الناصرة ـ «القدس العربي» ـ وديع عواودة: تواصل إسرائيل البحث عن كل وسيلة للتخلص من مسيرات العودة في غزة وإطفاء جذوتها لأنها تخشى من جرها لحرب تستنزف طاقاتها وتنهك جيشها ولا تستطيع أن تخرج منها بصورة إيجابية وهي تستخدم الرصاص مقابل متظاهرين مدنيين. وتخشى إسرائيل من أن هذا النضال المدني على طراز الانتفاضة الأولى سيعيد للقضية الفلسطينية ألقها وشعبيتها في العالم ويسلط الضوء على حقيقة الحصار السياسي الظالم المفروض على غزة منذ 11 عاما ويحولها لأكبر سجن في العالم.
ورغم موازين القوى تخشى إسرائيل من كل نشاط سلمي فلسطيني يفضح انتهاكاتها ويعرضها لضغوط في العالم ويغذي حملة المقاطعة الدولية كما تجلى في قضية دخول رئيس بلدية دبلن البلاد رغم أمر حظر دخوله. إسرائيل طالما كانت وما تزال معنية بلجوء منظمات المقاومة في غزة لاستخدام وسائل قتالية تتيح لها الرد بقوة حاسمة «دفاعا عن النفس» وتظهر في المواجهة الضحية المعتدى على سيادتها ومدنيها من قبل «داعش الفلسطيني»، حماس والجهاد الإسلامي. ولذا حاولت إسرائيل دون جدوى كيّ وعي الفلسطينيين وترهيبهم ففتحت بنيرانها على مسيرة العودة الأولى بغية القضاء عليها بالضربة القاضية وإخماد نارها. وإزاء الاحتجاجات في العالم على مشاهد المجزرة اضطرت لتخفيف نيرانها على المسيرتين التاليتين وبالتزامن تحاول إحكام الخناق على غزة لردع سكانها عن المشاركة في نضال مدني طويل يستنزفها ويحرجها ومن ضمن ذلك منع مداواة جرحى رصاصها خارج القطاع.
وكان مركز «عدالة» ومركز «الميزان» لحقوق الإنسان غزّة، قد قدّما التماسًا للمحكمة الإسرائيلية العليا يطالبان فيه بخروج الجريحين يوسف الكرنز ومحمد العجوري من قطاع غزّة لتلقّي العلاج في مستشفيات رام الله بسبب حالتهم الحرجة. وكانت المحكمة الإسرائيليّة قد تجاوبت مع مماطلة سلطات الاحتلال لعقد جلسّة للنظر في الالتماس، مما أدى إلى بتر ساقيّ الجريح محمد العجوري وبتر ساق الجريح يوسف كرنز. هذا وتركّزت الجلسة التي عُقدت الخميس الماضي في إمكانيّة نقل الجريح يوسف الكرنز إلى رام الله وذلك لمنع بتر ساقه الثانية. من جهتها، أوصت المحكمة السلطات الإسرائيليّة بنقله للعلاج في الضفة الغربيّة، إلا أن وزارة الأمن الإسرائيليّة رفضت التوصية متمسكةً بردّها الذي يؤكّد أن الجريح «يستوفي الشروط الطبيّة لنقله» إلا أن الوزارة ترفض نقله بسبب إصابته خلال مشاركته في مسيرة العودة. في أعقاب الأمر الاحترازيّ، طالبت المحاميّة سوسن زهر من مركز عدالة بعقد جلسةٍ عاجلةٍ يوم الجمعة نظرًا لخطورة الحالة الطبيّة، إلا أن المحكمة أصرّت على المماطلة ورفضت طلب الملتمسين. وقال المدير العام لمركز الميزان لحقوق الإنسان، عصام يونس أنّه «رغم الحالة الإنسانيّة المروّعة، ورغم تحذيرنا أمام المحكمة العليا من مغبّة المماطلة التي أدّت إلى بتر سيقان الجريحين، إلا أن المحكمة تستمر في مماطلتها وإهدار الوقت الثمين دون البت في القضيّة. مؤكدا أن هذه السياسة تدل على أن قطاع غزّة بالنسبة للسلطات الإسرائيليّة هو السجن الأكبر في العالم حيث يقتل الناس ويُصابون برصاص جيش الاحتلال دون أن يتلقّوا العلاج الطبيّ الملائم، وهو ما يعرّفه القانون الدوليّ كجريمة حرب.
على خلفية استمرار القمع الإسرائيلي دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أمام مجلس الأمن الدولي إلى إجراء «تحقيق مستقل وشفاف» بشأن جرائم الاحتلال في مواجهة مسيرات العودة في قطاع غزة. وقال خلال اجتماع للمجلس لبحث الوضع في الشرق الأوسط وخصوصا في سوريا «إن أعمال العنف الأخيرة في غزة أوقعت قتلى وجرحى من دون طائل». وأضاف «أدعو الأطراف إلى الامتناع عن أي عمل يمكن أن يوقع ضحايا جدد، وعن كل إجراء يمكن أن يعرض المدنيين للخطر». وتابع «أن هذه المأساة تؤكد الطابع الملح لإعادة إطلاق عملية السلام من أجل حل الدولتين الذي سيتيح للفلسطينيين والإسرائيليين العيش في دولتين ديمقراطيتين جنبا إلى جنب في سلام وأمن داخل حدود معترف بها»، على حد تعبيره. وخلال مؤتمر صحافي في الأمم المتحدة، قال ممثلو تونس والكويت وفلسطين وجامعة الدول العربية إنهم بعثوا برسالة إلى مجلس الأمن، الجمعة، للفت انتباهه إلى الوضع في غزة. وجاء في الرسالة «ندعو المجتمع الدولي على وجه السرعة لتحمل مسؤولياته، والعمل على وقف عمليات القتل والإصابات المتعمدة التي يتعرض لها المدنيون الفلسطينيون.
وأضافت الرسالة أن الفلسطينيين اختاروا «مسارا سلميا» للتعبير عن مطالبهم. وندد السفير الفلسطيني رياض منصور بـ«فشل مجلس الأمن» في تحمل مسؤوليّته، مشيرا إلى أن 14 من أصل أعضاء المجلس الـ15 يؤيدون إجراء تحقيق مستقل لكن هناك دولة واحدة فقط تعارض ذلك، مشيرا بذلك إلى الولايات المتحدة بشكل ضمني.
للجمعة الثالثة على التوالي، شارك عشرات آلاف الفلسطينيين في قطاع غزة في فعاليات مسيرة العودة الكبرى، التي تمت تحت عنوان «جمعة رفع العلم»، واستشهد فيها الشاب إسلام حرز الله (28 عامًا) بنيران قوات الاحتلال، وأصيب أكثر من 1000 آخرين، بينهم صحافيون وأعضاء طواقم طبية.
وقال الناطق باسم المركز الطبي التابع للهلال الأحمر الفلسطيني في غزة، محمد أبو مصبح إن قوات الاحتلال تستهدف طواقم الإسعاف الأولي أيضا. وتابع أبو مصبح «صحيح أن الشارة الطبية يفترض ان تحمي الطاقم الطبي، لكن في مثل هذه الظروف نحن ننزل للميدان بأجسادنا، بلا دروع ولا دبابات».