قبل حوالي 800 عام من انتشار الحديث عن المارد الصيني، وغزو السلع الصينية الرديئة أو متوسطة الجودة للأسواق المحلية، كتب الأديب والإمام زكريا القزويني يصف أهل الصين، بأنهم أصلب الناس وأصبرهم على النار وأحذقهم في الصناعات الدقيقة التي لهم فيها يد باسطة، وأنهم لا يستحسنون شيئاً من صناعات غيرهم، ويرون فيه العيوب، وأنهم بالغوا في تدقيق صناعة النقوش، حتى أنهم يصورون الإنسان الباكي والضاحك، ويفصلون في ذلك بين ضحك السرور والخجل والشماتة، وأن بلادهم من أحسن بلاد الله وأنزهها، عرضها أكثر من طولها، كثيرة المياه والأشجار والخيرات، وأهلها أحسن الناس صورة، لكنهم قصار القدود عِظام الرؤوس، لباسهم الحرير وحليهم عظام الفيل والكركدن، ودينهم عبادة الأوثان ويقولون بالتناسخ.
يؤكد القزويني في مطلع كتابه «آثار البلاد وأخبار العباد» أنه سيروي «ما وقع لي وعرفته وسمعت به وشاهدته من لطايف صنع الله تعالى وعجايب حكمته المودعة» في الأرض، التي يقسمها إلى أربعة أرباع أحدها فقط مسكون، يقسمه بدوره إلى سبعة أقاليم، ينحصر فيها الناس بدون أن يكون لهم علم بحال بقية الأرض، لكنه لا يقول لقارئه كيف عرف أن بلاد الصين قلما يوجد فيها ذو عاهة كالأعمى، وأن الهِرة لا تلد فيها، وأن فيها إنساناً يصيح صياح القردة وله وبر كوبر القرد، ودابة مسك تخرج من الماء في كل سنة في وقت معلوم، لأنه يعرف أن قارئه لا يبحث عن دقة الإخبار، بل عن إمتاعه، ولذلك يأخذ راحته في الحكي عن البلاد البعيدة التي يصعب السفر إليها، في حين يأتي ما يكتبه عن البلاد القريبة منضبطاً وواقعي التفاصيل، فيضطر لتعويض القارئ بحكايات ممتعة عن مشاهيرها.
من أجمل ما يحكيه القزويني عن الصين، حكاية عن قرية فيها غدير ماء يجتمع أهلها حوله كل سنة ويلقون فيه فرساً ويمنعون الفرس الخروج منه، فيأتيهم المطر وحين يمطرون قدر كفايتهم ويمتلئ الغدير يخرجون الفرس ويذبحونه على جبل ويتركونه حتى يأكل منه الطير، فإن لم يفعلوا ذلك لم يأتهم المطر، وفي موضع آخر يتكئ على سلفه المسعودي، حين يؤكد وجود هيكل مدور له سبعة أبواب في داخله قبة عظيمة في أعلاها شبه جوهرة كرأس عجل تضيء جميع أقطاره، فشل كل من حاول أخذها من ملوك الصين، لأن من دنا منها قدر عشرة أذرع سقط صريعاً، وكذلك مات من حاول هدم الهيكل، الذي فيه بئر واسعة الرأس من أكب عليها وقع في قعرها، وعلى رأسه شبه طوق مكتوب عليه: «هذه البئر مخزن الكتب التي هي تاريخ الدنيا وعلوم السماء والأرض، وما كان فيها وما يكون، وفيها خزائن الأرض، لكن لا يصل إليها إلا من وازن علمه علمنا، فمن قدر عليه علمه كعلمنا ومن عجز فليعلم أنه دوننا في العلم».
تتضاعف شهية الحكي لدى القزويني حين يحكي عن الهند «الواسعة كثيرة العجائب التي هي أكثر أرض الله جبالاً وأنهاراً، وقد اختصت بكريم النبات وعجائب الحيوان»، والتي يحدد مسافتها بأنها ثلاثة أشهر في الطول وشهران في العرض، ومع ذلك «فأقصاها قلما يصل إليه أهل بلادنا» لأن من يسكنون في تلك البقاع «كفار يستبيحون النفس والمال»، وهي بلاد يوجد فيها حجر موسى الذي يوجد بالليل ولا يوجد في النهار، يكسر كل حجر ولا يكسره حجر، وفيها شجرة كسيوس ذات الثمار الحلوة التي يأكل منها الحمام فيغمى عليه وتأتي الحية لأكله، في حين لا تجرؤ على القرب منه إذا وقف على فروع الشجرة أو في ظلها، وفيها نبات البيش الذي لا يوجد إلا في الهند وفيه سم قاتل، أي حيوان يأكل منه يموت ويتولد تحته حيوان يقال له فأرة البيش، يأكل منه ولا يضره، وإذا أراد ملوك الهند الغدر بأحد جعلوا جارية تلد تحت النبات، ثم يفرشن منه تحت مهودهن زمنا، ثم تحت فراشهن وثيابهن ويطعمونهن منه في اللبن، حتى تصير الجارية لا يضرها إذا كبرت، ويبعثون بها مع الهدايا إلى من أرادوا الغدر به من الملوك فإنه إذا غشيها مات.
في الهند أيضاً كما يروي القزويني غنم لها ست مؤخرات موزعة على أنحاء جسدها، وفيها حيّات إذا لدغت إنساناً يبقى كالميت، فيشدونه على لوح ويلقونه في الماء الذي يذهب به إلى موضع فيه مستشفى يعالج الملدوغين ويرجعهم سالمين، وفيها جبل فيه عين ماء إذا هرمت طيور العُقاب تأتي بها أفراخها إلى العين وتغسلها في مائه، وتضعها في الشمس فيتساقط ريشها وينبت لها ريش جديد ويزول عنها الضعف وترجع إلى القوة والشباب، وفيها مدينة إذا دخلها غريب لم يقدر على المجامعة أصلاً، ولو أقام بها ما أقام فإذا خرج عنها زال عنه المانع ورجع إلى حاله، لكنه لا يذكر هل يقدر سكان المدينة الأصليين على المجامعة أم لا؟
يحكي القزويني عن بحيرة في أحد مواضع الهند ماؤها ينبع من أسفلها لا يأتيها شيء من الأنهار، فيها حيوانات على صورة الإنسان تخرج بالليل لتلعب على ساحل البحيرة وترقص وتصفق، وفيهم جوارٍ حسناوات، كما تخرج من البحيرة أيضاً حيوانات على غير صورة الإنسان، كل هؤلاء يجتمعون فيقعد الناس في الليلة القمراء على مبعدة من البحيرة لكي ينظروا إليهم، ولا يزعج ذلك مخلوقات البحيرة التي كلما كان الناظرون إليها أكثر، كان الخارجون من مائها أكثر، ثم يحكي عن أرض رمالها مخلوطة بالذهب، يمنع الناس عنه أن بها نوعاً عظيماً من النمل المفترس يأكل الدواب، وهو أسرع عدواً من الكلاب، لكنه حين يشتد الحر يهرب إلى الشقوق فيسارع الناس إلى أخذ الرمل ويجرون مبتعدين قبل خروج النمل من الشقوق.
من أطرف ما يحكيه القزويني في موضعين متفرقين، حديثه عن مجتمعين تسيطر عليهما النساء بالكامل، أولهما مدينة النساء الكبيرة واسعة الرقعة التي تقع في جزيرة في بحر المغرب، والتي يستشهد لإقناع قارئه بها بالطرطوشي الذي قال إنها «يقين لا شك فيها، وأهلها نساء لا حكم للرجال عليهن، يركبن الخيول ويباشرن الحرب بأنفسهن ولهن بأس شديد عند اللقاء، ولهن مماليك يختلف كل مملوك بالليل إلى سيدته ويكون معها طول ليلته، ويخرج مستتراً عند انبلاج الفجر، فإذا وضعت إحدهن ذكراً قتلته في الحال وإن وضعت أنثى تركتها». أما ثانيهما فهو جزيرة النساء الواقعة في بحر الصين، وفيها نساء لا رجل معهن أصلاً، يُلقّحن من الريح ويلدن النساء فقط، «وقيل إنهن يلقحن من ثمرة شجرة عندهن يأكلن منها فيلقحن ويلدن نساء»، حكى بعض التجار أن الريح ألقته إلى هذه الجزيرة، فرأى نساء لا رجال معهن، ورأى الذهب في الجزيرة مثل التراب، ورأى منه قضباناً كالخيزران، فهمت بقتله النساء وحمته امرأة منهن، وحملته على لوح وسيّبته في البحر، وحين ألقته الريح إلى بلاد الصين، أخبر حاكم الصين بحال الجزيرة وذهبها فأرسل حملة تبحث عنها طيلة ثلاث سنين ففشلت في العثور عليها، ليتأخر ظهور المارد الصيني كل هذه السنوات، ويبقى ذهب الجزيرة لنساء الجزيرة.
….
ـ «آثار البلاد وأخبار العباد» للإمام زكريا بن محمد القزويني ـ دار صادر
٭ كاتب مصري
بلال فضل
كنت قد سمعت عن جزير للنساء و انا صغير اتابع بشغف سلسلة
–
اذاعية تحكي مغامرات “سيف ذو”يزن ” لما وصلها البطل ذو يزن
–
وقع في ورطة فهو ان غزاها سيذكره التاريخ كمستبسل غاز للنساء
–
اما اذا اذاقته نسوانها الهزيمة فالتاريخ نفسه سيلحق به العار و هو مندحر
–
بسيوفهن
–
تحياتي