دمشق- رنا جاموس ومحمد مستو: بجسد منحنٍ، يمر محمود الخطيب (أبو مازن) على حطام منزله المدمر، في بلدة كفر بطنا بمنطقة الغوطة الشرقية في محافظة ريف دمشق.
“أبو مازن” (70 عاما)، جد لخمسة أطفال أيتام، وهو دمشقي الأصل يعيش، منذ أكثر من عشرين عاما، في الغوطة الشرقية، ولم يتبق في منزله المدمر إلا هو وزوجته وابنته وأبنائها الأيتام.
وللمسن السوري ولدان غادرا سوريا، منذ عام 2012، بعد أن دمرت الحرب، الدائرة منذ 2011، أحلامها.
أحدهما كان مهندس ميكانيك يعمل في صيانة الطائرات، وهما الآن يعيشان في الأردن، الجارة الجنوبية لسوريا.
ومنذ أسابيع تتعرض الغوطة الشرقية، آخر معقل رئيسي للمعارضة قرب دمشق، لحملة عسكرية هي الأشرس من جانب النظام السوري وداعميه؛ ما أدى إلى مقتل وجرح مئات المدنيين، بينهم أطفال ونساء.
ولم يترك طيران النظام الزوجين المسنين وأحفادهما الأيتام بحالهم، بل قصف منزلهم بصواريخ، قبل نحو عشرة أيام، فحوله إلى أنقاض.
** ذكريات بين الركام
بجسد متهالك، يدخل “أبو مازن” إلى منزله المدمر.. لا نوافذ، لا جدران، لا سقف، ولا أثاث، بعد أن قصفه النظام السوري وحلفاؤه.
يحاول أن يلملم بعض الذكريات هنا، وأشياء تذكره بأبنائه هناك.. يبدأ من غرفة النوم، يرفع أحجاراً وركاماً بيدين ترتجفان، ويحاول أن يحمل معه قبل الخروج من المنزل تاريخاً لشبابه وأطفاله، الذين أصبحوا شبابا.
يجد صورة لكلاهما، فيترك كل شيء، ويجلس على ركام الغرفة يتأمل الصورة، وكأنها أعادت إلى ذهنه سعادة الماضي، الذي غابت عن منزله وعن كل منازل الغوطة الشرقية، التي يعيش فيها نحو 400 ألف شخص، تحاصرهم قوات النظام منذ 2012.
** تركونا هنا
يعود المسن السوري ليتأمل صورة ولديه، وبين صمت عينيه وهدوء تعابيره يخفي آلاما ودموعا كثيرة على حاله وما حل بالغوطة الشرقية، رغم أنها ضمن مناطق “خفض التوتر”، التي تم الاتفاق عليها في مياحثات أستانة، عام 2017.
بصوت يرتجف يقول “أبو مازن” للأناضول: “سافروا وتركوني هنا وحيداً منذ ست سنوات، أربي أولاد ابنتي الأيتام، بعد أن استشهد والدهم، إحداهنّ معاقة.. أعاني وحيداً هنا أنا وهؤلاء الأيتام الخمسة”.
يعود ليلملم ذكرياته، ويضع الصور التي وجدها بين الركام جانبا، ليحملها معه إلى مسكنه الجديد، ثم يجد بعض الدفاتر، التي قد تكون الشيء الوحيد الذي بقي من رائحة أبنائه بعد سفرهم.
ينتقل “أبو مازن” وأحفاده الأيتام إلى ما كان مطبخا تحول إلى كومة من الخرداوات، فقدور الطعام والصحون على الأرض أضحت بلون الركام.
يخرج الرجل المسن، وهو يطلب من أحفاده أخذ بعض الأشياء، وينهي حديثه الحزين: “لقد قصفنا الطيران بينما كنا نأخذ بعض الحاجيات من المنزل، بعد أن انتقلنا لنسكن في القبو، أسفل الدرج السفلي هرباً من القصف، والحمد لله لم نصب”.
ولا يبدو أن مأساة “أبو مازن” ستتوقف عند هذا الحد، فلا يزال النظام يقصف الغوطة الشرقية، في تحد لقرار أصدره مجلس الأمن الدولي بالإجماع، في 24 فبراير/ شباط الماضي، ويطالب بوقف فوري لإطلاق النار لمدة 30 يوماً، ورفع الحصار. (الأناضول)