فقدت الولايات المتحدة منطقة أمريكا اللاتينية خلال العقدين الأخيرين، بسبب وصول قيادات يسارية إلى الحكم في دول مثل البرازيل وفنزويلا وبوليفيا والأرجنتين، ولكنها أبقت على المكسيك خارج دائرة «القلق». والآن يحدث العكس، فقد بدأت واشنطن تستعيد دول أمريكا الجنوبية إلى حظيرتها، وفي المقابل قد تخسر المكسيك بوصول أول رئيس يساري يرغب في تعزيز استقلال المكسيك، ويتعلق الأمر بلوبيث أوبرادور، الذي يتعهد بمواجهة سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب «الاحتقارية» ضد المكسيك.
وشكّلت منطقة أمريكا اللاتينية الحديقة الخلفية للولايات المتحدة منذ نهاية القرن التاسع عشر. وفي تطبيق لأطروحة مونرو «أمريكا للأمريكيين»، منعت واشنطن القوى الإمبريالية الأوروبية من العودة إلى أمريكا اللاتينية، ولكنها انفردت بالمنطقة، لاسيما مع طرد إسبانيا من كوبا سنة 1898، وسنّت سياسة التدخل العسكري في عدد من دول المنطقة التي طبقها الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون إبان رئاسته ما بين 1913-1921.
ومنذ نهاية القرن العشرين، مالت أمريكا اللاتينية إلى اليسار، سواء المعتدل في البرازيل والأرجنتين، أو الراديكالي الاجتماعي مثل فنزويلا وبوليفيا ونسبيا مع الإكوادور والأوروغواي. ونهج زعماء المنطقة مثل الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز، والبرازيلي لولا دا سيلفا استراتيجية بناء مؤسسات ومنها «أونا سور» أي «أمم الجنوب» في مبادرة لتشكيل تحالف على شاكلة الاتحاد الأوروبي، بهدف تعزيز الاستقلالية في مواجهة التدخل الأمريكي.
لكن الأوضاع السياسية خلال الثلاث السنوات الأخيرة بدأت تتغير، وبدأ اليسار يفقد بريقه أمام الناخبين، ويتقدم اليمين المحافظ المرتبط بواشنطن في استعادة الحكم، مثلما يحدث في الأرجنتين والبرازيل والتضييق الكبير على دول مازالت يسارية، مثل فنزويلا وبوليفيا. ورغم تطورات الماضي، كانت المفارقة التاريخية هو اطمئنان واشنطن، لأن التغيير لم يصل إلى دولة المكسيك، التي تجمعها بها آلاف الكيلومترات من الحدود البرية والبحرية، ومصالح سياسية عميقة. ولكن يحصل الآن العكس، أصبحت أمريكا الجنوبية تميل إلى اليمين، بينما قد تنتقل المكسيك إلى اليسار مع المرشح لوبيث أوبرادور، رئيس بلدية مكسيكو السابق.
في هذا الصدد، ستشهد المكسيك يوم الفاتح من يوليو المقبل الانتخابات الرئاسية، وقد تسجل ثاني أكبر منعطف خلال المئة سنة الأخيرة. وكان المنعطف الأول هو فوز فيسنتي فوكس في انتخابات رئاسة 2000، التي وضعت حدا لحزب»الثوري المؤسساتي» الذي هيمن على رئاسة البلاد منذ سنة 1929. وكان فوكس ليبراليا، أما الآن فالمنعطف الآخذ في التبلور هو الاحتمال الكبير لوصول لوبيث أوبرادور إلى رئاسة المكسيك، ويتعلق الأمر هذه المرة بمرشح يساري يدافع عن طروحات راديكالية في مواجهة واشنطن.
ويساهم عاملان في الفوز المرتقب لهذا السياسي برئاسة المكسيك في الانتخابات المقبلة، وهما ارتفاع الجريمة والفساد، ثم خطابه بإعادة الشرف والثقة للمكسيكيين، أمام هجمات الرئيس ترامب ضد المكسيك. وكشف آخر استطلاع للرأي العام، نشر نهاية الأسبوع الماضي، حصول أوبرادور على 43% من الأصوات، متبوعا بالمرشح ريكاردو أنايا بقرابة 28% ثم خوسي أنتونيو مايدي بـ22%.
وعلاقة بالعامل الأول، تعتبر المكسيك من الدول التي تسجل مستويات قياسية في الفساد السياسي والإداري والمالي، وهذا ما جعل البلاد تسقط في الجريمة المنظمة وفقدان الأحزاب السياسية الكلاسيكية مصداقيتها. ويؤكد الخبراء أن رهان المكسيكيين في استطلاعات الرأي على أوبرادور هو انتقام الشعب من الطبقة السياسية والبحث عن بديل غير كلاسيكي. ولا يتردد البعض في مقارنة الرهان على أوبرادور، مثلما فعل الأووربيون في تصويتهم لصالح أحزاب يسارية راديكالية في إسبانيا واليونان، أو على حركات قومية مثل الجبهة الوطنية في فرنسا، أو التصويت لصالح إيمانويل ماكرون لرئاسة البلاد، بل تصويت الأمريكيين على دونالد ترامب لأنه مختلف عن المرشحين الكلاسيكيين للحزبين الديمقراطي والجمهوري.
وفي ما يتعلق بالعامل الثاني، أي مواجهة غطرسة دونالد ترامب، إذ جعل الرئيس الأمريكي، سواء خلال الحملة الانتخابية، أو منذ وصوله إلى الرئاسة من المكسيك هدفا لانتقاداته القوية، إلى مستوى البشاعة اللفظية باتهام المكسيكيين بأوصاف ونعوت سلبية للغاية. وانتقل إلى الأفعال، ومنها إرسال الحرس الوطني لحراسة الحدود، في انتظار بناء جدار عازل في جزء مهم من الحدود لمنع تسلل المهاجرين المكسيكيين. ويتعهد أوبرادور بجعل ترامب يحترم المكسيكيين، من خلال نهج سياسة الرد على انتقاداته، خاصة العشوائية منها، ومن خلال تطوير المكسيك لعلاقات مع دول وتجمعات أخرى مثل الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين.
ويسود قلق حقيقي في واشنطن من طموحات أوبرادور نهج سياسة ترمي إلى إعادة وضع المكسيك في الخريطة الدولية، وتنطلق أساسا من تطوير العلاقات مع روسيا والصين. وتفيد دراسات لمراكز استراتيجية مكسيكية أن السبيل الوحيد لجعل واشنطن تحترم المكسيك هو الانفتاح على الصين وروسيا. وتتخوف واشنطن من دور لروسيا في الانتخابات لتعزيز حظوظ فوز أوبرادور. ويعود تخوف واشنطن لوزن المكسيك، فالتبادل التجاري بين البلدين وصل سنة 2017 إلى 557 مليار دولار، ويشتركان في 3100 كلم من الحدود، وكل تواجد روسي، خاصة الصين، يهدد مصالح الولايات المتحدة.
ومن ضمن ما تخشاه واشنطن هو ألا تشكل مرحلة أوبرادو حالة خاصة، بل بداية تغلغل الفكر المعادي لها في مؤسسات المكسيك، وما قد يحمله هذا من انعكاسات سلبية ستستغله الصين وروسيا. فقد قال أوبرادور في حملته الحالية «سنجعل ترامب يحترم المكسيكيين»، وهو تصريح كاف للتكهن بمدى التوتر الذي ستشهده العلاقات بين مكسيكو وواشنطن في حالة فوز أوبرادو، وهو فوز أصبح أكثر من محتمل.
كاتب مغربي من أسرة «القدس العربي»
د. حسين مجدوبي
أتفق مع الكاتب، كل تغيير سياسي في المكسيك نحو اليسار سيزيل النوم من أعين المخابرات الأمريكية والبيت الأبيض. مقال رائع وتحليل ذكي
سيتم تزوير نتائج الإنتخابات كما جرى بسنة 2012 ! ولا حول ولا قوة الا بالله
ستصبح المكسيك البنت المدللة للصين و للروس لتكسير أنياب الأمريكان عبرها ووو
المكسيك و البرازيل و اندونيسيا من المرشحين ليكونوا ضمن العشرة الكبار في العالم مع عام 2030 متفوقة على كل الدول الاوروبية ما عدا المانيا. و السبب هو اقرار مبادئ الحرية و الديموقراطية و اللامركزية و بالتالي الاهتمام بالتعليم و العدل