في خضم طوفان الأخبار المزيفة التي تعبر حياتنا من دون أي إشارة أو تلميح إلى شك يحوم حولها، يتشاطر (من الشطارة) معظم القنوات التلفزيونية والمراصد الإعلامية على إلصاق عبارة «لم يتسن التأكد من فيديوهات كيميائي دوما من مصدر مستقل»! فقط أمام الضحايا الواضحين تستفيق موضوعية ومهنية تلك القنوات، كأنما لتسبغ مزيداً من الشك والتعمية على الجريمة الوحشية المتكررة في غوطة دمشق الشرقية.
لكن محاولة للنظر بعين الشك إلى تلك الفيديوهات لن تقود إلا إلى مزيد من اليقين. لقد وضعتُ بالفعل افتراض التزييف وأنا أعيد مشاهدة الفيديو من جديد، فماذا رأيت؟ الزبد على أفواه الأطفال، والذعر في عيونهم. حركة الناس في عمق الصورة والتي من المستحيل على أي إخراج سينمائي ترتيبها بهذه العشوائية. الأصوات في الخلفية، ومن بينها صوت راحة يد تضرب ظهر طفل عار كي تعيد إليه التنفس. حتى ذلك المواطن الصحافي الذي ظهر في فيديو مرتدياً قناع الكيميائي متحدثاً بصوت مخنوق عن برميل لم ينفجر توضّع على سرير في غرفة نوم وما زال الغاز السام يتسرب منه، من المستحيل أن يخطر في بال أعتى مخرجي الخدع السينمائية.
باختصار، كل ما في تلك الفيديوهات لو كان ممكناً ترتيبه وإعداده بشكل مزور سنكون أمام سينما لن تقدر عليها هوليوود. كان من الأسهل أن يحوز الناس، في قلب ذلك الدمار والرعب، سلاحاً يذودون به عن أنفسهم من أن يصنّعوا هوليوود، بل ما تعجز هوليوود عن صناعته.
لا يحتاج مشهد دوما المضروبة بالكيميائي إلى مختبرات معقدة لتحليل، لا يحتاج فقط إلا إلى ضمير، لبقية من ضمير.
فضل شاكر مسلسلاً على «الجديد»
يعرف تلفزيون «الجديد» اللبناني أنه وَقَعَ على كنز كبير مع موافقة الفنان فضل شاكر، المطارد بحكم قضائي، على إجراء مقابلة لصالحه، لذلك لم يوفر جهداً في مطمطة المقابلة إلى مسلسل تلفزيوني من ثلاث حلقات.
يمكن القول إنه كان يمكن اختصار السلسلة المترهلة إلى ساعة تلفزيونية واحدة مشدودة، فإذا كنا نتحدث عن رغبة جادة بالاستقصاء، والبرنامج يحمل هذا الاسم، فإنه لا يلزم الاسترسال والإعادة في تقديم الفنان لأغاني فيروز وسواها، ورأيه بهذا المغني أو ذاك، ما دام الموضوع يدور حول وضعه كمطلوب للقضاء، وكهارب مختبئ في ما يشبه السجن في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين.
صاحب البرنامج فراس حاطوم يعي أيضاً أن حلقته تلك ستضرِب وتحقق مشاهدة ونقاشات صاخبة، وهذا ما حدث بالفعل، فاسترخى، راح يسأل، ويتثاءب، ويعيد، بل ويتصرف سلفاً بتعالٍ لا يخفى بوحي من نجومية محتملة من جهة، ومن جهة أخرى كمحقق يسائل مطلوباً، مداناً، أكثر مما يحاور نجماً كانت له الشاشات كلها ذات يوم.
لكن ذلك لم يمنع موجة التعاطف مع الفنان، الذي ظهر كشخصية تراجيدية، ففي حياته ومصيره تختبئ ثيمات (موضوعات) عديدة تصلح مادة لعمل درامي. هناك فكرة تقترب من ثيمة «الأمير الفقير»، فهو الفنان مالئ الشاشات وله الضوء كله يجد نفسه اليوم محبوساً في زواريب مخيم. وهو ابن الأحياء الفقيرة نفسها، وقد خرج منها إلى شاشات ومسارح ومدن، ليعود به القدر ثانية إلى الأحياء الفقيرة ذاتها. وهو من قال قول حق ضد الطاغية بشار الأسد، متعاطفاً مع ثورة السوريين، الأمر الذي جرّ عليه الويلات تالياً، ولو أنه شرع في تفجير أو تفخيخ المساجد والأحياء، كما فعل ربيب الممانعة ميشيل سماحة، لما جرّ عليه مثل هذه الويلات.
هناك، ببساطة، المغني الرومانسي الذي لا حيلة له سوى صوته، يجد نفسه في قلب هذا الكابوس المديد، بسبب خطأ تراجيدي ساهم بهذا التحول المأساوي في حياته.
ليس في كل تلك الملامح تبرئة لفضل شاكر، فالأمر في النهاية متروك لمحاكم بلده، ولكن يستحيل ألا تحضر تلك التأملات فيما يتابع المرء الفنان النجم محشوراً في زقاق.
الفن كردّ للجميل
شعور النصر طاغ على كتابات ومواقف الفنانين والمثقفين السوريين الموالين للنظام السوري. لفتني من بينها موقف للممثل أيمن زيدان يقول فيه «رد الجميل لصنّاع نصر الوطن سيكون بأن نصنع فناً جميلاً… فناً يحمل قيماً حقيقية تحاول أن تقارب حجم التضحيات. أهم مظاهر الاحتفاء، زميلي الفنان، ألا تكون شريكاً في عمل فني رديء».
لكن المشكلة الأولى، عزيزي الفنان، حين يكون الفن نوعاً من ردّ الجميل لأي كان. هذه الرؤيا بالضبط هي الأساس المكين للفن الرديء.
لن يبقى شيء
ستظل تتردد على مدار الأيام فيديوهات من هنا وهناك، من مختلف البقاع السورية المنكوبة، القتل والموت تحت التعذيب والتنكيل في المظاهرات والتهجير، غير أن أكثرها غرابة أن يصوّر معفّشو النظام السوري أنفسهم فيما يقومون بسرقة وتعفيش بيوت مهجري الغوطة الشرقية.
وقاحة الكاميرا تؤكد أن الأمر يتم بشكل ممنهج، كما لو أنه لمزيد من التنكيل، أو كمكافأة تمنح لمقاتلي النظام.
من بين تلك الفيديوهات (هل يسهم المعفّشون بإنعاش السينما الوثائقية السورية!) واحد لمعفّش في حرستا، يصور نفسه وزملاءه بفرح، ويقول بصوت واضح للناس، لجمهور فيلمه : «لن يبقى شيء بإذن الله». قبل أن يختم بالقول، وبالعربي الفصيح «ذهب المسلحون، وجاء الـ..».
الغريب أنه يبقي العبارة مفتوحة، كما لو أنه يعجز هو نفسه عن ابتكار وصف لما يفعله مقاتلو النظام في الغوطة.
كاتب فلسطيني سوري
راشد عيسى
لن تنتهي الثورة السورية
ولن يهنأ النظام وشبيحته بالحكم
فالشعب السوري قد كسر حاجز الخوف
الثورة ستنهض من تحت الرماد لأنها لا تنطفئ
وإن غداً لناظره قريب , والثورة الفرنسية هي خير دليل
ولا حول ولا قوة الا بالله
شكراَ أخي راشد عيسى. اتفق مع أخي الكروي بأن الثورة السورية لن تنتهي والموضوع لم يعد حاجز خوف أو غيره وإنما إرادة حياة إنه كفاح من أجل حياة حرة كريمة وفي هذا الأمر لايوجد إلا خيار واحد. وهو كفاح متصل متواصل بين الشعوب العربية, ففي غزة كما في غوطة دمشق وفي اليمن كما في بغداد وفي مصر كما في ليبيا.
أما أيمن زيدان وغيره من الممثلين, فنعرفهم جيداً وهم والحمد لله لايتقنون حتى رد الجميل فكيف الفن الجميل! ولنا الله ومالنا غيرك ياالله.