بغداد ـ «القدس العربي» ـ مصطفى العبيدي: وسط تسارع تداعيات المشهد العراقي هذه الأيام، ثمة حدثان بارزان جددا إثارة قلق العراقيين من عودة أجواء التوتر الطائفي والاجتماعي، وهما صدور قوائم جديدة لعقوبات «هيئة المساءلة» ضد رجال النظام السابق وتصاعد الشحن الطائفي بعد دعوة رجل دين شيعي إلى قتل العلمانيين.
فبعد أحاديث ودعوات لانطلاق المصالحة الوطنية في مرحلة ما بعد «داعش»، فجرت هيئة «المساءلة والعدالة «موجة غضب واعتراضات وتشكيك بمواقف الحكومة والقوى الشيعية تجاه هذه القضية، عندما أصدرت الهيئة المثيرة للجدل، قوائم جديدة بمصادرة ممتلكات آلاف من قيادات النظام السابق وحزب البعث وأقرباءهم وضباط الأجهزة الأمنية السابقة، وهو الإجراء الذي اعتبره المعترضون، يأتي استمرارا لعقلية الاقصاء والانتقام والظلم تجاه شريحة واسعة من الشعب العراقي دون سند قانوني أو دستوري وبما يخالف حقوق الإنسان.
ولم تصدر الانتقادات لقوائم هيئة المساءلة، التي تتزامن مع حمى الانتخابات القريبة من القوى السنية والشعبية فحسب، بل ان رئيس الوزراء حيدر العبادي أعلن، ان «قائمة المساءلة الأخيرة أظهرت عدم مراجعة حقيقة على الأرض، وان المساءلة والعدالة تتعامل بازدواجية في عملها»، بينما رفضت وزارة الداخلية، مصادرة أملاك ضباط مثل قائد شرطة الأنبار الأسبق اللواء احمد صداك الدليمي، الذي ورد اسمه في الــقــائمة، والذي اسـتشهد أثناء الحرب ضد «داعش».
وأحيت القوائم، دعوات إلغاء هيئة المساءلة التي أسسها الاحتلال الأمريكي، وتحويل ملف اجتثاث البعث إلى القضاء لمحاسبة من ارتكب جرائم وترك الآخرين يعيشون بشكل طبيعي اسوة ببقية المواطنين، لا ان تكون الهيئة سيفا للانتقام ونسف المصالحة الوطنية.
وفي شأن آخر، طالبت لجنة الثقافة والإعلام النيابية، المرجعية الدينية الشيعية بالرد على تصريحات الداعية عامر الكفيشي، ودعوته لاستباحة دماء المدنيين والليبراليين لمنعهم من الانتخابات، بينما رفع سياسيون وناشطون وحقوقيون، شكوى للقضاء العراقي، للتحرك إزاء تصريحات الكفيشي المقرب من حزب الدعوة، الذي دعا فيها الجمهور إلى مواجهة خطر العلمانيين، وهو ما اعتبره البعض «تحريضا للقتل». وهذه الدعوة تكرار لما طرحه مسؤول إيراني مؤخرا أثناء زيارته العراق.
وبالتزامن مع هذه التطورات وصل بغداد، وفد إيراني كبير برئاسة نائب الرئيس الإيراني اسحاق جيهانغيري وأجرى لقاءات مع مسؤولي الحكومة أسفرت عن التوقيع على 10 اتفاقيات جديدة لتوسيع العلاقات الاقتصادية بين البلدين في تحرك إيراني للحصول على المزيد من المشاريع والاستثمارات. علما ان إيران تحتل المركز الأول في حجم الصادرات للعراق التي بلغت عام 2017 أكثر من 6 مليارات دولار.
وفي الاتجاه الآخر، وفي ظاهرة لافتة، خرجت تظاهرة غاضبة من رجال الدين ومواطني كربلاء، أمام مبنى القنصلية الإيرانية في المدينة، احتجاجا على اعتقال المرجع الديني صادق الشيرازي (عراقي الاصل) ونجله، في مدينة قم الإيرانية، منددين بحكومة طهران ومطالبين الحكومة العراقية بالتدخل من أجل إطلاق سراحه، وذلك تزامنا مع اعلان الحزب الديمقراطي الكردي الإيراني المعارض عن اغتيال أحد كوادره في رانية التابعة للسليمانية، في ثاني عملية اغتيال لمعارضين إيرانيين خلال اسبوع، حيث سبق ان انفجرت عبوة ناسفة تحت سيارة عنصرين في المعارضة الإيرانية وسط أربيل، مما يشير إلى تصاعد نشاط المخابرات الإيرانية ضد معارضيهم في كردستان العراق.
أما عن الأزمة بين بغداد والإقليم، فقد تباينت المواقف، حيث وعد العبادي بإعادة فتح مطاري أربيل والسليمانية ودفع رواتب موظفي إقليم كردستان، قبل أعياد نوروز، في 21 آذار/مارس الجاري، مبينا ان الإجراء لم يكن عقوبة! بل هو ضرورة لإخضاع المطارات والمنافذ الحدودية للسلطات الاتحادية، وان سلطات الإقليم وافقت أخيرا على ذلك، إلا انه أكد ان صادرات النفط من الإقليم، تكفي لسد معظم نفقاته ورواتب موظفيه، وهو ما يعني اشتراط استلام بغداد عائدات نفط الشمال مقابل رواتب الموظفين.
وجاء اقرار ميزانية 2018 في البرلمان الاتحادي، رغم مقاطعة النواب الكرد، ليشكل سابقة أطاحت بمبدأ التوافق بين الكرد والشيعة، وليثير حملة انتقادات كردية بعدم التزام حكومة العبادي لأول مرة بالتوافقات السابقة في إدارة البلد. ودعت بعض القوى الكردية للانسحاب من العملية السياسية كلها، وهو أمر يصعب تحقيقه في الواقع، لأن الأحزاب الكردية ما زالت بعيدة عن الاتفاق على إجراءات ضد بغداد أو حتى على إدارة الإقليم.
واستغل رئيس الإقليم المستقيل، مسعود بارزاني، الذكرى 27 للتمرد الكردي ضد النظام السابق عام 1991 عــقــب حـــرب الكـويت، ليؤكد إن «ما حصل بعد اقرار الموازنة خرق واضح لمبادئ الشراكة والتوافق والتوازن ومبادئ الدستور واضطهاد مخطط له ضد شعب كردستان» داعيا الشعب الكردي إلى مقاومة «الحصار والضغوط و(الاحتلال)».
واعتبر النائب الكردي، مسعود حيدر، ان «ما يجري حاليا هو تشييع العراق»، منتقدا «ما يحصل من ظلم، بحق الكرد». وردت القوى الشيعية بتوجيه الاتهام إلى بعض القـيادات الكردية بالمسؤولية عن دعم جماعات مسلحة تهدد الأمن في بعض مناطق كركوك وديالى والموصل.