عمان- «القدس العربي» : يمكن لأي مشارك في صناعة القرار الأردني اظهار ابتسامة سياسية صفراء عند قراءة الموقف الجديد للخارجية الأمريكية بعنوان التعهد بحماية دول المنطقة ومن بينها الأردن والعراق من تنظيم «الدولة» (داعش).
لذلك سبب بكل الأحوال فالدوائر الأمريكية أول من يعرف بأن ما يؤرق الأردني اليوم على الأقل وهو يراقب حدوده مع سوريا الوجود العسكري الميليشياتي الإيراني واللبناني أكثر بكثير من بقايا خلايا تنظيم «داعش» الذي لم يعد له وجود حقيقي على الأرض خصوصاً في المناطق التي يعتبرها الأردن حساسة وحرجة أمنياً وعلى طول أكثر من 20 كيلومتراً في عمق درعا وجوارها.
يعرف الأمريكيون أن «داعش» عملياً لم يعد في الجوار ولم يعد من الممكن ابتزازهم سياسياً وامنياً تحت هذا العنوان ليس لانهم الجهة التي تملك أكثر وأهم المعلومات في السياق. ولكن لأن عمان تتابع في الواقع كل صغيرة وكبيرة وتصر على بناء استراتيجيتها اليوم تجاه النظام السوري بالحياد فقط ومنع كل اسباب الاشتباك عسكريا مع العمق السوري.
رغم ذلك وعلى هامش استقبال العاصمة الأردنية لمايك بومبيو وزير الخارجية الجديد صدر عن واشنطن ما يحاول الإيحاء بأن المواجهة ضد داعش لا تزال مستمرة وبأن الأردن لا يزال في دائرة الخطر والحماية الأمريكية. لكن الأردن يقرأ النص هنا في اطار الاستهلاك السياسي والإعلامي وسواء تعلق الأمر بداعش أو غيره فإن خطوط الأردن الحمراء مفهومة وواضحة للجميع كما ابلغ «القدس العربي» الناطق الرسمي باسم الحكومة الدكتور محمد المومني وهو يصر على ان الامن الحدودي والوطني الأردني هو خط أحمر وعلى أن بلاده تملك كل الوسائل والتقنيات التي تمنع فعلاً عبور ولو فراشة من الحدود مع سوريا وبصورة غير شرعية.
يبرز التأكيد على مثل هذا الموقف في الوقت الذي تثير فيه السياسة الأمريكية في سوريا الكثير من الجدل والنقاش والتساؤل ولا يخفي دبلوماسيون غربيون بينهم أمريكيون شعورهم بأن سياسة بلادهم غير واضحة في المعادلة السورية. وعليه تدرك عمان بأن الحديث عن خطر داعش مجدداً مؤشر قوي على عدم وضوح الاستراتيجية الأمريكية. وبالتالي قد يكون تصريح وزارة الخارجية الأخير مقدمة لتبرير تثبيت أو التراجع عن الأفكار والمقترحات ذات الصلة ببقاء أو انسحاب القوات الأمريكية من سوريا.
وفي مقاربات مسؤول أردني بارز تحدث لـ «القدس العربي» لا يوجد مبرر للمبالغة والتهويل في مسألة الوجود العسكري الأمريكي في العمق السوري حيث ان عدد القوات الموجودة أصلاً قليل وغالبيتها معنية بمراقبة الحدود وبسلاح الجو. وذلك يعني أن الحديث عن حماية الأردن أو غيره من داعش أو شقيقاتها جملة دبلوماسية درامية قد تفسر الارتباك والعشوائية والارتجال وقد تعني التمهيد لانسحاب القوات الأمريكية القليلة أو التوطئة لبقائها.
وبالنسبة للأردنيين استراتيجيتهم في معادلة الجنوب السوري تحللت من تلك المخاوف المتعلقة بتنظيم داعش وترتكز على بعض الاهداف الأمنية العميقة. وأهم تلك الأهداف رغبة عمان في أن لا يتكرر ما حصل قبل سنين في حدودها مع العراق عند حدودها مع سوريا حيث تواجد في المقابل تنظيم الدولة لمدة عامين وبعد انسحابه حضرت ميلشيات الحشد الشيعي.
وبين الأهداف الأهم في المقابل معرفة كيفية تصرف النظام السوري اذا ما قرر العودة إلى الجنوب أو استعادتها. ويتحدث الأردنيون في مسألة الجنوب اليوم مع الأمريكيين وغيرهم عن خطوط حمراء هي فقط يمكن ان تؤدي للاشتباك العسكري أو التدخل.
وهي خطوط تنحصر في التسبب بضغط المزيد من اللجوء في اتجاه الأردن واقتراب قوات موالية لإيران أو حزب الله اللبناني وهي خطوط حمراء لا علاقة لها بقصة الانسحاب العسكري الأمريكي التي ترى غرفة القرار الأردني انها غير واضحة ولم تعد مهمة. ولتحقيق ذلك تسهر عمان بحرص شديد ليس على المراقبة فقط للحدود وما يعبر منها، ولكن لتثبيت سيناريو خفض التوتر وبقاء غرفة العمليات التنسيقية المشتركة مع روسيا فعالة ونشطة مع تحقيق ما يمكن من الاختراقات في تنشيط التفاعل الودي مع قوات الجيش السوري وحتى قنوات الأمن السورية التابعة للنظام وسط قناعة أردنية تامة بأن استقرار قوات موالية لإيران في جنوب سوريا سينتهي إذا ما صمت الأردن على توسع ظاهرة التشيع وبتأسيس جغرافيا فيها جيب لقوات مثل «حزب الله» أو الحشد الشيعي. وهو أمر لو حصل سيورط شمالي الأردن في صراع دائم ومفتوح بين إيران وإسرائيل. وعليه يبلغ الأردنيون جميع الأطراف بتشخصيهم وموقفهم ويحاولون لفت نظر النظام السوري بانهم معنيون بان لا يقرر الجيش النظامي استعادة درعا عسكريا ضمن سياسات انتقامية أو ثأرية أو تهجيريه. ولفت نظر روسيا إلى ان تثبيت سيناريو خفض التوتر مهمة ينبغي ان تستمر بالنجاح كما قال الملك عبد الله الثاني شخصياً ومرات عدة.
دون الاغراق في رهانات على الاستراتيجية السياسية العسكرية اللعوب للأمريكيين في المعادلة السورية تجنبا لأي مفاجآت. يحصل كل ذلك في الوقت الذي استقر فيه الأمر بالنسبة للمؤسسة العسكرية الأردنية في اتجاهين ملموسين هما تجنب أي مغامرة لها علاقة بإرسال قوات عسكرية إلى العمق السوري الا لأسباب أمنية أردنية فقط. وثانياً إظهار الرغبة مجددا في التعامل مع جيش نظامي ومؤسساتي يسيطر على الطرف المقابل من الحدود بعدما اختبرت المؤسسة العسكرية الأردنية بناء بعض خطوات الثقة مع الجيش النظامي السوري وبدت مرتاحة في بعض المفاصل أكثر بكثير من لحظات التفاعل والتعامل مع أي مجموعات مسلحة بما فيها الجيش الحر.
لم يبقى للعرب الا الحكي