وأنا أشاهد حلقات مسلسل «بيت الورق» الإسباني، انتابتني هذه الفكرة الغريبة. مقارنة أحداث المسلسل بما يحدث، من تحولات من كل نوع، في بلدي الجزائر. مسلسل شاهده وأعجب به ملايين المتفرجين في العالم مثلي، رغم حداثة أنتاجه (2017). تدور أحداثه حول عملية سطو تقوم بها «عصابة « من خريجي السجون المحترفين، الذين يدربهم «البروفيسور» لشهور، تحضيرا لهذه العملية التي توقع ووجد الحلول للمشاكل التي يمكن أن تطرأ خلالها في أدق تفاصيلها، ما زاد في عملية تشويق المشاهد، طول مدة عرض حلقات المسلسل في سنته الأولى.
عملية أصر «البروفيسور « على أن تكون نظيفة ومن دون إسالة قطرة دم واحدة. عمل خلالها بذكاء للحصول على عطف وتفهم الرأي العام، ليكون في صف المهاجمين للمطبعة الرسمية للنقود. «البروفيسور» الذي وضع استراتيجية إعلامية تم فيها استعمال الرأي العام، وحتى بعض ضحايا الهجوم من عمال وموظفين للوقوف في صف المهاجمين أو البقاء على الحياد على الأقل، برشوة أعداد منهم واستمالتهم لصالح المهاجمين، مستعملا في ذلك ما هو معروف من أشكال إغراء كالجنس والمال وحالات نفسية، أكدتها عمليات احتجاز قديمة، على غرار متلازمة استكهولم، التي يتحول فيها الرهينة إلى متعاطف مع من احتجزه وأهانه طويلا، كما هو حاصل في عالمنا العربي. خارج بيت الورق الإسباني وبعيدا عن استديوهات التسجيل.
فقد توقع «البروفيسور « أن يثور ضده، مع الوقت، بعض العمال المحتجزين، فوضع استراتيجية تم على أساسها تقسيم الرهائن إلى موالين، يوعدون بالحصول على أرباح مالية من عملية السطو لاحقا، ومعارضين يعاقبون بحبسهم داخل مكان الاحتجاز نفسه، نكاية بهم على معارضتهم وعدم قبولهم بحالة الاحتجاز! بعد أن أقنع المهاجمين والمحتجزين وحتى مشاهدي المسلسل بأنه لا يقوم بالسرقة أو السطو على أموال غيره، فكل ما يقوم به هو طبع كمية من النقود، لا تعود ملكيتها لأي طرف، لمدة محدودة، ألا يقول مثلنا المشهور إن المال السايب يُعلم السرقة!
أحداث مسلسل أحالتني مباشرة إلى الوضع في الجزائر التي تعيش اتجاهات تاريخية ثقيلة، تشبه ما حصل في «بيت الورق» الإسبانية. يتمثل هذا الاتجاه في تحويل المال العام إلى مال خاص، بشتى الطرق والوسائل، القانوني منها والأقل قانونية، عملية تحويل تغطي على ما يحصل من نزاعات وصراعات بين الأطراف المتصارعة على السطو على هذا المال العام السايب، ملك البايلك.
عملية سطو على ملكية المال العام، وتحويله إلى ملكية خاصة، يستفيد منها الكثير بأشكال متفاوتة ومختلفة، رغم أن الاتجاه العام في السنوات الأخيرة، يخبرنا أن عدد المستفيدين قلّ مع الوقت، حتى لو زادت نسب استفادة البعض منهم، لتحولهم إلى ناهبين فعليين. عملية تاريخية تنتج في الواقع مجتمعا جديدا بعلاقاته الاجتماعية، وموازين قواه وصراعاته، التي يعرف الجميع كيف يبقيها في حدود مسيطر عليها حتى لا تفلت وتثير اهتمام من هم خارج بيت الورق. من غير المستفيدين من عملية التحويل هذه.
ما يحيلنا إلى الفكرة الأخرى التي نحاول الدفاع عنها في هذه الورقة، وهي عملية إعادة إنتاج المواقع الاجتماعية الجديدة التي يعيشها المجتمع الجزائري، المعتمدة أساسا كقاعدة لها على عملية التحويل هذه للمال العام إلى مال خاص، التي تفسر كما قلنا، كل أنواع الصراع السياسي التي نشاهدها يوميا على المباشر، ستؤدي كاتجاه عام إلى تغيير في أسس الدولة الوطنية ذاتها وخياراتها الأساسية التي عرفت بها حتى الآن، كبعدها الاجتماعي، الذي ميّز على الدوام عقائد جزء مهم من نخبها منذ مرحلة الحركة الوطنية، عبّرت عن نفسها في سياسات اجتماعية ما زالت جزئيا حاضرة لليوم منذ استقلال البلد.
هذا المال العام الذي لابد من الدخول إلى بيت الورق الجزائرية، التي تمثلها مؤسسات الدولة المختلفة للحصول عليه وتحويله من مال عام إلى مال خاص في حالة ريعية، يتماهى فيها الاقتصادي بالسياسي، فالمهم هو الدخول إلى بيت النقود وليس شكل الدخول الذي يتحول إلى متغير ثانوي جدا، بدأ الجميع في التساهل معه ومع شروطه الأخلاقية، كما يظهر ذلك في سلوكيات الدولة وهي تتعامل مع الفساد المستشري، وفي يوميات أفراد العائلة الجزائرية، التي تتعامل، على طريقة البنوك الجزائرية، مع أبنائها من الأغنياء الجدد وأصحاب النعمة الحديثة، فلا تسأل عن مصدر مالهم، ولا على طرق الحصول عليه. تعجب بهم وتتودد لهم بشتى الطرق،
رغم أننا لا نعرف بالضبط ماذا سيحصل للمجموعة المهاجمة لبيت المال الإسباني في المسلسل التلفزيوني، الذي لم ينته تصوير قسمه الثاني، إلا أننا يمكن أن نتوقع بشكل دقيق ما سيحصل للذين دخلوا بيت الورق الجزائري، وكيف ستكون سلوكياتهم معنا، بعد عملية انتهاء تحويل المال العام إلى مال خاص، كعملية سطو تاريخية. الأكيد أنهم سيؤكدون لنا ما يقولونه خلسة وبشكل متقطع هذه الأيام، إن مرحلة الدولة الاجتماعية انتهت، وإن عليكم أن تشمروا عن سواعدكم، لكي تتحولوا إلى عمال وأجراء عندنا، ندفع لكم أجوركم بالتقسيط في المناسبات الوطنية والدينية ومتى كان ذلك ممكنا، أنتم وابناؤكم الذين سنحولهم للتكوين المهني الذي يليق بهم وبمواقعكم الاجتماعية الجديدة. فالجامعة المجانية لم نعد نملك مالا لتمويلها، الحال نفسها بالنسبة للطب والسكن وغيرها من السياسات التي كانت حاضرة قبل دخولنا إلى بيت النقود التي أصبحت فارغة الآن.
«البروفيسور» في المسلسل الاسباني توقع ووجد الحلول لكل الطوارئ التي وقفت في طريقه وهو يقوم بالسطو على بيت الورق الإسباني، فهل سيكون حال من دخل بيت المال الجزائري الذكاء والتحكم نفسهما في الأحداث، أم أن الفرق الشاسع بين التمثيل والواقع، سيفرض نفسه ويحصل ما لم يكن في حسبان «البروفيسور الجزائري»؟
كاتب جزائري
ناصر جابي
انت فور يا استاد واصل بارك الله فيك انا شخصيا انتظر موضوعك على هده الجريدة بفارغ الصبر
لم تقل لنا كم كان سن ” البروفسور ” وكذلك حالته الصحية البدنية منها والإدراكية ( العقلية والمنطقية ) ، في المسلسل الإسباني «بيت الورق» ، الذي توقع ووجد الحلول لكل الطوارئ ، التي قد تعترض طريق عصابته الإجرامية ” من خريجي السجون المحترفين ” . أما سن ” البروفسور الجزائري ” فهو معروف كما هو معروف وضعه الصحي وعصابته من الموالين … ، وهذه المعرفة لا تبشر أبدا بالخير لا للجزائر ولا للجزائريين . لماذا ؟ لأن المثل الشعبي الجزائري يقول : ” اللي يحسب وحدو يفضلو ” . لقد حسب الكولون الفرنسي القديم كثيرا ، الذي نهب ولكنه أنتج ( هناك كولون جزائري جديد يتكون بالمال الفاسد … الذي لا ينتج إلا الفساد ) ، وحسب معهم كذلك القياد والباشغوات من عملاء الاحتلال والكولون … ، وحسب ضدهم الوطنيون ، فانتصر في الأخير الحق على الباطل ، لكن الجزائر ضيعت ومازالت أزيد من قرن ونصف من الزمن الثمين الغالي للأمم ، فالوقت من الذهب ، وهو كالسيف إن لم تقطعه قطعك .
رغم أننا لا نتمنى أن يكون هدف ” البروفسور ” في المسلسل الإسباني «بيت الورق» هو نفس هدف ” البروفسور ” الجزائري في مسلسل جزائر العزة والكرامة إلا أن خوفا كبير يسيطر علينا عندما نرى تطابق الخطوات والمشاهد في المسلسلين .