تونس – «القدس العربي» : ساد انقسام حاد داخل البرلمان التونسي بين فريق مطالب باستقالة رئيس البرلمان محمد الناصر، وآخر يشترط استقالة رئيسة هيئة «الحقيقة والكرامة» سهام بن سدرين قبل الموافقة على التمديد للهيئة، حيث لجأ رئيس البرلمان للاستعانة بصلاحياته التي يخوّلها له القانون مهدداً بطرد أي نائب يستهدفه أو «يسيء» له، وهو ما دعا عدد من نواب حركة «النهضة» والمعارضة إلى مطالبته بمنح مكانه لأحد نوابه بعد اتهامه بالانحياز لطرف حزب نداء تونس و«ملحقاته» الرافضين أساسا التمديد للهيئة، كما ذكّر نواب المعارضة بقانون «العدالة الانتقالية» والذي يمنح الهيئة وحدها صلاحية تمديد عملها بعد «استشارة» البرلمان الذي لا يملك سلطة رفض التمديد لها، فيما أكدت إحدى النواب أن الأمن الرئاسي حاضر في الجلسة تلافيا لخروج الأمور عن مسارها، فيما حذر أحد النواب من حدوث «صدام في الشوارع» في حال عدم استقالة بن سدرين من منصبها.
وخلال جلسة جديدة مخصصة لمناقشة تمديد عمل هيئة «الحقيقة والكرامة»، دخل رئيس البرلمان محمد الناصر في مشادّة كلامية مع عدد من النواب، حيث اتهم غازي الشوّاشي النائب عن حزب «التيار الديمقراطي» (الكتلة الديمقراطية) الناصر بعدم احترام قرارات البرلمان وبتصفية «حسابات شخصية» مع بعض النواب، مشيراً إلى أن الشعب لم ينتخب الناصر رئيسا للمجلس، وإنما تم انتخابه من قبل زملائه من الغالبية الحاكمة. فيما طلب عماد الدائمي النائب عن حزب «حراك تونس الإرادة» (الكتلة الديمقراطية) من رئيس البرلمان التخلي عن رئاسة الجلسة «لأنه معني بملف العدالة الانتقالية»، وهو ما دفع الناصر إلى قطع مداخلته، ودعوته إلى الاتصال به خارج الجلسة العامة لمناقشة هذا الأمر.
وكان الشواشي أكد أنه «بصدد التشاور مع مجموعة من النواب من مختلف الكتل لإمضاء عريضة لسحب الثقة من السيد محمد الناصر لفقدانه الشرعية والمشروعية لرئاسة مجلس نواب الشعب».
واتهمت جميلة كسيكسي النائب عن كتلة «النهضة» رئيس البرلمان بالتصرف «بطريقة فردية» في ما يتعلق بملف التمديد لهيئة الحقيقة والكرامة، مشيرة إلى أن هذا الموضوع يحتاج إلى توافقات بين رؤساء الكتل البرلمانية. فيما اعتبرت زميلتها عن نفس الكتلة مُنية إبراهيم أن محمد الناصر «غير مؤهّل» لرئاسة الجلسة بسبب «تضارب المصالح» وطالبت الناصر بمنح مكانه لأحد نوابه، وهو ما دفع الناصر إلى قطع كلمتها معتبراً أن ما قالته هو خارج إطار موضوع الجلسة، كما أكد الناصر عدم وجود أي ملف يتعلق به في موضوع العدالة الانتقالية، وأضاف مخاطبا منية إبراهيم «أنا انظف منك ومن مَن تعرفينهم».
وكانت الجلسة انطلقت من دون تسجيل للحضور، ما أثار احتجاج نواب المعارضة، حيث طالب عدد من نواب الكتلة الديمقراطية بنقاط النظام وهو ما تسبب بحالة من الفوضى، مما اضطر الناصر للجوء إلى «صلاحياته»، مهدداً بطرد كل من لا يحترم البرلمان والجلسة.
ويمنح النظام الداخلي للبرلمان (الفصل 48) صلاحيات واسعة لرئيس المجلس، من بينها «اتخاذ التدابير اللازمة لحفظ النظام والأمن داخل المجلس وحوله» وهو ما يخوّله عمليا طرد أي نائب يرى أنه يهدد الأمن داخل البرلمان.
ويبدو أن الناصر طلب حضور «الأمن الرئاسي» الجلسة المخصصة لمناقشة قرار تمديد عمل هيئة «الحقيقة والكرامة» تلافياً لوقوع أي حدث مفاجىء وخاصة في ظل حالة التشنج بين النواب، وخاصة بعد تهديد نائب بـ»تفجير نفسه» في البرلمان، وهو ما أكدته هالة عمران النائب عن حزب «نداء تونس».
من جانب آخر، هاجمت هالة بالشيخ أحمد النائب عن كتلة «آفاق تونس» (ائتلاف حاكم) رئيسة هيئة «الحقيقة والكرامة» سهام بن سدرين، واتهمتها بـ»تقسيم الشعب التونسي واستغلال الضحايا ومأساتهم لخدمة أجندات مشبوهة»، مضيفة «يجب أن تدفعين للشعب تعويضا عن الوقت الذي تمت اضاعته والخسائر المادية والمعنوية التي لحقتنا جراء عدالتك الانتقالية»، كما دعتها للاستقالة.
ووصفت بالشيخ أحمد هيئة الحقيقة والكرامة بـ»الصندوق الأسود»، مشيرة إلى أن رئيستها «متعالية عن القانون ومؤسسات الدولة وفوق المحاسبة»، متسائلة عن سبب استعانة الهيئة بأشخاص «غير متصالحين مع أنفسهم لكتابة تاريخ تونس وتفصيل الأحداث على مقاسهم».
فيما دعا سفيان طوبال رئيس كتلة «نداء تونس» رئيسة هيئة «الحقيقة والكرامة» إلى الاستقالة، مشيراً إلى أنها «تمثل عثرة أمام مسار العدالة الانتقالية»، وتعهد بتصويت الكتلة لصالح قرار التمديد للهيئة في حال استقالة سهام بن سدرين التي قال إنها «تعطّل» مسار العدالة الانتقاية في البلاد.
كما طالب مصطفى بن أحمد رئيس «الكتلة الوطنية» سهام بن سدرين إلى الاستقالة من منصبها «تفادياً للتصعيد الذي قد يتحول إلى صدامات في الشوارع».
فيما أكد سالم الأبيض النائب عن الكتلة «الديمقراطية» أن قانون العدالة الانتقاية يؤكد أن موضوع تمديد عمل هيئة «الحقيقة والكرامة» تقرره الهيئة نفسها وهو ليس من صلاحيات البرلمان، مضيفاً: «الدولة في حالة الضعف التي تعانيها، لا يمكنها إيقاف أعمال هيئة الحقيقة والكرامة وتنفيذ قرار مجلس نواب الشعب في حال عدم تصويته لصالح قرار التمديد لعمل الهيئة»، محذراً من محاولة الدولة اللجوء إلى «القوة» لإغلاق مقر الهيئة.
وانتقدت سهام بن سدرين رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة الانتقادات التي طاولتها شخصيا، مشيرة إلى أنها حاضرة في البرلمان بصفتها ممثلة للدولة التونسية وللمرفق العام، مضيفة: «كل من مس اليوم بالهيئة فقد أهان الدولة».
وتابعت «لن أجيب على الإساءات التي مست شخصي وسأكتفي بالقول إذا اتتك مذمتي من ناقص فتلك الشهادة بأني كامل»، مذكّرة بأن البرلمان لم يستجب لطلب الهيئة سد الشغور في أعضائها و»مجلس الهيئة رأى استحالة استكمال أشغالها في أيار/مايو المُقبل، وقد تم اتخاذ القرار بالتمديد بسنة من دون طلب أي ميزانية تكميلية»، مشيرة إلى أن «قرار الهيئة ملزِم بالنص القانوني، والهيئة تلتزم بجبر الضرر وإقرار المصالحة».
وكان عدد من المحتجين تظاهروا أمام مبنى البرلمان بدعوة من حزب «حراك تونس الإرادة»، للتعبير عن تأييدهم لقرار التمديد في عمل هيئة الحقيقة والكرامة، حيث انتقد القيادي في الحزب طارق الكحلاوي «محاولة المنتمين إلى المنظومة القديمة قطع الطريق أمام الهيئة عبر البرلمان وتحويل موقفهم من العدالة الانتقالية إلى خلاف مع رئيسة الهيئة سهام بن سدرين».
حسن سلمان: