عمان ـ «القدس العربي» ـ بسام البدارين: في التعبير اللغوي لـ 16 عضوا في البرلمان الأردني تم التعامل مع مسألة أراضي الباقورة والغمر انطلاقا من عبارة قال النواب فيها رسميا: «الوضع حساس وحرج».
لكن في مقايسات ومقاربات الحكومة قد لا يبدو الوضع حساسا أو محرجا للدرجة التي يتحدث عنها النواب الموقعون على مذكرة تحاول إعادة النقاش إلى المربع الأول في مسألة يراها جميع الأردنيين أصلا محرجة وحساسة، لا بل مباغتة ومقلقة باستثناء الحكومة التي تتعامل معهـا باعتبارها مسألة قانونية وبيروقراطية قد لا تكون من بين الأولويات.
وعبر مجلس النواب الأردني بسرعة قبل نحو ثلاثة أسابيع على ملف أراضي الباقورة المؤجرة لإسرائيل. لكن ذاكرة الرأي العام والشارع مصرة على ترسيم موقف بسقف مرتفع تجاه حساسية هذه القضية في الوقت الذي تجتهد فيه الحكومة لوضعها على رف الأحداث وعدم تسليط الأضواء عليها.
16 نائبا وقعوا منتصف الأسبوع لماضي مذكرة تطالب بعقد جلسة نقاشية حول ملف الباقورة والغمر وعلى أساس ان الوضع خطر وحساس.
المذكرة صيغت بحرص شديد وبخلفية قانونية مدروسة وبمبادرة من عضو البرلمان المخضرم خليل عطية وعلى أساس ان ممثلي الشعب لديهم الحق المطلق في مناقشة السلطة التنفيذية والبحث عن إيضاحات.
لافت جدا في نص المذكرة فقرتها الأخيرة، والتي تطالب بعقد الجلسة النقاشية وتوضح الأسباب والموجبات على أساس خلاصة في موقف مكشوف يتمثل في ان واجب الحكومة الأردنية يقتضي على الأقل من وجهة نظر النواب الموقعين على المذكرة إبلاغ إسرائيل رسميا ان فترة تأجير أراضي الباقورة والغمر انتهت بمرور 25 عاما أو شارفت على الانتهاء وعلى أساس ان الشعب الأردني يريد إعادة سيادته على الأراضي المؤجرة وبالتالي فالموقف الذي يقبله النواب ببساطة هو استخدام حكومة الأردن حقها في وقف عملية التأجير وعدم تجديدها.
تلك محاكاة ذكية تحاول مسبقا وضع قيود على الموقف الرسمي الوحيد الذي اتخذته الحكومة بلسان وزير الخارجية ايمن الصفدي، عندما أعلن أمام البرلمان أيضا ان السيادة للأردن على الأراضي المؤجرة لإسرائيل وان تمديد فترة التأجير مجددا أو عدم تمديدها هو أيضا قرار سيادي أردني سيتخذ بناء على المصالح العليا للدولة.
الإيحاء من جهة الصفدي واضح هنا بأن المصالح العليا للدولة الأردنية قد تكون عبارة توحي ان عقد التأجير الذي شارف على الانتهاء لإسرائيل قد يخضع للتمديد.
لا يريد 16 نائبا ذلك، ويقولون مسبقا ان الموقف الوحيد المقبول من الحكومة هو عدم تجديد التأجير وعلى أساس، أولا ان فترة التأجير لـ 25 عاما انتهت، وان القانون الدولي لا يسمح لأي دولة بمزاولة أعمال سيادة على أرض لدولة أخرى.
حتى العبارة الأخيرة مقصودة في صياغة المذكرة ومن الواضح انها مبنية على معلومة تقول ان إسرائيل أو إسرائيليين أقاموا مستوطنات زراعية على أرض الباقورة المؤجرة، وبالتالي سيطمع الجانب الإسرائيلي في فترة ولاية تأجيرية أخرى لربع قرن خصوصا وان العلاقات الأردنية الإسرائيلية ركبت على السكة بصعوبة مؤخرا وبضغط مباشر من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
المعلومات تقول ان نوعية الاستثمار الزراعي وملحقه الصناعي في أراضي الباقورة لصالح إسرائيل أو إسرائيليين منتجة جدا ماليا، وبالتالي هناك سبب لان تضغط إسرائيل مجددا بعنوان تجديد التأجير أو تلعب بورقة ملكية مواطنين إسرائيليين لبعض الأراضي في الباقورة والغمر وفقا للمفاجأة التي كان قد صدم فيها الجميع الدكتور عبد السلام المجالي عندما أعلن ان أراضي الباقورة مملوكة ليهود إسرائيليين منذ عام 1929.
كلام المجالي سياسي وتبريري ودفاعي عن اتفاقية وادي عربة، هذا ما يمكن التماسه من مضمون المداخلة الدستورية التي قدمها الوزير السابق والمرجع الدستوري الدكتور محمد الحموري، الذي أفتى أن الدستور لا يجيز أصلا ومن حيث المبدأ التنازل عن أي أرض أردنية لأي طرف أجنبي.
الأهم في مداخلة الحموري هو تلك الإشارة الأعمق التي تقول ان ملكية يهود إسرائيليين أو غير إسرائيليين لأرض أردنية لا تعني السيادة، والحكومة تستطيع بموجب صلاحياتها الدستورية والقانونية استعادة هذه الأرض مقابل دفع تعويض لمن يزعم انه يملكها.
الأخطر في مداخلة الحموري هو السؤال الذي يتردد على لسان الجميع ولم يقدم له اجابة اي مرجع أردني رسمي: كيف تمكن يهود من ملكية أراضي أردنية رسميا قبل قيام دولة إسرائيل أصلا؟ المجالي نفسه وهو موقع اتفاقية وادي عربة لم يوضح هذه النقطة أو يشرحها وهو المرجع الذي قال ان يهودا إسرائيليين يملكون أرض الباقورة والغمر، مع انه يعلم ان الملكية التي يتحدث عنها حصلت قبل 20 عاما من قيام ما يسمى اليوم بدولة إسرائيل.
ثمة صفحات مطوية في هذه القضية الخطيرة وثمة وقائع وحقائق غائبة والواضح الوحيد حتى اللحظة هو ان الحكومة لا تريد الخوض في الموضوع ومن المرجح ان أعضاء الوفد المفاوض الذين يواصلون الجلوس في المواقع الأساسية في القرار الأردني منذ عام 1994 يشعرون بعدم الأمان حتى اللحظة ولا يقولون الحقائق والوقائع للشعب الأردني، الأمر الذي يفتح المجال أمام أسئلة متعددة حول دوافع الدكتور المجالي من وراء الكشف فجأة عن معلومة الملكية اليهودية للباقورة في الوقت الذي اعتزل فيه السياسة تماما.
في كل حال تريد مذكرة النواب الأخيرة الخوض في هـــذا الموضـــوع وهو شائك ومعقد والسماح بفتحه خصــوصــا في مرحــلة المعطيات الدولية والإقليمية التي تمــيــل لصـــالح المــحــور الســعــودي الإسرائيلي مجازفة كبرى مفتوحة على كل الاحتمالات ومن الصعب جدا توقع سماح السلطة أو الحكومة الخوض في تفصيلات هذه المجازفة وببساطة خصوصا لـ 16 نائبا بينهم عدد معقول من الموقعين على المذكرة.
الواقع، اننا في جميع اتفاقيات الهدنة مع اليهود، ومنذ سنة ٤٨، من مصريين الى اردنيين الى فلسطينيين الى سوريين، كنا دائما الطرف الخاسر.
كان الحكام العرب، ولا يزالون، هم من يقرر مدى التنازلات اللازمة لنجاح المفاووضات، وفي المقابل، كان المفاوض الاسرائيلي يعلم ان المفاوض العربي (الحكام، بطريقة غير مباشرة) يضع مصلحته الشخصية على مصلحة امته.
لاندري ماهي الضفوط التي مارسها اليهود على المك حسين حتى يقبل بنقل ملكية ارض (بغض النظر عن المشتري) الى “دولة” اخرى؟ ولكن الذي نعلمه انه وابنه عبدالله الثاني هم من يقررون ابداء حسن النية من طرف واحد، تجاه اسرائيل
فيما يتعلق بأراضي الباقورة فالحقيقة التي تم حجبها عن الشعب الأردني هي ان اتفاقية وادي عربة لم تحدد مدة الإيجار بـ 25 عاما ولا شيء من هذا القبيل وقصة الـ 25 عاما شبيهة بحكاية جحا وحمار الوالي الظالم
حيث طلب جحا مهلة 25 عاما لتحقيق رغبة الوالي الجامحة في تعليم حماره فن النطق والكلام في مقابل مبالغ مغرية من المال وإلا فسوف يأمر الوالي بقطع رأسه فوافق جحا
وعندما عاد جحا أدراجه بدأ المقربون منه بسؤاله عن سبب توقيعه لمعاهدة سوف تكلفه رأسه
فأجابهم جحا وهو يضحك
ما ان تنقضي فترة الـ 25 عاما إلا ويكون مات الوالي او مت أنا أو مات الحمار
لا يختلف الوضع كثيراً عن الجولان الذي تنازل عنه الأسد للإستمرار بالسُلطة !
ولا حول ولا قوة الا بالله