لنحاول أن نتصور الحالة النفسية والعقلية التي يعيشها المواطن العربي في دول الخليج العربية، إذ ما عاد هناك في الواقع دول مجلس تعاون خليجي. فعندما يواجه المواطن يومياً أحداثاً لا يستطيع فهمها، ولا يستطيع تبريرها، ولا يشعر بأنها تعبر عن إرادته ورغباته وحقيقة مشاعره النفسية والروحية، ولا عن تاريخه وتعاليم دينه القرآنية، فإنه سيفقد توازنه الإنساني وسيتوجه إلى أحد الطريقين: إما أن يصبح طاقة هائجة تدميرية، أو أن يعيش حياة اليأس والقرف وينسحب من الحياة العامة والالتزامات الوطنية.
صباح كل يوم تتناقل الأخبار أسماء هذه الجماعة الجهادية المجنونة أو تلك، في هذا البلد العربي أو ذاك، مقرونة دائماً باسم البلد الخليجي الذي يرعاها ويمدها بالمال والسلاح. يسأل المواطن نفسه عن مبررات انغماس بعض دول الخليج العربية في ساحات مليئة بالدماء، وارتكاب الموبقات الأخلاقية، والارتباط بالمخابرات الأجنبية واستعباد كل من يقوده حظه العاثر إلى أن يكون تحت إمرتهم وابتزازهم.
وعلى الرغم من أن الأخبار تشير بالاسم إلى تلك الدول الخليجية، إلا أن المواطن لا يسمع تكذيباً رسمياً واحداً أو تبرؤاً من التهمة. هنا يسأل نفسه: من الذي خوّل مسؤولي تلك الدول لأن يبعثروا ثروات وأموال العامة في مغامرات مشبوهة دمّرت الكثير من المدن العربية ويتمت وشردت وأفقرت إخواناً لنا في العروبة والإسلام والإنسانية؟ ماذا كان القصد الخفي من وراء كل ذلك، ماذا حققت تلك المغامرات ومن خدمت في النهاية؟
هل السكوت المعيب الذي تمارسة الجهات المتورطة جواب كاف لتهدئة القلق ولإبعاد الحيرة عن نفس وعقل المواطن؟ ذلك أنه لا الإعلام الرسمي أو التجاري، ولا مجالس الشورى وما يماثلها، ولا مجالس الوزراء، ولا مؤسسات المجتمعات المدنية الضعيفة، تفصح عن أسباب بدايات ذلك الجنون، ولا أسباب الاستمرار فيه عاماً بعد عام، بينما تدفع شعوب عربية الثمن للصراعات العبثية الطفولية بين أنظمة الحكم العربية ومسؤوليها، تدفعه دماراً حضارياً لكل ما بنته عبر القرون، وتراه صورة مظلمة حالكة لمستقبلها.
دعك من الذين يقبضون الأثمان ليكتبوا قصائد المديح أو الحكمة في هذا القرار أو ذاك، أو الشتم المبتذل لهذه الجهة المعادية أو تلك، فالدماء التي تقطر من أيادي الكثيرين لن تغسلها مياه كل أنهار وبحور ومحيطات العالم. فالعدالة الإلهية لا يمكن أن ترضى عما يحدث بالنسبة لهذا الانغماس في ألعاب الموت التي أدخلنا فيها مجانين الجهاد الدموي الظالم.
المواطن سيظل في حالة من الذهول والخجل والاستغراب والغثيان، حتى يسدل الستار على تلك المسرحيات التي ألفها وأخرجها الأغراب الاستعماريون والصهاينة، أو الموتورون الإقليميون أو الجهلة المحليون، واستعملوا بعض الأنظمة في تمثيل أدوار تلك المسرحية، سواء بنية طيبة أو بنية خبيثة. ما يجعل الأمر أكثر مأساوية وأثقل على قلب المواطنين المتسائلين، ما يفصح عنه بعض المسؤولين الخليجيين السابقين عن مئات المليارات من الدولارات التي صرفت على قادة وأفراد وعائلات من نصبوا أنفسهم، زوراً وبهتاناً، مجاهدين إسلاميين، بينما يعاني المواطنون من آثار التراجع المتسارع في كل حقول الخدمات الاجتماعية باسم ضرورة التقشف.
المطلوب من تلك الأنظمة، إذا كانت تريد أن تستجيب لإرادة ورغبات وطهارة الغالبية الساحقة من مواطنيها، أن تخرج من هذا الوحل بسرعة وبصورة نهائية، وأن تغلق إلى الأبد باب هذا النوع من الجهاد البليد الذي دمر حياتنا العربية وخلق لنا إشكالية مع العالم المتحضر كله. لا يكفي المواطن وقوفه حائراً أمام تلك الأحجيات والممارسات في حقل الإرهاب الجهادي الجنوني، حتى تفاجئه مؤخراً حفلات الرقص الحميمية مع الكيان الصهيوني الغاصب المتسلط الممعن قتلاً وتدميراً واستعباداً وتآمراً في طول وعرض بلاد العرب، ومع الولايات المتحدة الأمريكية التي تعلن صراحة عن حقها في جزء من الثروة البترولية الخليجية، وعن ضرورة مساهمة تلك الثروة في حل إشكالياتها الاقتصادية.
ما عاد المواطن يفهم أسباب التعاون الاستخباراتي الحميم مع الموساد الصهيوني، ولا أخبار الاجتماعات السرية التنسيقية بين بعض المسؤولين الخليجيين وعتاة الإجرام من المسؤولين الصهاينة، ولا التصريحات التي تعطي للصهاينة أرضاً فلسطينية بدون إذن ولا موافقة من الشعب الفلسطيني، صاحب الحق الوحيد في التصرف بأرضه، ولا كتابات بعض المحسوبين على هذا النظام أو ذاك، التي تنادي بهدم كل ثوابت هذه الأمة بالنسبة للموضوع الفلسطيني، وقبول سرقة أرض فلسطين وتشريد أهلها، والتعايش مع الفكر الصهيوني الاستعماري التوسعي المبني على الأساطير والخرافات والأكاذيب.
يتساءل المواطن: هل أن دول الخليج العربية جزء من كيان الأمة العربية والوطن العربي؟ أم أن البعض يريد لها الخروج من تحت عباءة العروبة والإسلام والتاريح والثقافة والدخول تحت عباءة العولمة الرأسمالية المتوحشة، بعيداً عن كل التزام قومي وإسلامي، بل وحتى وطني؟ ثم، بأي حق، وبأي تخويل شرعي من قبل المواطنين، يتصرف هذا المسؤول أو تتصرف تلك الجهة المسؤولة؟
عشرات الأسئلة يسألها المواطن العربي الخليجي بشأن ما يجري في منطقته وبشأن ما يجري في وطنه العربي، فلا يحصل على أجوبة واضحة علنية مقنعة تطمئنه على مستقبله ومستقبل أبنائه وأحفاده. لنحذر، فإن العيش في الظلام لا يقود إلا إلى ظلام حالك تتربص فيه الأشباح والشياطين.
كاتب بحريني
د. علي محمد فخرو
لا حياة لمن تنادي الا اذا استيقضت الشعوب وضحت بالنفس والنفيس…
دول الخليح اخطأت في نزاعاتها المختلفة الحدودية وسواها وأخطأت في تدخلها في شؤون الشعوب العربية وخاصة في الربيع العربي، وفرعن كل من لديه مال وبذخه في موبقات لا فائدة منها كان أولى بدول الخليج ان تقوم باستثمارات في الدول العربية وتكون صديقة الشعوب لأن صورتها مهتزة جدا في نفس كل عربي
وأخيرا عنوان وتحليل ذو مصداقية وشفافية عالية، وأضيف في الجانب الـ آخر له، لماذا بسبب عدم دفع الضرائب دونالد ترامب في عام 1988 تمنى أن يكون مواطن في دول مجلس التعاون، بحجة أنه ملك، فالنظام السياسي والاقتصادي في حينها كان كرسي الحكم للعوائل الحاكمة مقابل أن لا يدفع الإنسان ضرائب، ولكن بعد 2/8/1990 تغير الحال ولأجل المشاركة مع جورج بوش الأب في ارجاع حدود سايكس وبيكو إلى محلها، حصل مؤتمر مدريد للسلام في الذكرى الخمسمائة لطرد اليهود والمسلمين من أسبانيا في عام 1991 والذي به تم الإعلان عن (الترتيب الجديد للعالم)، تحت قيادة البنك الدولي، لأن دولة الحداثة هي عالة على الإنسان وليس العكس، وعلى ضوء ذلك قامت دول مجلس التعاون في الخليج العربي تغيير نظامها الاقتصادي، ليتوافق مع متطلبات البنك الدولي وأصبح على الإنسان أن يدفع ضريبة.
الغريب والعجيب أنه ما بين 1978 و1991 كانت دول مجلس التعاون بالإضافة إلى بقية الدول الغنية من الدول العربية، تستطيع تمويل الحرب في أفغانستان، والحرب في العراق، والحرب في لبنان، وبدون أن يدفع الإنسان في دول الخليج العربي أي ضرائب، وكان الجميع يعيش في بحبوحة.
ولكن بعد 1991 وبداية الحصار الاقتصادي على العراق أصبح الجميع يعاني من شبح الإفلاس، لماذا؟ خصوصا مع بداية جمع الضرائب والرسوم وبحنكة وخبث يجمع خبرة كل دول العالم بداية من السودان والإمارات والسعودية والبحرين ولبنان بالذات؟!
البنك الدولي ومعهد الحوكمة الكندي في المؤتمر الدولي الذي عقد في بغداد 24 و 25 من الشهر الأول من عام 2018 وضع خطوط عريضة لأي دولة ترغب في طرد شبح الإفلاس، ومواكبة عصر الجيل الرابع للثورة الصناعية، وأظن أفضل حل لإبدال اقتصاد الفرد لدولة الحداثة لكي تستطيع مواكبة عصر العولمة والاقتصاد الإليكتروني هو اقتصاد الأسرة (مشروع صالح التايواني)، والذي يجمع حل ما بين البطاقة التموينية بعد ربطها مع المنتج المحلي لتكون أساس تحريك الاقتصاد، مع تأسيس شركة كأم للشركات (40% قطاع عام كسوق، 40% للقطاع الخاص كمستثمر، 20% لنا كأصحاب للتقنية ونعمل على تطويعها حسب رؤية الموظف المبادر) لتفريخ شركة مع الموظف المبادر بفكرة، ليكيفية إعادة أداء الوظيفة بواسطة الاتمتة، لتحويل المدينة إلى مدينة ذكية، يكون فيها الإنسان هو السيد، وليس الآلة (الروبوت) هو السيد، كما هو حال السياسة الحالية لدولة الحداثة (في الخليج).
مقالك رائع جدا اتمنى ان يقرؤه المسوؤوووووولوون كل في مكان عمله ومسؤليته مهما يكن دوره في سللم المسوؤليات والله يعلم ما تصنعون
المقال موضوعي جدا و هو يتحدث عن الدول الخليجية و دورها في صناعة الإٍرهاب و التدمير و البحث عن تحالفات مع الأمريكان و الصهاينة لإقبار عروبة القدس و فلسطين كلها … الأزمة الحالية بين الخليجيين جعلت وسائل الإعلام بعيدة عن الموضوعية تمارس لعبة ” النظام الذي أنتمي إليه ..أولا و أخيرا ” و كل ما عداه لا يهم .. الخليجيون أهدروا المليارات وراء وهم الزعامة و الريادة فحصدوا رياحا عاتية عصفت بالجيران و ستعصف بممولي الإرهاب و صانعيه .. و يبقى السؤال هل استفاد المواطن الخليجي من ثروات بلاده .. الجواب لا .. لأن هؤلاء يبحثون عن ريادة و رقي من نوع / أعلى عمارة في العالم / أغلى جحش في العالم / أكبر ملعب للتزحلق على الجليد في الصحراء / أغلى شجرة ميلاد / أكبر ماسة … ماذا يستفيد البسطاء من كل هذا و ماذا نجني من الغرب غير السخرية و الإستهزاء ؟؟؟؟
مقال أكثر من رائع بارك الله فيك