«نخبة» الأردن… وضعية «الصامت»

يضغط سيناريو «التغيير الوزاري» على الأعصاب الحيوية للأردنيين مجددا بعد حالة تبادل اللوم السياسي التي تفاعلت إثر الصورة الأخيرة التي ظهر بها رئيس الوزراء ـ شافاه الله وعافاه ـ تحت قبة البرلمان.
يجيد الأردني بطبيعته ممارسة التسلية بالتحدث عن «تغييرات» في المناصب العليا.
وقد تطور بالون النقاش الفارغ حول الأسماء إلى حالة ذهانية فصامية مرضية وسط النخب تعلي من شأن «تدوير النخب» على حساب منهجية المعالجات في الوقت الذي يفقد فيه المواطن البسيط ثقته بالجميع.
مؤخرا اشتممت نفس الرائحة القديمة…فلان سيأتي وعلان سيغادر والقوم منشغلون بالأسماء في تكرار مضجر وممل لطقس أشبه بتلك الطقوس الافريقية التي لا أحد يعرف أصلها وهدفها.
ما الذي يتعين فعله أردنيا حتى نقتنع أن التغيير الوزاري في بلادنا يشبه تماما «الموت المفاجئ»..لا يستطيع أحد توقعه.
ما الذي ينبغي ان نجربه كأردنيين حتى نقتنع بان تغيير الاسماء قد لا يكون أكثر من لعبة بديلة عن اللعبة الاساسية بهدف تمرير الوقت بإنتظار»الإقليمي والدولي» وفي بعض الأحيان «الإسرائيلي».
خطابي موجه إلى الذين يضعون «الماكياج» حاليا على أساس أنهم ضرورة وطنية.. «اطمئنوا» قواعد اللعب المتبعة تقول: لا تغيير قبل الاطمئنان لـ«البديل».
وما دام البديل غير «أصيل» بعد لا نزال بانتظار «غودو» الذي لن يأتي قريبا.
ومن يراقب المراقبين في العمق وخلف الستارة يعلم أن عملية التلقيح السياسي لا تزال مستمرة فمن غير المعقول أن يفلت الرئيس الملقي وقد انضم للنادي وحقق حلمه بالحصول على لقب «دولة الأخ» بدون «إكمال الواجب».
المعلومة الأحدث: صعوبة حصول تغيير وزاري قبل تمرير قانون الضريبة الجديد أو قبل رفع المزيد من الأسعار والضرائب في نهاية العام الحالي فالحاجة ملحة لنحو 250مليون دينار اضافية مع منتصف الشتاء المقبل… ويبدو أن التغيير الوزاري «غير ملائم» لأن أجندة الحكومة الحالية لم تكتمل بعد.
ذلك استهلال طيب يصل إلى حد الاستعباط البيروقراطي لأن المسألة بكل حال لا علاقة لها بمن سيأتي او سيغادر فالقصة كانت ولا تزال «أعمق بكثير».
لكن النقاشات العامة لا تحب العمق ليس لأن المخاطر في الأعماق كبيرة فقط، ولكن لأن الأعماق تريد من يجيدون الغوص من حيث المبدأ حيث النخبة الحالية «تنفيذية» ومن الصنف الذي يغرق في الشبر الأول من مياه الإقليم الضحلة ولا يجيد السباحة ولأن التجربة لم تنضج بعد.
يحب البعض أن يفهم مثل هذه «التلميحات» على أساس أنها رسائل ملغومة.. لكن مثل هذا الاستنتاج غير دقيق لأن مشكلة «الإصلاح الجذري والحقيقي» في الأردن لا علاقة لها فقط بالإرادة السياسية أو بأدوات الحاضر الخاملة الكسولة.
بل ايضا والأهم أزمة الاصلاح لها علاقة بالإنسان الأردني نفسه وبالمجتمع فهو ليس بموقع أفضل من موقع السلطة عندما يتعلق الأمر بالإيمان بالتغيير والاصلاح.
لدي دليل: بعد حوار «صادم» له علاقة بسلوك المواطن وليس السلطة إلتهم سؤال عملاق على شكل «كمين» معطيات دماغي:
أيهما موجع أكثر وطنيا.. مشهد مواطن ما يحرق غابة بأكملها لتعبئة «بك أب» أوشاحنة صغيرة بكمشة حطب يبيعها لأحد مترفي عمان العاصمة أم رمز للسلطة يلح على إنتاجية الإنكار لمشكلات الوطن؟
ليست «خرافة».. بل إخفاق جماعي وفشل مريع.. من أحرق شجرا نكاية بنتائج الانتخابات أو سرق مناديل ورقية من مرافق ملحقة بالمدرج الروماني أو من أصر على التحرش بأي «سائحة» ثم تظاهر وأحرق حاوية النفايات بدعوى الإقصاء التنموي والحرمان السياحي.
من اشترى «مقعدا» في البرلمان ومن عرض مقعدا مقابل «شقة في عبدون» أم من تظاهر على بوابة مدينته رفضا لأي محاولة قانونية تمنع ولده من الغش في امتحانات الثانوية.
من باع صوته ومن اشتراه… أيهما «أسوأ من الآخر» بين كل هؤلاء وهم جميعا أردنيون ينسجون القصائد في الولاء والانتماء عندما تلزم الحاجة لخطاب لغوي انشائي لا معنى له؟
لا معنى للحديث عن تغيير وزاري وأسماء وسط كل هذا الاخفاق الذي شارك به الجميع وبدون استثناء وسط القناعة بأنه يحسب للدولة وأجهزتها وقيادتها انها «عبرت بالبلاد» في أزمة الربيع العربي وبأقل الخسائر.
صمت النخبة واقامتها الطويلة في وضعية «الصامت» وتواطؤها لا يعفيها من مسؤولية «الولاء والانتماء».. نعم الحاجة ملحة وطنيا لـ«تحصين مؤسستنا» بالخطوة التالية التي كانت مقررة وتم «تأجيلها» بعد التعديلات الدستورية.. لنذهب وفورا بإتجاه انتخابات حرة ونزيهة فعلا وحكومة اغلبية برلمانية… لعل وعسى.
لابد من وقف الهدر في كرامتنا الوطنية وفي رصيد الدولة عند الناس والأهم وقف الفالت والمهدور في «مصداقية المؤسسات» عند المواطنين.
ولابد من الاستدراك الآن، فنحن نستحقه وهو ممكن وبقواعد لعب نظيف وبدون لف ودوران.
الاستدراك بالعودة الفورية لبرنامجنا الإصلاحي الأول خطوة في الاتجاه السليم على طريق حماية مؤسستنا ودولتنا والتسامح والتصافح واستعادة ذلك «الأردن الذي أحببناه» ولا نزال بمستوى «الكل فداه» وإن كان يحتاج منا وبإلحاح اليوم لإكمال مقطع الأغنية «.. وقد بايعناه» على أن نتفق على أن «شرعية الدولة» خارج الاستفسار أصلا والمبايعة بالأخلاق والعمل والانجاز وليس بترديد الأهازيج والهتاف الفارغ.
مرة أخرى ليست خرافة بل إجماعا وطنيا على الـ«لا وطنية».. اينك يا خيري منصور وأنت تسأل: أي غفران يرتجى بعد كل هذا العهر السياسي والشعبي والبيروقراطي؟

٭ إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»

«نخبة» الأردن… وضعية «الصامت»

بسام البدارين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود:

    روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
    من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.
    الساكت عن الحق شيطان أخرس ! ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول the man:

    التطوير..التحديث..المدنية..العصرنة..العلم، كل هذه المصطلحات من المستحيل ان تتطبق في الاردن، لأن الاردني-مواطن او مسؤول- يقول انه يحب بلده ولكنه لا يعمل اي شيئ يدل على هذا الحب، ولو المحافظة على نظافه مدينته، بل على العكس يخرب ويدمر في اقتصاد الاردن ومقدراتها بحجة أنه “ابن البلد” وهذا من حقه الطبيعي والموروث

إشترك في قائمتنا البريدية