كنت أعتقد منذ أربعين سنة ونيف، أن السوداني الإنسان الهادئ، ينادي زميله الهادئ المطيع (يا زول)، لانه واثقٌ من زواله دون الحاجة للإزالة! وإعتقادي اليوم على خانة القتلى في السودان الشقيقة، والتي إتسعت رقعتها في خمسة أيام من قتيل واحد لتدخل خانة الآحاد، ثم العشرات، ثم ان آخر إحصائية مائة وثمانون قتيلا.
ليه كيدا يازول؟ لا أعتقد انها مجرد مسألة القمح والمحروقات والدعم الحكومي، الذي كان يكلف الدولة سنويا اكثر من خمسة مليارات، وكان طبيعياً وواضحاً ان إنفصال الجنوب سيُدخل الشمال في عنق الزجاجة ليصل التضخم الى 40 ‘ فتتراجع العملة، بعد فقد 75 ‘ من عائدات النفط.
كان منطقيا جدا.. لكن ما لم يكن منطقيا ما حاججت به الحكومة بان الدعم كان يذهب للأغنياء لا الفقراء، لأن الأغنياء المستفيدين من إستراتيجيات الدول والأقاليم والقارات معدودون باقل من عدد الأصابع اليد الواحدة، الكل يعرفه او يعرفهما (ولاحاجة لصيغة الجمع!).. وإنما المشكلة هي مشكلة الفقراء المُعدمون وهم بالملايين، وان توجيه الخطب البلاغية الرنانة إليهم لم تعد تنفع، كما لم تنفع القذافي وهو يهددهم (من أنتم) ولم تنفع زين العابدين وهو يلاطفهم (لقد فهمتكم الان).
أولى بهذه المسيرات المليونية أن لا نتجاهلهم او نصدهم ونقمعهم، وان لا نهددهم ولا نستهزئ بهم ولا نستهين بهم. بل نجالسهم على مائدة المفاهمة من نوع جديد، والمفاهمة الجديدة تعني العامل السوداني والفلاح السوداني، لا الوزير السوداني ولا عضو البرلمان.. إن سودان الزرع والرّي، ليس بحاجة الى الدعم للقمح؟ وهل ترى ان العيب كل العيب في الحكومة السودانية رغم ان الأراض الخصبة تشكل 99 ‘ من البلاد لكن من المعروف ان الشعب كسول ربما لاسباب مناخية!
من قرأ إحصائيات منظمة الفاو الزراعية للأمم المتحدة عن الإنتاج الزراعي الأوروبي بالمقارنة بالإفريقي، يجد ان ما ينتجه أربعون فلاحا سودانيا قد ينتجه فلاح واحد في سويسرا أو أستراليا!
هل العيب هنا في الحكومة السودانية او شخصية البشير مثلا؟ أم ان الفلاح السوداني لم يعد ذلك الذي كان يبدأ عمله في الحقل قبل طلوع الشمس ولا يتركه قبل حلول الغروب، ذلك الفلاح يفوق العشرة من فلاحي اليوم، يأتون للمزارع بعد العاشرة صباحاً، ثم يذهب ليشتري سيجارة مالبورو، والثاني ليجلب علبة مازامانجو، وثالث الى أقرب مقهى بتلفاز لمشاهدة لقطة ركلة جزاء لمباراة وراجع.. وتمام الثانية عشرة ظهراً يتوقفوا لوقفة شاي الإنجليزي، ثم يستأنفوا العمل بعد نصف ساعة، ونبضات قلوبهم تحسب الدقائق لوقت الغداء، والغداء بسيط جداً لكنه يستغرق ساعتين ونصف الساعة، ثم يعودوا للعمل متهيأين للتوقف عن العمل تمام الرابعة لإستراحة ضربة شمس، ولا أحد يدري متى الرابعة بالضبط، لان الكل بدون ساعة يد، الا ان استراحة ضربة شمس لا تفوتهم وهم يحسبون مسيرة الشمس اين وصلت وسط السماء فحصلت الربعة عصرا!
أليس من المستحسن لسودان القمح والزراعة الكفيلة بإطعام ربع سكان كوكب الأرض من محاصيل القمح، أن لا يترك الفلاح الغريق في الفضول يلعب بالمسدسات والكلاشنكوفات بدل ان تعطيه آخر موديلات المسحاة والشيول والمحراث ومن الأدوات بما في يد الفلاح بأستراليا وسويسرا!؟
أحمد إبراهيم دبي
[email protected]
الشعب أفرز من يستبد به وهو يستحسن الظلم الواقع عليه بتعظيم سيده.
ماذا هذا
اصبحتم بارعين في الدفاع عن اولي الامر
هل فكرت حضرتك بمستوى التكنولوجيا التي يستعمل الفلاح السوداني و نظيره الاوروبي من اليات و سماد و بذور حديثة
الفرق شاسع يا سيدي
و الفلاح الاوروبي لا يقضي عشر الوقت في الحقل
اما ايرادات النفط فتذهب لشراء الاسلحة للدفاع عن نظام صديقك من شعبه طبعا
سيدي الكريم كا العالم العربي يعاني مما تقول فلا يمكن حصر المشكلة في السودان فقط فكل من مصر و الجزائر و المغرب و تونس تستورد سنويا ملايين الاطنان من القمح لسد حاجيات شعوبها في المنطقة
ان الامر يتجاوز كل ذلك ليصبح مشكلة امة فلا تراك تجد من الدول العربية من اقفلت ميزانية الاستيراد دون ان تجد فيها الكثير من الغذاء و كاننا لا نملك ارض
كيف تفسر اخي الكريم ان الفلاح او المزارع في الجزائرو المغرب و تونس و مصر لم يستطع لحد الان ان يصل الى مستوى الاكتفاء الذاتي في هذه المواد على اهميتها الاستراتيجية
اظن الامر يتعلق بالسياسة العامة و اقصد السياسة الفلاحية التي لا تراعي خصوصيات كل منطقة من عالمنا العربي فلو عملنا على ان نكامل من العراق شرقا الى السودان جنوبا الى موريتانيا غربا لما وجد لنا اخوة يقتاتون على المساعدات