنه الموت الملاصق للحياة، حقلٌ يمنحك الحياة وحقل مجاور يُجردك منها، وبعد فرسخ من حقول الموت والحياة هناك أيضاً حقولٌ للموتى جُمعت أجسادهم وازدحمت في حُفرٍ لا تليق بالموت ولكن القَتلة كانوا على عجلةٍ من أمرهم لذلك تراكمت الأجساد على بعضها في تلك الحُفر الجماعية كي تستأنس ببعضها ليلاً.
شركاءٌ تقاسموا التركة الخراب شرقٌ لي وغربٌ لك وجنوبٌ لذاك وشمالٌ متنازع مجهول المصير، هكذا اتفق الشركاء على تجزئة الركام المطحون، نهرٌ يفصل كل هذا الخراب بأجزائه الأربعة، اجتمع الشركاء في وسط النهر لا في شرقه ولا في غربه، بل في وسطه فهو نهرٌ محايد منزوع السلاح لا يُجيز للشركاء حمل أسلحتهم وهم في وسطه، بل يحق لهم تدفئة أعناقهم بربطات العُنق البارزة، الفرات سيد القسمة لا شركاء يتنازعون على ملكيته فهو من حصة الموتى، الموتى فقط سيشربون من مياهه بعد أن يروي هذا النهر بكرمه وجُودِه حفرهم الجماعية المزروعة على ضفافه، هكذا يكتمل مشهد الخراب برمته بموته وركامه وتجزئته وقسمته وشركائه ونهره في هذا البلد، لا حياة على هذه الأرض إلا للموتى.

٭ كاتب سوري

شركاءٌ يتقاسمون الخراب

آزاد عنز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية