تميزت الذكرى الأربعون لحرب رمضان المجيدة في السادس من تشرين الأول/ أكتوبر لعام 1973 بالمبالغة في الاحتفال بالانتصارات التي حققها الجيش المصري في تلك الحرب المشرفة. وبالتأكيد لا يستطيع أحد أن ينكر حجم البطولات العظيمة التي سطرها الجيشان المصري في الجبهة الجنوبية والسوري في الجبهة الشمالية. لقد قلبت تلك الحرب، خاصة في بدايتها، كثيرا من الموازين الدولية والنظريات العسكرية والمسلمات المستقرة في المخيال الجمعي للعرب أولا وللصهاينة ثانيا. ولكننا نود في البداية أن نؤكد ونكرر التأكيد على أن هناك وحدات من الجيش العراقي قاتلت ببطولة على الجبهة السورية، ووحدات من القوات الجزائرية والليبية والسودانية والمغربية والتونسية قاتلت على الجبهة المصرية، وقوات من جيش التحرير الفلسطيني وفصائل المقاومة وسعت عملياتها لتشمل كافة الأراضي المحتلة، وصل عددها إلى 106 خلال الـ17 يوما من القتال، شملت 44 مستوطنة وأدت إلى مقتل 20 شخصا، من بينهم ستة جنود كما ذكرت غولدا مائير في جلسة الكنيست يوم 23 أكتوبر 1973.
ومن المهم أيضا أن نتذكر أن الموقف العربي الشامل المتضامن مع الجيشين المصري والسوري، خاصة قيام الدول النفطية مثل الكويت والسعودية بقطع إمدادات النفط عن الدول الغربية الداعمة للكيان الصهيوني، ونتذكر كذلك الموقف المبدئي الذي قام به المرحوم الملك فيصل في دعم مصر وسورية، والذي دفع ثمنه غاليا في ما بعد، كل ذلك أدى إلى تعديل موازين القوى لصالح العرب، كان يمكن أن يفتح صفحة جديدة من النهضة الشاملة.
لكن تلك الانتصارات على عظمتها لم تعمر طويلا ولم تترجم على أرض الواقع تحولا استراتيجيا لنهضة الأمة واسترداد حقوقها المغتصبة، فقد استعجل الرئيس السادات في جني ثمار تلك اللحظات التاريخية منفردا، وبالتالي قطع الطريق على الأمة لتحقيق نتائج مشرفة أوسع بعد تلك الحرب. فلم يمض على تلك الحرب إلا نحو أربع سنوات حتى تمت بعثرة كافة النتائج الإيجابية التي أفرزتها وانتهت إلى خسائر كارثية لم تنهض بعدها الأمة إلى غاية هذه اللحظة. ومن المفارقات الغريبة أن نرى الجيشين المصري والسوري أثناء إحياء المناسبة الأربعينية في حالة صراع داخلي مع ما يسمونه بـ’العناصر الإرهابية’، فيسقط في مصر نحو 53 ضحية ويسقط في سورية أكثر من هذا العدد، وبالتالي نستطيع أن نرى بكل وضوح أن بنادق تلك الجيوش المخصصة أصلا لحماية الحدود وتصويب البنادق نحو العدو الاستراتيجي تستخدم الآن في ضبط الأوضاع الأمنية الداخلية بالرصاص الحي لمن يعارض النظام القائم بغض النظر عن ماهية النظام.
خروج مصر
من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي
نتيجة لحرب أكتوبر المجيدة قطعت العديد من الدول علاقاتها مع إسرائيل، وتم الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني في مؤتمر الرباط عام 1974، وانتخب وزير خارجية الجزائر آنذاك رئيسا لدورة الجمعية العامة، حيث وجهت دعوة لأول مرة لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية الراحل ياسر عرفات وعومل معاملة رؤساء الدول قبل أن تنقضي سنتان على عملية ميونيخ وسنة واحدة على عملية السودان، فخاطب المجتمع الدولي مسنودا بأمته العربية، ملوحا بالغصن الأخضر وبندقية الثائر، ثبت بعدها بند فلسطين في جدول أعمال الأمم المتحدة بعد غياب دام 24 سنة. تم إدخال اللغة العربية لغة رسمية في الأمم المتحدة، حيث أصبحت المجموعة العربية في الأمم المتحدة أقوى المجموعات الجغرافية لدرجة أن أحد المندوبين الأجانب قال: لو أراد العرب يومها طرد إسرائيل من الأمم المتحدة لما وجدوا أية صعوبة. وبفضل انتصارات أكتوبر والتضامن العربي الحقيقي، استطاع العرب أن يمرروا قرار 3236 الذي يقر بحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة، وحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم الأصلية التي طردوا منها حسب منطوق القرار 194 لعام 1948، وحق الشعب الفلسطيني باسترداد هذه الحقوق بكافة الوسائل، وهو ما اعتبر تصريحا أو تلميحا بحق استخدام الكفاح المسلح. استمر التضامن العربي لسنة إضافية فاتخذت الجمعية العامة أخطر قراراتها عام 1975، عندما اعتبرت الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية، الذي أصاب الفكر الصهيوني في مقتل وقرروا آنذاك أن يعملوا بكافة الوسائل لإلغائه وشطبه نهائيا، وهو ما تحقق لهم عام 1991 على إثر غزو العراق للكويت وانهيار جبهة التضامن العربي بعد اتفاقية كامب ديفد وخروج مصر من موقع قيادة العالم العربي وانتقالها إلى الصف الأمريكي الإسرائيلي.
إذن فالنصر الذي حققه العسكريون باعه السياسيون بثمن بخس، فقد جاء توقيع اتفاق كامب ديفيد 1979 بمثابة الزلزال الذي خلخل كل أركان الأمة من محيطها إلى خليجها وساوم على سيادة مصر ودورها وقيادتها ومستقبلها. أمة أضاعت الطريق ولم تهتد إليه منذ ذلك اليوم. بدأت بعدها فورا الحروب عبر الحدود والحروب البينية. تعمقت الحرب الأهلية في لبنان – وبدأت الحرب العراقية الإيرانية في ايلول/سبتمبر 1980. إسرائيل من جهتها شعرت الآن بحرية الحركة والقدرة على العربدة والاستعراض الفظ للقوة بعد تحييد الجبهة المصرية. ففي عام 1981 ضمت رسميا القدس وأعلنتها مدينة موحدة وعاصمة أبدية لإسرائيل وألحقت هضبة الجولان بمنظومتها القانونية وقامت الطائرات الإسرائيلية بضرب المفاعل النووي العراقي. وفي حزيران/يونيو عام 1982 غزت إسرائيل لبنان ووصلت العاصمة بيروت ورحلت أو رُحلت م.ت.ف. وتوزعت في أكثر من ثماني دول. التضامن العربي بدأ يتآكل وتحولت الأنظار إلى ما سمي الجبهة الشرقية، وتقزمت الدول والقيادات وانتشر الفكر المتطرف وأصبح تحرير أفغانستان أهم من تحرير القدس، وتحول الفكر القومي العربي إلى ‘دقة قديمة’ وانتشر الفكر الوهابي المغرق في تخلفه.
بعد مقتل السادات في الذكرى الثامنة لحرب أكتوبر المجيدة وتسلم مبارك دفة الحكم دخلت مصر مرحلة الموات الشتوي وانعدام الوزن، وتسلق الفئات الأكثر فسادا إلى مراكز القوة، وتم تبذير كل مصادر القوة المصرية والتركيز على الاستثمار السياحي والاستهلاكي. في عهد مبارك تم نقل مصر من الأمركة الساداتية إلى الأسرلة، وتحولت مصر من رصيد إستراتيجي لأمتها العربية إلى رصيد إستراتيجي لأعداء أمتها. أما الجيش المصري فقد ارتبط وبشكل مطلق مع الجيش الأمريكي وحول عقيدته القتالية تماما وأصبح يتلقى مساعدات تصل إلى 1.3 مليار دولار سنويا. وكي يضمن مبارك ولاء الجيش حول قياداته الرئيسية إلى شركاء في الاقتصاد وأغرقهم بالمزايا والحوافز حتى أصبحت مؤسسة الجيش عبارة عن جهاز إنتاجي كبير يصنع الثلاجة والمكيف والماء المعدني والمنتجعات السياحية.
ثورة 25 يناير
ومحاولة تصحيح التاريخ
في العقد الأول بعد الألفية الثانية أصبحت الأمة العربية ‘ملطشة’، فبينما بقي مبارك مختبئا في شرم الشيخ شنت إسرائيل ثلاث حروب على فلسطين ولبنان، واحتلت الولايات المتحدة العراق وعملت على تمزيقه طائفيا حتى لا تقوم له قائمة، وقامت إثيوبيا باحتلال الصومال. أما السودان فقد تم تقسيمه أمام عيني مبارك الذي كان همه أن ينتقم من البشير. تغولت الطائفية البغيضة وكثرت الصراعات الداخلية وانتشر الفكر المتطرف واستهدفت الأقليات وانتصر الفكر الهابط وأثرى المتسلقون والمهربون وكثر كتاب السلاطين وزورت الانتخابات وهمش الشباب وانحدر مستوى التعليم وكثرت قنوات الخلاعة التي تعمل على حرف الشباب عن مهماتهم الوطنية، وانتشرت الفتاوى الهجينة وتم تهميش القضية الفلسطينية عن عمد بعد أن تم التلاعب في أولويات الأمة. كل هذا حدث في غياب ‘أم الدنيا’ حيث أصبحت الأمة العربية كالسفينة الضائعة في اليم بدون ربان تشرق وتغرب بدون بوصلة، وخرجت إسرائيل من كل هذا بأكبر الغنائم تحاصر المدن وترفع أعلامها في العواصم وتستقبل فرقها في الملاعب وتعلن وزيرة خارجيتها تسيبي ليفني الحرب على غزة من القاهرة يوم 26 كانون الأول /ديسمبر 2008. يدخل الإسرائيلي مصر بلا تأشيرة بينما يهان الفلسطيني بشكل ممنهج أثناء مروره مضطرا عبر الحدود أو الموانئ المصرية. كان في الماضي لاجئون فلسطينيون فأصبح للعرب لاجئون عراقيون وسوريون ولبنانيون وسودانيون وصوماليون وصحراويون. وفي المحصلة تحولت مصر إلى عراب للمشاريع الإسرائيلية الأمريكية ومراسل رخيص بين السلطة الفلسطينية والكيان الإسرائيلي.
إذن لم يكن هناك من بديل إلا الثورة، الثورة الشاملة العادلة النظيفة الشريفة التي يقودها أصحاب المصلحة في التغيير في كل بلدان الفساد والطغيان الأعمى وتكلس القيادات لسنين تصل الثلاثين أو الأربعين مع تأهيل الأولاد المدللين لاستلام مواقع والديهم ‘بعد عمر طويل’. لهذا قامت ثورة الياسمين وثورة ميدان التحرير وثورات ميادين العواصم العربية الأخرى. حاولت أنظمة الفساد أن تتشبث بالسلطة إلا أن الملايين من أبناء الشعوب المقهورة كانت أقوى فأطاحت بالطغاة واحدا تلو الآخر، إلى أن بدأت تحاك المؤامرات من نفس الذين تآمروا على ثورة جمال عبد الناصر وجروها إلى معارك جانبية وشبكوا مع أعداء الأمة لتفريغها من مضامينها العظيمة. ها هم نجحوا مرة أخرى بحرف الثورات عن مسارها أو إغراقها في الدم حتى لا يصل لهيبها إلى رمالهم ومناطقهم المهمشة.
هذه الذكرى المهمة تأتي وكلا البلدين يعيش مرحلة صراع داخلي حول رؤيتين متناقضتين: الرؤية الشعبية الشبابية العلمية، التي تسعى إلى بناء الدولة المدنية الحديثة القائمة على التعددية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون وحرية التعبير والتجمع وشفافية الانتخابات ونزاهتها، والمنضبطة كلها لدستور أقرته الغالبية الساحقة من الشعب يحدد مهمة الجيش في الدفاع عن الوطن وحدوده، من دون تدخل في السياسة لا من قريب ولا من بعيد، ورؤية ثانية تمثلها شرائح عليا من المجتمع الاستهلاكي والملتفة حول نظام طاغية أو مجموعة طاغية تسعى لتحقيق مصالحها وتثبيتها إلى الأبد عن طريق استخدام العصا الغليظة للجيش المنسحب من الحدود، الذي يقوم بمهمة مطاردة النساء والأطفال والطلاب والمدنيين العزل وقتلهم أو سجنهم من دون محاكمة أو مساءلة أو خوف. ألا تعني إذن المبالغة في الاحتفالات تغطية متعمدة لواقع مر وتعمية عن الانحراف عن أهداف الثورات السلمية المجيدة التي لو قدر لها أن تنجح تماما لأعادت الاعتبار لما كانت تمثله وما يجب أن تبقى تمثله حرب أكتوبر المجيدة.
*أستاذ جامعي وكاتب عربي مقيم في نيويورك
لو أن حرب أكتوبر/رمضان1973 سارت كما كان مخطط لها،لحققت مصر ومن وراءها الأمة العربية أول نصر ناجز على العدو الصهيونى. الجيش المصرى الذى قام القائد الخالد جمال عبدالناصر بإعداده لمعركة التحرير،كان جاهزا ومتحفزا للقتال بصورة لم تحدث من قبل. لا داعى لسرد ما قام به القائد الخالد عبدالناصر فى إعداد الجيش من حيث الجنود والمعدات الحديثة،وما تم فى عهده من تدريبات للعبور ولكن تدخل القدر الذى لا مرد لمشيئته غيب عبدالناصر عن قيادة المعركة. تسلم القيادة بعدها الرئيس السادات،الذى أخذ يماطل ويماطل فى العبور حتى أجبر على أخذ القرار. كان الإتفاق بيه السادات والأسد على العبور وتوقف الجيش المصرى عند المضائق،ولكن السادات ولغرض فى نفسه،وبدون إعلام شريكه فى الحرب،توقف بعد العبور الى الضفة الشرقية للقنال وسماها يومها وقفة تعبوية وبالحقيقة كانت وقفة لتدخل أميركى يقلب النصر الى هزيمة.وهذا فعلا ما حصل،وبدون الدخول فى التفاصيل ، تدخلت أميركا وأمدت العدو بالرجال والسلاح، وحدثت الثغرة التى أوصلت العدو الصهيونى الى مشارف القاهرة. إتضح بعدها أن هذا ما كان يريده السادات عندما أعلن أن 99% من الأوراق بيد أميركا،وسلم السادات مصر كلها للصهيونى الداهية هنرى كيسنجر ليتصرف بمصير مصر والعرب من بعدها كما يشاء، حتى كانت إتفاقية كامب دافيد التى سلخت مصر عن عالمها العربى وجعلها حليفة قوية لإسرائيل وأعلن السادات أن حرب أكتوبر تعتبر آخر الحروب وهذا ما حصل فعلا. بعدها قامت إسرائيل بالإستفراد بلبنان ومنظمة التحرير وإحتلت بيروت وطردت منظمة التحرير منه ومصر الدولة الرئيسية فى العالم العربى تكبلها إتفاقية كامب دافيد اللعينة. تم بعدها إغتيال السادات وترؤس مبارك مصر التى أصبحت فى عهده أكثر خضوعا للكيان الصهيونى وأميركا حتى قام أحد قادة إسرائيل بإطلاق مسمى كنز إسرائيل الإستراتيجى على مبارك اللعين! كان عهدى السادات ومبارك أكبر لعنة على الأمة العربية…
حسبنا بالله ونعم الوكيل هذا كل ما نقدر أن نقول ومن أحسن وأقوى من الله أن نحتسبه ونعم المجيب الصبر طيب ولا حول ولا قوة إلا بالله والسلام عليكم