المنطق البسيط يتيح تقسيم المواطن المصري، في موقفه من الانتخابات الرئاسية المقبلة، إلى ثلاث فئات؛ ليس طبقاً لاعتبارات سياسية أو اجتماعية أو إيديولوجية، كما يقتضي الإجراء الطبيعي في سياقات مثل هذه، بل استناداً إلى ثلاثة منعكسات لأمر واقع واحد؛ جوهره أنّ عبد الفتاح السيسي آتٍ لولاية ثانية، لا محالة.
الفئة الأولى تمثّل ذلك المواطن الذي يذهب إلى صندوق الاقتراع وهو ما يزال يردد «تسلم الأيادي»، الأغنية إياها التي حوّلت السيسي إلى منقذ من براثن جماعة «الإخوان المسلمين» وحكم محمد مرسي. وهذا مواطن قد تبدأ دوافعه الأبسط من الولع المطلق، العفوي أو الغامض أو الهستيري، بشخص المشير الذي خرجت الملايين لتمنحه تفويضاً بالانقلاب، ثم توّجته رئيساً في «انتخابات» مسرحية خلطت بين المهزلة والمأساة. وهذا مواطن سوف ينتخب السيسي، ولا بديل عنده سواه؛ حتى بافتراض أنّ أمثال سامي عنان أو عبد المنعم أبو الفتوح أو خالد علي كانوا على لائحة المرشحين الخصوم.
في الفئة الثانية يندرج المواطن الذي يبغض السيسي حالياً لأسباب طرأت بعد الانقلاب، وكان قبلئذ قد أحبّه وتظاهر تأييداً له؛ أو كان يبغضه طوال الوقت لأسباب مبدئية لا صلة تجمعها بالآني والطارئ، تخصّ رفض فكرة الانقلاب أو حكم العسكر إجمالاً. وهذا مواطن قرّر التوجّه بالفعل إلى صندوق الاقتراع ليس لكي ينتخب السيسي، بل لكي يضع ورقة بيضاء أو باطلة؛ أو، في احتمال واهٍ وعلى سبيل معاقبة السيسي، أن ينتخب المرشح الآخر الوحيد موسى مصطفى موسى، الملقّب بـ»الكومبارس» ليس دون أسباب وجيهة. وهذا مواطن يتوهم حرث المياه، في أوّل المطاف ونهايته، لأنّ السيسي قادم حكماً، بالضربة القاضية؛ ومسرحية «الانتخاب» في هذه الدورة تتجاوز خليط المهزلة والمأساة، إلى المسخرة المعلَنة وخشبة الممثل الواحد!
المواطن من الفئة الثالثة هو ذاك الذي سوف يلزم داره ويقاطع صندوق الاقتراع، إمّا استجابة لنوازع ضميرية، أو خضوعاً لدافع السخط والاحتجاج (والأوضاع المعيشية، والاقتصاد المصري، والمشاريع الخرافية الوهمية، وتيران وصنافير… تزوّده بأكثر من دافع للمقاطعة)؛ إذا استبعد المرء احتمال أن يكون قرار هذا المواطن بمثابة تلبية لدعوات ما يُسمّى «المعارضة». أبناء هذه الفئة لن يقدّموا كثيراً، أو يؤخروا في الواقع، لأنّ قانون الانتخاب ذاته لا يطعن في شرعية الفائز بموجب معدّلات الإقبال على التصويت، أوّلاً؛ ولأنّ الحراك الراهن حول المقاطعة لا يتمتع، ثانياً، بأية ديناميكة قيادية طليعية، أو ذات مصداقية، في الشارع الشعبي.
في غضون هذا كلّه، تدفع «المعارضة» ـ التي كانت ذات يوم وطنية، ناصرية، ديمقراطية، ليبرالية، مدنية، علمانية… ـ ثمناً سياسياً وأخلاقياً باهظاً لقاء قصور نظرها الفادح في إدراك طبيعة انقلاب السيسي، بادئ ذي بدء؛ ثمّ الافتقار، تالياً، إلى عمق الحدّ الأدنى في التمييز بين معارضة مشاريع «الإخوان المسلمين» سلمياً وديمقراطياً، وبين التهليل لانقلاب عسكري لا يطيح بالجماعة فحسب، بل يُسقط الرئيس الوحيد المنتخب شرعياً في تاريخ مصر بأسره، على علاته وأخطائه ومخاطره بالطبع؛ كما يُسلم مصر مجدداً إلى حكم العسكر، والاستبداد والفساد والتجويع والترهيب، على نحو هيهات أن تجوز مقارنته بعهود عسكر رؤساء سابقين.
وإذا كان الأكثر طرافة في مشهد الانتخابات الرئاسية الراهنة هو المعادلة المضحكة لطراز جديد من الجماعات، «الأشرار» عند السيسي و»الكومبارس» عند مصطفى موسى؛ فإنّ الأشدّ خطورة هو طبائع الغليان العاصف في قلب الشارع الشعبي، حول مسائل أكثر مساساً بالحياة اليومية للمواطن، والعملة الوطنية التي تنحدر من هوّة إلى أخرى كلّ يوم، وخطّ الفقر الذي يهبط إليه أكثر من 28٪ من أبناء مصر. هذه فئة الجياع، غنيّ عن القول، ولا يُنتظر منها أن تصبر طويلاً قبل أن تخرج إلى العراء، شاهرة ما ملكت الأيدي من سلاح!
صبحي حديدي
مرة اخرى نرى بهدلة انتخابية وهي من المهازل الكثيرة التي نعيشها في الوطن العربي ، هذه المرة عنوانها مصر و اسمها انتخابات رئاسية حرة و نزيهة اما بطلها فهو زعيم مصر الاوحد السيسي الذي قال لشعبه ( ما اريكم الا ما ارى) .