دمشق- رنا جاموس: من بين ركام منازلهم، ورائحة الموت التي تفوح من كل شيء، تنشرها في الأرجاء مقاتلات النظام، طالب أهالي الغوطة الشرقية بريف دمشق وقف إطلاق النار الذي دعا إليه مجلس الأمن، واصفين بمرارة الهدنة اليومية، التي أعلنت عنها موسكو، وبموجبها “تتوقف آلة القتل لخمس ساعات يوميا فقط”، بـ”الخدعة”.
جولة لمراسلة الأناضول في الغوطة الشرقية كانت كفيلة لأن تعكس حالة الإحباط التي تسيطر على سكان تلك المنطقة المنكوبة من العالم، والتي لم يستطع المجتمع الدولي بصخب اجتماعاته، وإداناته المدوية، وبعض من قرارات، أن يوقف نزيف أهلها المحاصرين منذ أواخر 2012.
وفي 24 فبراير/شباط الماضي اعتمد المجلس قرارا يدعو إلى وقف إطلاق النار في عموم سوريا لمدة ثلاثين يوما، إلا أن الهدنة لم تدخل حيز التنفيذ حتى اليوم.
واقترحت روسيا، بعد يومين من القرار الأممي رقم 2401، هدنة تستمر خمس ساعات يوميا في الغوطة الشرقية، (بين الساعة التاسعة صباحا والثانية من بعد الظهر)، وتوفير “ممراتٍ آمنة” لخروج من يشاء من المدنيين، إلا أنّ عمليات القصف تواصلت، ولم تُسجل عمليات إجلاء.
** لا أمان
“خائن وليس له أمان” بهذه الكلمات وصف “أبو محمد عماد”، وهو من سكان الغوطة، النظام السوري، متسائلا “كيف يريدنا أن نخرج من الغوطة عبر ممرات، ليقتلنا على الطريق؟”.
واعتبر “أبو محمد” أن النظام “لو كان لديه أمان لرحم الأطفال الصغار”، متسائلا من جديد “ما ذنب المدنيين ليقتلهم؟”، لكن لا أحد على ما يبدو يملك إجابة على هذا السؤال.
ينفي “محمد ماوردي”، وجود هدنة، معتبراً أن مدة الخمس ساعات المفروضة لوقف القصف لا تكفي لفعل شيء.
وتابع “لو أراد النظام صالح الشعب لأدخل طعاما للمدنيين، فلا أكل ولا شراب”، مؤكدا أن هذه الهدنة “مجرد خدعة”.
ومطلع الشهر الجاري نفى المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، “استيفان دوغريك”، علاقة المنظمة الدولية بالهدنة الروسية، واعتبرها غير كافية لإيصال المساعدات لنحو 400 ألف محاصر.
فيما قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان “زيد بن رعد الحسين”، الجمعة، أمام مجلس الأمن، إن قصف الغوطة “يشكل على الأرجح جرائم حرب تنبغي إحالتها لمحكمة الجنائية الدولية”.
بلهجة يكسوها الغضب، يشدد “خليل حلاوة”، على ضرورة إيجاد حل جذري في المنطقة، يتوقف بموجبه القصف، الذي لا يتورع كما يقول عن دك أحياء المنطقة خلال ساعات الهدنة الخمس، مستدركا “لذا لا أحد لديه أمان أن يمشي في شوارع الغوطة وطرقاتها حتى خلال هذه الساعات”.
** “مخطط النظام”
يصف “سعيد الحمصي” الهدنة بـ”الكذب والدجل” على المدنيين، لافتا أن “النظام لا يضرب إلا المدنيين، لذلك إن خرجنا عبر طرقاته فهي غير آمنة”.
وتحدث “الحمصي” عما اعتبره مخطط النظام من وراء فتح الطريق للمدنيين لمغادرة المدينة، قائلا “النظام سيدفع بالشباب الذين سيخرجون عبر ممراته إلى الجبهات وحتى سن الـ 50 عاما، كي نقتل نحن أخوتنا المدنيين بعد أن يجندنا”.
وبصوت يحمل من الصمود ما يدعو للتعجب يعود قائلا: “إن كان يدعي النظام أن فصائل المعارضة تمنع الناس من الخروج فهذا الكلام غير صحيح، نحن صامدون وصابرون، ولن نخرج من ممرات آمنة كما يريد”.
والغوطة الشرقية آخر معقل كبير للمعارضة قرب دمشق، وإحدى مناطق “خفض التوتر”، التي تمّ الاتفاق عليها في محادثات العاصمة الكازاخية أستانة عام 2017.
** “لن نخرج”
يبدي “فراس بلور” رفضه القاطع لتلك الهدنة، التي لا تحقن دما، أو تكفي لتأمين حاجات السكان الضرورية كما يقول.
ويطالب باستثناء المدنيين من كل شيء، داعيا النظام إلى القتال على الجبهات لا أن يقتل المدنيين والأطفال.
ويضيف “هذا النظام يضرب البنية التحتية للمنازل ويدك البيوت فوق رؤوس الأطفال والنساء”.
ورغم المذابح التي يتعرض لها سكان الغوطة، والتي ترقى بحسب مراقبين إلى عمليات “إبادة”، يطالب “بلور” فصائل المعارضة بعدم الموافقة على هدنة الساعات الخمس، مضيفا “نحن شعب نريد الاستقلال فنحن أصحاب أرض، لن نخرج بتهجيرنا من أراضينا”.
أما الحاج “خالد شاكورة”، فطالب أن تكون الهدنة كما اقترحها مجلس الأمن مدتها ثلاثون يوما لا خمس ساعات يوميا، أو فهي لا تلزم، على حد تعبيره.
** ما هذه الهدنة؟
متهكما على “هدنة موسكو” يلتقط “سامر دريدي” أطراف الحديث قائلا “بعد أسابيع من الحملة الأعنف منذ سنوات يفرض النظام هدنة لمدة 5 ساعات ويحرمنا حتى من لقمة الطعام، ما هذه الهدنة؟”.
ويتابع دريدي، “يريد النظام أن يهجرنا من مناطقنا، الى أين سنذهب؟”، وعاد مؤكداً “لن نخرج من أرضنا وسننتصر بإذن الله”.
ويواصل النظام السوري القصف العنيف على الغوطة الشرقية المحاصرة في ريف دمشق، بالرغم من الهدنة المزعومة من قبل موسكو، تزامناً مع محاولات لاقتحامها من عدة محاور.
وأمس الأول الاثنين، خرجت قافلة مساعدات أممية من الغوطة دون تفريغ كامل حمولتها بعد قصف لقوات النظام التي جردت القافلة من بعض الإمدادات الطبية قبيل دخولها.
وحسب معطيات الدفاع المدني في سوريا (الخوذ البيضاء)، قتل أكثر من 800 مدني في هجمات النظام السوري، وداعميه على الغوطة الشرقية خلال نحو أسبوعين. (الأناضول)