إسطنبول ـ «القدس العربي»: تكتسب مدينة اسطنبول أهمية تاريخية استثنائية في الانتخابات التركية كونها أكبر المدن من حيث عدد السكان وتتميز بتركيبة مُعقدة تجعل منها «تركيا مُصغرة» تعطي مؤشراً حاسماً على الفائز في الانتخابات العامة، فمن يفوز في إسطنبول يفوز في الانتخابات التركية العامة.
وحسب آخر الأرقام الصادرة عن هيئة الإحصاء التركية، فإن عدد سكان البلاد بلغ مع نهاية العام الماضي 80 مليوناً و810 ألف نسمة، يعيش منهم في مدينة اسطنبول لوحدها أكثر من 15 مليون، أي ما يعادل 18.5٪ من مجموع عدد سكان البلاد. لكن الأرقام غير الرسمية تقول إن سكان سادس أكثر مدن العالم ازدحاماً أكثر من ذلك بكثير.
وحسب تقديرات غير رسمية فإن إسطنبول تحتوي على قرابة 22٪ من أكثر من 51 مليون من الذين يحق لهم التصويت في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المبكرة التي ستجري في الرابع والعشرين من يونيو/حزيران المقبل وتعتبر «تاريخية» ومصيرية لجميع الأحزاب التركية ومستقبل البلاد.
وحسب قانون الانتخابات الجديد الذي عُدل بموجب النظام الرئاسي الجديد، أصبح عدد نواب البرلمان التركي 600 عضواً، ما رفع نصيب مدينة اسطنبول إلى 98 مقعداً منها، ما يعني سدس عدد مقاعد البرلمان التركي وهي نسبة قادرة على حسم الأغلبية في البرلمان المقبل.
ومنذ سنوات طويلة، يتمكن الحزب الذي يحصل على أعلى أصوات في مدينة اسطنبول على أعلى نسبة أصوات في عموم البلاد، وذلك بسبب كونها أكبر المدن التي تحتوي على أعداد الناخبين بالإضافة إلى أنها تتمتع بتمثيل حقيقي لجميع الأحزاب والتوجهات السياسية والعقائدية والفكرية تجعل منها ممثلاً للشارع التركي بشكل عام. لكن الاستفتاء الذي جرى في مايو/ أبريل من العام الماضي على التعديلات الدستورية والنظام الرئاسي شهد مفاجئة غير متوقعة للحزب الحاكم عندما تفوقت أصوات المؤيدي لخيار «لا» على أصوات «نعم»، ورغم أن هذا التفوق كان بفارق ضئيل جداً إلا أنه اعتبر بمثابة تحول كبير واستدعى تحذيرات كبيرة من قادة الحزب وعلى رأسهم أردوغان الذي دعا لإعادة ترتيب صفوف الحزب بالمدينة.
وتضم اسطنبول أحياء غنية وراقية كـ«بيشيكتاش» و«بي أوغلو» تشتهر بمعارضتها لأردوغان، ومناطق يغلب عليها الإلتزام الديني تؤيد أردوغان بشدة وأبرزها «الفاتح» و«بشاك شهير»، وما زالت تغص أطراف إسطنبول بالقرى الفقيرة المؤيدة له، والعديد من الأحياء المختلطة التي تشكل في مجملها نموذجاً مصغراً عن الشعب التركي وتوجهاته السياسية.
ويعول حزب العدالة والتنمية على ترويج إنجازاته في المدينة لإقناع السكان بانتخابه مجدداً حيث يتفاخر الحزب بأن حكوماته أنجزت ما يطلق عليها «المشاريع المجنونة» ومنها الجسور على مضيق البوسفور وجسر عثمان غازي ونفقا مرمراي وأوراسيا اللذان يمران من أسفل مضيق البوسفور إلى جانب مطار إسطنبول الثالث الذي سينتهي بناؤه قريباً، ومشرع قناة اسطنبول الذي سيبدأ العمل عليه قريباً، إلى جانب تطوير الخدمات العامة بالمدينة.
وتولي جميع الأحزاب أهمية خاصة لمدينة اسطنبول التي تقوم فيها بالكم الأكبر من حملاتها الانتخابية، حيث أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأحد، من وسط اسطنبول «بيان الانتخابات» على هامش مشاركته في المؤتمر العام لحزب العدالة والتنمية في المدينة.
وفي بداية كلمته شدد أردوغان مجدداً على أن إسطنبول هي تاريخ وقوة تركيا وأن من يتمكن من الفوز فيها يفوز في عموم تركيا، حاثاً الأطر القيادية والشبابية التابعة للحزب الحاكم في إسطنبول على العمل بقوة من أجل حسم أصوات المدينة. وتحت عنوان «إرادة. فضيلة. شجاعة. مبادئ» قدم أردوغان وعوداً واسعة للناخبين في حال نجاح حزبه بالانتخابات المقبلة، متعهداً بتوسيع الحريات وتحسين الاقتصاد والخدمات وتقوية نظام الحكم والقضاء والرقابة وغيرها.
وقال أردوغان، إن حزب العدالة والتنمية، ساند منذ انطلاق مسيرته الديمقراطية والحرية والعدالة وسوف يبقى على هذا النهج في المستقبل، مشدداً على أن حزبه «وإذ يتمسك بالديمقراطية والحرية والعدالة يعمل على زيادة قوة تركيا والحفاظ على سيادتها». وأضاف أن تركيا لم تتخلّ عن هدفها المتعلق بالانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، متعهدًا بتحقيق قفزة متميزة في مجال الاقتصاد.
واعتبر أن «وجود إرادة قوية في تركيا أحبط عمليات رسم الحدود ونصب المكائد القذرة وفرض الأمر الواقع في المنطقة»، لافتًا إلى أن العمليات «العسكرية وراء الحدود مكنت بلاده من تحطيم ممر الإرهاب (في شمال سوريا) وتحييد الإرهابيين في أوكارهم»، وتوعد بمزيد من العمليات خارج حدود تركيا.
وفي الجانب الاقتصادي، قال: «حكومات العدالة والتنمية حققت أرقامًا قياسية في الاقتصاد، رغم تحرك جبهات الشر ضدنا، لكننا حافظنا على الأمانة التي وضعها شعبنا في أعناقنا، وأفشلنا خطط الخونة. لقد أسسنا نهضة تركيا بالفضيلة والإرادة والشجاعة»، ووعد بمكافحة الفساد وخفض الدين العام ونسبة التضخم وتعزيز الرفاهية للمواطنين.