الاستسلام بلا شرط او العودة للخيار العسكري

حجم الخط
0

لقد أقنعني. اذا كان رئيس وزراء اسرائيل قد اتجه في خطبته الى الجمهور الاسرائيلي فقد نال غايته، بل إنه لا يمكن أن نقول إنه أقنع المقتنعين لأن خطبة نتنياهو أمس في الجمعية العمومية للامم المتحدة كان يمكن أن تقنع ايضا من لم يتشكل موقفهم تماما، والذين ميل قلوبهم وهواهم أن يروا في رسالة الرئيس الايراني المصالِحة بشرى تغيير.
بدا نتنياهو مُقنعا لأنه لم يُر يجهد نفسه لأول مرة. كان في خطبته صدق وجدية وعمق، وبدا مقنعا في كل كلمة قالها، ولم يحتج الى أية حيل دعائية أو رسوم أو تصاوير مبالغ فيها أو تصريحات مفرقعة.
بدا أمس صادقا. كان يمكن النظر إليه من دون أن نتلوى في المكان أو نشعر بحرج، أو أن نلاحظ عدم الدقة أو المبالغة أو القصص المختلقة، بل إن قصته عن جده الذي ضربه مُعادو السامية حتى أُغشي عليه قد جازت على نحو ما. أقال ترومبلدور ذات مرة ‘حسن الموت لأجل ارضنا’ وقال جد نتنياهو ‘أي عار، أي عار’. يمكن أن نحيا مع هذا.
كانت خطبة نتنياهو جيدة لأنها كانت معللة. فقد كانت دعاواه مصحوبة بحقائق واقتباسات، بحيث يجب في الحقيقة أن نغمض أعيننا ونسد آذاننا كي نعتقد أنها غير موجودة. وتحدث ايضا الى من يعتقدون أنه يجب اعطاء الدبلوماسية فرصة، لأنه لم يرفض هذه الامكانية، بل طلب أن يُفعل مع استمرار الضغط الاقتصادي على ايران. وماذا نفعل اذا لم يمكن الاستهانة بهذا الطلب: فهذه العقوبات التي يمكن بيقين أن يُنسب فضلها الى نتنياهو هي التي أفضت الى ما يبدو تغييرا استراتيجيا ايرانيا.
عرض نتنياهو أمس مطالبه الاربعة من ايران، التي معناها في الحقيقة واحد وهو النقض المطلق للبرنامج الذري الايراني، فلا توجد أية هوادة أو أي تسهيل أو أي صفقات جزئية. ولا يوجد أي مشروع ذري حتى ولا لحاجات مدنية. فكل شيء أو لا شيء. والاستسلام بلا شرط أو العودة الى الخيار العسكري، الذي اذا لم يجند العالم نفسه ليفعل ذلك فستفعل اسرائيل ذلك بنفسها.
وهنا نتحول الى مُتوخى نتنياهو الآخر بخطبته، أعني العالم. هل جازت الرسالة هناك ايضا؟ وهل اقتنع العالم؟ وهل اقتنع اوباما؟
في ذلك شك كبير، يُخيل إلي أن طلب الاستسلام بلا شروط لن يجوز على اوباما. فهو في شخصيته محامٍ ومُقرب بين وجهات النظر ورجل مصالحات. وهو بخلاف نتنياهو يؤمن بأنه حدث تغيير في روحاني وينوي أن يعطي ذلك أملا. ورغم وعوده لنتنياهو وتصريحاته المطمئنة بعد حديثهما أول أمس، قد يتجه الى مطالب أكثر مرونة من ايران، من تلك التي يعرضها رئيس الوزراء. فقد شبع اوباما مثل سائر العالم الذي شاهد نتنياهو أمس من الحروب، وهو يدير ظهره للمواجهات المسلحة ويختار الخيار الدبلوماسي، حيث أمكن ذلك.
حتى لو وقف أمس على منصة الجمعية العمومية للامم المتحدة شخص فصيح الكلام معلل ومتسق الكلام، فانه لم يكن من الممكن ألا نرى عزلته وعزلتنا.
كان يمكن أن نرى أهمية المشكلة الذرية في ايران بالنسبة لنتنياهو، في الوقت الذي خصصه من خطبته لهذا الشأن، قياسا بالوقت الذي خصصه للشأن الفلسطيني. فقد رمى نتنياهو في نهاية كلامه بعدد من الجمل الغامضة تتعلق بمسيرة السلام، وكأنما كان ذلك لابراء الذمة وكي لا يقولوا إنه تجاهل الامر تماما: فهو مستعد للسلام لكنه يطلب اعترافا بدولة اسرائيل بأنها دولة يهودية. وهو مستعد لمصالحة تاريخية لكنه لن يهادن في الأمن. ولم يكن أي شيء يتجاوز ما قيل عشرات المرات في عشرات الفرص. والرسالة التي صدرت عن ذلك هي أن نتنياهو سيفعل كل شيء، كل شيء كي لا يكون لايران سلاح ذري، لكنه لن يخرج عن طوره كي يكون للفلسطينيين دولة.
وبقي الآن أن نرى ما الذي سيأتي أولا: القنبلة الذرية في ايران أم اتفاق السلام مع الفلسطينيين. وأخشى أن يكون جواب ذلك واضحا.

يديعوت 2/10/2013

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية