لعنة الرواية والجوائز العربية 

حجم الخط
0

 مرة أخرى يعود إلى الواجهة الثقافية عبر مواقع التواصل الاجتماعي موضوع رواية ساعة بغداد للروائية العراقية شهد الراوي، التي رشحت إلى القائمة القصيرة من مسابقة جائزة البوكر العربي مؤخرًا.. هذه الرواية التي أثير حولها لغطٌ كبير بين مؤيدٍ ومعارضٍ منذ صدورها والاحتفاء بها في شارع المتنبي، في احتفال لم يشهد له الوسط الثقافي مثيلا، حيث وقف المتابعون لها في طابور للحصول على نسخة منها.. وزاد الأمر حين كتب عنها نقادٌ وروائيون مقالات تصف الحالة والكاتبة ولا تصف الرواية.. مما أثار الكثير من ردود الأفعال.. وقد تجددت المقالات والكلمات عن الرواية مرة أخرى، حين تم ترشيحها إلى القائمة الطويلة لمسابقة البوكر.. وقد اشتعلت المواقع بآراء المؤيدين والمعترضين لتزداد ثالثة تلك الآراء حين تم ترشيحها إلى القائمة القصيرة، وقد تشتعل من جديدٍ إذا ما فازت بجائزة البوكر، وهو ما يتوقعه الكثيرون، رغم أن هناك من يتوقع فوز إبراهيم نصر الله أو أمير تاج السر.
لقد انشطرت الآراء ما بين مؤيدٍ ومعارضٍ لهذه الرواية.. فالمؤيدون يقولون إنها روايةٌ عراقية، وإنها تحدثت عن الواقع بعين طفلةٍ عراقيةٍ تمكنت من رصد الأحداث منذ الحرب العراقية الإيرانية وما تلاها في الحرب العراقية الأمريكية، وتفجير ملجأ العامرية، وما تلاه من أحداث.. والمعارضون يقولون إنها روايةٌ لا تمتلك أبسط شروط الكتابة الروائية، وإن القائمين على الجائزة لهم مآرب أخرى وهي تسيء إلى هذا الفن الكبير.
هذا الأمر ربما يحدث في البلدان العربية الأخرى وقد حدث في تونس حينما فازت رواية صبحي المبخوت «الطلياني» وحصل حين فازت رواية «موت صغير» للروائي السعودي محمد حسن علوان، وهو ما يوضح وجود تنازع في واقعنا الثقافي، ما يمكن القول إنها حالةٌ مرضيةٌ لدى البعض، أو إنها حالةٌ طبيعية لدى البعض الآخر.. ومن هذه الحالات المرضية الخاصة بالجوائز التي تقدم في هذا المحفل أو ذاك، أو تقيمها هذه الجهة أو تلك، وتصل حالات الانتقاد إلى لعن القائمين عليها والتحريض على عدم المشاركة فيها وكأنها أي المسابقات سبة غير نظيفةٍ، وإنها تأتي بشيء إدا، وتعد المشاركين فيها من مرتكبي جرائم ثقافية.. ويصل الاتهام إلى الكثير من الأوصاف، فالبعض يصفها بالجنازة، والآخرون يقولون تعطى لمن لا يستحقها ويأتون بمن رفض جائزة نوبل ميزانًا ومثالًا على الجميع الاقتداء به، بل إن البعض يتهم المشاركين فيها بعدم ثقتهم بأنفسهم وبإبداعهم، ويبحثون عن فرصةٍ لتقويم النتاج من خلال الحصول على جائزةٍ ما.. وإن بعض الاتهامات تصل إلى الخيانة، لأن هذه الجائزة أو تلك لا تخلو من أجندات خارجية تريد الإطاحة بالتاريخ والإرث الأدبي لهذا البلد أو ذاك، ولهذه الأمة عن تلك، بل إلى خراب اللغة والإبداع.
هذا الأمر أعاد إلى الأذهان ما قيل عن الجوائز العالمية بصورة عامة، وما تعرضت له من اتهاماتٍ عديدة.. ومنها رفض الأديب والفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر لجائزة نوبل، وإنه وصف الجائزة بأنها سياسيةٌ.. وتلك فكرةٌ أو رأيٌ له يتحمله سارتر نفسه، وكذلك الكاتب المسرحي الأيرلندي جورج برنارد شو الذي لم يرفضها لأنه لا يعترف بها، بل لأنها جاءته بعد انتظارٍ طويلٍ وأرادها يوم كان فقيراً، وحين صار غنياً لم يعد بحاجةٍ لهذه الجائزة، وإلى أي جائزةٍ أخرى، فضلا عن الأديب والشاعر الروسي وريس باسترناك، فقد كان رفضه للجائزة عائداً لرأيه بإبداعه وقوله إنه لا يستحقها.. والأمر ينطبق على الأديب الروسي الآخر تولستوي، الذي قال رأياً كتبه برسالةٍ إلى من أرسلوا له رسائل احتجاج على الجائزة التي لم تمنح له بأنها خلصته من ورطة التصرف بالمال، وهو قولٌ جاء بعد قرار اللجنة بمنحها للفرنسي رينيه برودوم، الذي يعد أول من نال جائزة نوبل وربما لو منحت لتولستوي لما قال هذا القول.
إن الكثير من الأدباء يشاركون في المسابقات الأدبية، سواء منها الشعرية أو القصصية أو الروائية، بل البعض يشارك حتى في مسابقة القصة الواحدة أو القصيدة الواحدة، للبحث عن فوز حتى لو كان معنوياً، لأنهم يدركون أن الجائزة شأنٌ شخصي وهي جزءٌ من الطبيعة والتكوين الأدبي وهي حالةٌ مضافةٌ إلى حالة الجمالية الإبداعية، أو جزءٌ حتى من الإعلان الثقافي الذي يمارس مع جميع الإعلانات الأخرى للأجناس الفنية المختلفة. وهي جزء حقيقي مكمل للأدوات الإبداعية الأخرى التي يجب عدم الالتزام أو الأخذ بمعارضيها، لأنهم أيضا ربما يملكون رأياً مضاداً لهذه الجائزة أو تلك، إما لعدم تمكنهم من الحصول عليها، أو لأنها حالة من الغيرة والحسد إن صح الوصف.. بمعنى أن الجائزة تعني سطوع المنتج وتداوله بين الناس وبالتالي شيوع اسمه والبحث عن نتاجه الأدبي وزيادة عدد المطبوعات والإصدارات وارتفاع الأسعار لتصب في صالحه كربحٍ مادي جديد من تعدد الطبعات.. وهذه كلها تعود عليه بالفائدة، فضلا عن قيام دور النشر بطبع نتاجه بطريقة ليس كما كانت قبل الفوز بالجائزة، حيث يدفع لدار النشر بل إن دار النشر تدفع له لأنها ضمنت بيع النتاج الأدبي لعدة طبعات فقد أصبح الاسم معروفاً وسط القراء.

روائي عراقي

لعنة الرواية والجوائز العربية 

علي لفته سعيد

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية