عمان- «القدس العربي»: «فقدنا الانطباع بأننا مؤثرون في معادلة المؤسسات الأمريكية».. تلك العبارة سياسية بامتياز وتدخل البوصلة الأردنية في زاوية حرجة عندما تتوثق «القدس العربي» من الاستماع لها والتقاطها في أكثر من موقع على مستوى ادوات الادارة والمطبخ السياسي خصوصاً في ابعاده الإقليمية… تبدو تلك العبارة محطة للتأمل والتعمق يقر بها مسؤولون كبار في عمان وهم يحاولون تشخيص المستجدات على اساس مرحلة ما بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخصوص نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
فقد أخفقت الدبلوماسية الأردنية طوال الاشهر الثلاثة الماضية في تغيير او تأجيل او تعديل مسار القرار الرئاسي الأمريكي وتوشك عمان سياسيا بالمقابل على مواجهة الاستحقاق الاخطر في يوم 15 من شهر ايار المقبل وهو اليوم الموعود لتشغيل المقر الجديد في القدس الغربية لسفارة واشنطن.
حصل وزير الاتصال الناطق الرسمي الدكتور محمد المومني على نقطة في السلة خلال مشاركته في مؤتمر وزراء خارجية دول عدم الانحياز في العاصمة الأذرية قبل ايام عدة حيث تبنى البيان الختامي توصية تدعم الوصاية الهاشمية للأردن على المقدسات في القدس.
وفي خطوة مماثلة لكن اقل تأثيرا سجل رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة ونائبه خميس عطية ورفاق لهما نقطة مماثلة في بيانات صدرت وتخص ختام اجتماعات للاتحاد البرلماني العربي والدولي والاسلامي في طهران وغيرها.
وزير الخارجية ايمن الصفدي خطب في الاتجاه نفسه محاولاً اعادة بوصلة القمة العربية إلى قضية فلسطين باعتبارها الأساس وباعتبار القدس مفتاح الصراع خلال مشاركته في مؤتمر ما في دبي.
إنقاذ «الوصاية»
الماكينة الأردنية تتحرك اليوم تحت انطباع إنقاذ «الوصاية» اذا تيسر ذلك بعدما افلتت القدس من وصاية العرب ودورهم .
وفي الوقت الذي يرتفع فيه صوت الرئيس محمود عباس في رام الله بهتاف ينفي ولادة أي شخص يستطيع أصلا التنازل عن القدس.. في هذا الوقت يغرق موظفون في الخارجية الأردنية التي يديرها الصفدي بتوجيه رسائل واقعية غير مطلوبة منهم اثناء استقبال السفراء الأجانب والتفاعل معهم واحدى اهم تلك الرسائل الاستنتاج الذي يقول «.. فعلنا في الأردن ما نستطيع فعله ولا يمكننا فعل المزيد».
وسط هذا التزاحم في اللهجة الواقعية يعلن مخضرم من وزن طاهر المصري أن القدس بسبب الوهن العربي والضعف الإسلامي في طريقها للضياع ووسط الزحام نفسه يقر خلف الستارة وفي الغرف المغلقة مسؤولون في الحكومة الأردنية بأن العنصر الفارق والمستجد في تهميش الدور الأردني الإقليمي بشكل عام وفي عمق المعادلة الفلسطينية بشكل خاص يتمثل في ان الادارة الأمريكية الجديدة لم تعد تستمع للخبرة الأردنية.
ثمة تفاصيل في غاية الإثارة تقرأ تحت الاستنتاج الأخير وقد عبر عنها السفير البريطاني في عمان أدوارد أوكدن عندما استفسر من اعضاء في مجلس الاعيان الأردني عن هوامش المبادرة والمناورة مع الادارة الأمريكية في ظل الواقع الاقتصادي الأردني وعلى اساس ان الولايات المتحدة هي وحدها التي تقدم اليوم مساعدات مالية للأردن .. كيف يمكنكم معارضتها اصلاً؟.. سأل السفير بخبث محاوريه الأردنيين.
في الأثناء تطلب عمان زيادة في المساعدات المالية الأمريكية فتحصل على اثنتين .. الأولى برعاية نائب الرئيس الأمريكي مارك بنس والثانية على صيغة مفاجئة سارة بمقدار ربع مليار دولار من الأصدقاء في الكونغرس. والهدف من جرعتي الزيادة المالية هنا ليس تمكين الاقتصاد الأردني من مغادرة غرفة الإنعاش. ولكن على الأرجح تجميد اي مشاريع في الذهن الأردني لمناكفة سيناريو نقل السفارة والوضع الجديد في القدس وهو سيناريو استنفد في الواقع الموضوعي لان عمان لم تعد تستطيع ان تفعل شيئاً ولأن الأشقاء العرب كما قيل في القصر الملكي قبل أسابيع عدة وفي الإعلام المحلي لديهم «أولويات مختلفة».
اما الأولويات الأردنية والثوابت تجاه القضية الفلسطينية او غيرها من ملفات المنطقة فلم تتغير وفقاً لتعبير الناطق الرسمي الدكتور المومني وفي أكثر من نقاش مع «القدس العربي».
الأردن في رؤية المومني لا يزال يرى أن استقرار المنطقة مرهون بحل عادل يضمن حقوق الشعب الفلسطيني وأن المساس بالقدس تحديداً لا ينطوي على حكمة ويؤجج الصراع ويخدم التطرف ويوفر ذخيرة للإرهابيين وبان الأزمة السورية من الصعب تخيل معالجتها بعيدا عن الحلول السياسية.
خطوط استراتيجية
رغم كل ذلك يلتزم الأردن بخطوط استراتيجيته الثابتة المعلنة. لكنه يعاني اقتصادياً ومالياً وفقاً لما أبلغه وزير المالية عمر ملحس لقادة في البرلمان الاسبوع الماضي عندما اشار الي ان سياسة وقف النزيف لا تعني توقف المعاناة في مسارها المالي والاقتصادي.
تلك المعاناة تقلص من تأثير الدور الإقليمي الأردني بشكل عام وتزيدها ضبابية الموقف السعودي والمساعدات الخليجية النادرة والبسيطة والتي تأتي بالقطعة ودون ان تحدث فارقا .
لا يذيع المراقب سراً اليوم في عمان وهو يتلمس مخاوف نخبة القرار والسياسة من
«أولاً تراجع دور الخبرة الأردنية العميقة في القضية الفلسطينية.
وثانياً – وهو الاهم انحسار موجات التأثير الأردني الكلاسيكي في القرار الأمريكي وهو انحسار بدأ يستثمره أمراء في دول الخليج الصديقة للضغط على بوصلة الأردن وأجنداته لانهم في حالة تفاعل مباشر مع الأمريكيين والإسرائيليين ولم تعد لديهم حاجة لقنوات الأردن وخبرته.
ذلك حصار دبلوماسي خانق في رأي العديد من المراجع السياسية العميقة وينتج عن تقلص كبير في هوامش المناورة والمبادرة امام الدور الأردني في الادارة الأمريكية.
وهو دور يتقلص مع تعقيدات اضافية يقول وزير البلاط الاسبق الدكتور مروان المعشر انها تنمو اصلاً لان عملية السلام برمتها وضعت في احضان مسؤولين لا يعرفون عن المنطقة شيئاً ولا عن القضية الفلسطينية مثل جارد كوشنر وحتى مثل مستشار الامن القومي الجديد جون بولتون.
وبهذا المعنى علقت بوصلة الاقتصاد السياسي الأردني عندما يتعلق الامر بتأثيرها في الإقليم بين نمطين من الجهل الأول يمثل المجموعة النافذة اليوم في البيت الأبيض التي انيطت بها مهام عملية السلام والثاني يرافق تلك الشريحة من افراد الطاقم الاقتصادي في الحكومة الأردنية المنفصلين تماماً عن الواقع الاجتماعي الأردني .
تلك اقرب وصفة عملياً لـ «توهان البوصلة».
يا حبيبنا السبب في ذلك انو … تسلم زمام الأمور جميعها شلة من المنتفعين والموتورين اللذين لا انتماء ولا وطنية لهم إلا جيوبهم ومنافعهم ومصالحهم الخاصة
فادي بهم لحرق جميع أوراقهم وكل وسائل الضغط وأحرقوا الندية في التعامل مع الخارج بذلك
سلمو ورقة الشعب والاخوان وقطر وإيران وكل شيئ مقابل مصالحهم الخاصة
فلا مجال أمامهم للمفاوضات على شيئ إلا بأن يقوم الشعب بنفسه لحرقهم بما سرقوا
اصاب دولة طاهر المصري كبد الحقيقه عندما قال : ( الوهن العربي والضعف الاسلامي ادى الى ضياع القدس )
“أخفقت الدبلوماسية الأردنية طوال الاشهر الثلاثة الماضية في تغيير او تأجيل او تعديل مسار القرار الرئاسي الأمريكي وتوشك عمان سياسيا بالمقابل على مواجهة الاستحقاق الاخطر” والسؤال الأهم هنا لماذا أخفقت؟ في ظل وجود وزارة خارجية سيادية منذ تأسيس الامارة؟ و أين الخطط الاستراتيجية والبدائل أمام سيناريوهات كانت تلوح في الافق منذ بدء حملة الانتخابات الأمريكية؟ ولماذا لم تعكف الوزارة على اعداد خطة تحد من اثار مثل هذه القرارات المتوقعة والحد من اضرارها من خلال استؤراتيجية تنويع للخيارت الدبلوماسية والاعلاقات الدولية ؟ لعل السبب يكمن في انه ما تزال هناك عقلية “عرض الرجل الواحد”One Man Show سواء كان على مستوى الوزير المعني ام سفرائه الذين لاينسقون مع مركز الوزارة خاصة وان تعييناتهم جاءت “سياسية” بامتياز بالرغم من عدم صلتهم بشيء يتعلق بالسياسية الخارجية وهذا الأمر لا بد ان يشكل تشوهات تتميز بالعدم القدرة على تقديم وجهة نظر الأردن و الدفاع عن مصالحه العليا كالرعاية الهاشمية للاماكن المقدسة ومحورية القضية الفلسطينية، وما تلاه من عدم وضوح في الملف الأيراني واليمني والقطري بشكل عام متخذة انصاف مواقف وانصاف قرارات.