الرأي العام الفلسطيني والاسرائيلي هما اللذان سيحسمان مواقف السياسيين لديهما نحو التسوية المعتدلة المقبولة علي الجانبين
الرأي العام الفلسطيني والاسرائيلي هما اللذان سيحسمان مواقف السياسيين لديهما نحو التسوية المعتدلة المقبولة علي الجانبين كيف حدث أن قام الخارجون عن الليكود المسمون كديما وقادة حزب العمل باخراج الشريك الفلسطيني من القمقم، بل وأخذوا يتحدثون بصوت مسموع عن تقسيم القدس عشية الانتخابات الاسرائيلية القادمة تحديدا؟ هل أدرك شارون هكذا بكل بساطة بعد 38 سنة من الاحتلال أن السيطرة علي شعب اجنبي بالقوة غير ممكنة، وتعلم كيف يقرأ العداد الديمغرافي؟.في الايام العادية ايضا يقوم السياسيون بفحص درجة حرارة المياه قبل القفز اليها صفا واحدا. هذا ناهيك عن تصادف ذلك مع الموسم الانتخابي. من الممكن أن نفترض أنهم لو قدّروا أن ناخبيهم يتأثرون من شعارات علي شاكلة اولمرت/ بيرتس سيُقسم القدس ، لقاموا بنفض الغبار عن الشعار التكراري عاصمة اسرائيل الي أبد الآبدين .بطريقة طبيعية يأخذ كل حزب منطقته الانتخابية بالحسبان. الليكود يحذر من الدوس علي ثآليل المستوطنين ونقاطهم الموجعة، والعمل يسعي لعدم إغاظة النقابات العمالية، وميرتس ستحرص علي الحفاظ علي مصالح الكيبوتسات، ولكن كديما وحدها متحررة من رهبة القطاعات السياسية أو الاقتصادية. الحزب أكبر وأكثر حداثة من أن يعبر عن مصالح قديمة ضيقة، الخليط الانساني وغياب المؤسسات والانتخابات الداخلية التمهيدية والاماكن المضمونة المستقطعة في القائمة تحوّل الرأي العام الاسرائيلي كله الي قطاع خاص لكديما.دوف فايسغلاس، المقرب من مؤسس الحزب، قال في مقابلة أُجريت معه في هآرتس في تشرين الاول (اكتوبر) 2004 بأن الرأي العام كان أحد العوامل المركزية التي دفعت شارون الي الانسحاب من غزة. ومن هناك أصبح الطريق نحو الخروج من الليكود مُشرعا. فايسغلاس استذكر مبادرة جنيف ورسائل الضباط والطيارين الرافضين للأوامر. هؤلاء لم يكونوا شبانا غريبي الأطوار مع خصلة شعر خضراء وقرط في الأنف ورائحة الغراس والمخدرات تفوح منهم ، قال المستشار، هؤلاء كانوا اشخاصا مثل مجموعة سبكتور من خيرة شبان هذه البلاد .بكلمات اخري شارون توصل الي استنتاج بأن معارضة تكريس الاحتلال ودعم المبادرات السياسية تتفشي خارج دائرة اليسار المقلصة. هو شخص زحزحه الجمهور الي دوائر اعتبرت قبل سنوات غير بعيدة محمية طبيعية لـ السلام الآن . بدلا من السباحة ضد التيار المركزي، كما تصرف شارون في حرب لبنان، يبدو وكأن شارون هو الذي انضم اليها. شارون تنازل عن معارضته لتفكيك مستوطنات واقامة الجدار الفاصل. كديما تقطف الآن ثمار هذه الخطوات وحفاظها علي هذا الخير الوفير الذي سقط في أذرعها جزئيا يُجبرها علي رعاية وري أماكن هائلة واسعة في الخارطة السياسية.الجمهور العريض من ناخبي كديما سيجد في السنوات القادمة فرصة فريدة للتأثير علي الحكومة. مجموعة من الاستطلاعات تظهر أن هذا الجمهور الذي يحب اعتبار نفسه وسطا سياسيا موجود في الواقع في قلب قلب اليسار. اغلبية الاسرائيليين يؤيدون استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين علي أساس الدولتين حول الخط الاخضر تقريبا، وتقسيم القدس وحل مشكلة اللاجئين خارج اطار حق العودة. الخوف من احزاب اليسار الصهيوني واندفاعهم نحو كديما ليس نابعا من تحفظ من التسوية علي صورة مشروع كلينتون أو مبادرة جنيف وانما من عدم الثقة بالشريك الفلسطيني.ظاهرة مشابهة يمكن أن نجدها في الرأي العام لدي الجيران. 80 في المئة تقريبا من الفلسطينيين في المناطق يؤيدون استئناف المفاوضات حول التسوية الدائمة، و58 في المئة مستعدون لأن يكون ذلك علي أساس مباديء جنيف. حتي أتباع حماس الذين يعتبرون التوقيع علي اوسلو اسوأ من أكل لحم الخنزير بالنسبة لهم، لم يتمكنوا من السباحة ضد هذا التيار، وهم يكافحون للحصول علي مواقع في البرلمان الذي تشكل بناء علي اوسلو. في حماس وفي اليمين الاسرائيلي ايضا يعولون علي قيام الطرف الآخر بالأمر المطلوب الذي يؤكد ادعاءهم بعدم وجود الشريك.برامج الاحزاب الريادية في اسرائيل والمناطق هي شهادة امتياز للرأي العام الاسرائيلي والفلسطيني. هي الشعلة التي تسير أمام الطليعة وفي نهاية المطاف سيفرض علي السياسيين القرارات الصحيحة المطلوبة. خسارة علي كل رجل وامرأة في هذا الجمهور الذين سيسقطون علي الطريق.عكيفا الدارالمراسل السياسي للصحيفة(هآرتس) 23/1/2006