الأمن يعلنها: «بلغ السيل الزبى»… هوس الأردنيين بالتفاعل الإلكتروني يرهق الدولة و«الذباب الإلكتروني» يقلق المجتمع

عمان – «القدس العربي» : تسجل مديرية الأمن العام الأردنية سابقة هي الأولى من نوعها في عهد مديرها الجديد الجنرال فاضل الحمود عندما تعلن فيما يخص التفاعل الإلكتروني الاجتماعي أن «السيل بلغ الزبى». تلك عبارة لها ما لها سياسيًا ولم يسبق أن وردت في نظام الشفافية الذي يتبع الأجهزة الأمنية.
وهي عبارة تعكس بكل حال ضيق المؤسسة الأمنية من الأعباء الثقيلة التي تنتج عن الممارسات المنحرفة للأردنيين على وسائط التواصل الاجتماعي حصرياً. طبعاً تنطوي تلك الجملة التكتيكية على تهديد مباشر له علاقة بتلك الفبركات التي تؤدي إلى زيادة مستوى العنف الاجتماعي بسبب إدمان الأردنيين المزمن على التفاعل مع وسائط التواصل الاجتماعي.
ورغم أن الجملة تعاملت مع وصول الفبركات إلى التجرؤ على تزوير تصريح ووضع صورة الملك عبد الله الثاني شخصياً عليه بخصوص الأزمة العشائرية التي شغلت الجميع مؤخراً وقررت سلطات الادعاء حظر النشر فيها على خلفية ما سمي بجريمة شارع مكة. وتعهد البيان الأمني بتفعيل قانون الجرائم الإلكترونية والمحاسبة الصارمة لمن يخالف القانون إلكترونياً والتهديد بالوصول اليه والقبض عليه وتحويله إلى السلطات القضائية المختصة.
لذا ترزح الوحدة المتخصصة في الأمن العام في إدارة جرائم ومخالفات الشبكة تحت ضغط عنيف من العمل وتواجه تحديات كبيرة وتحتاج إلى كوادر اضافية تحتوي تلك الحالة المتفاعلة والتي تنمو بشكل خطير ومقلق في الأردن تحت عنوان « قيادة اتجاهات المجتمع من قبل وسائط التواصل الاجتماعي». وصلت الجرأة فعلاً إلى حد فبركة تصريح مع استخدام اسم المرجعية الملكية .. تلك الوقاحة الإلكترونية نادرة وتثبت حسب الخبراء مرة أخرى أن الكثير من الأزمات الصغيرة في البلاد تنمو وتكبر بسبب قضاء الأردنيين ساعاتٍ طويلةً من يومهم وهم يتابعون كل صغيرة وكبيرة على الشبكة الافتراضية.

تصوير من كل الزوايا

ساعد في ذلك ميل وانحراف الأردنيين الشديد نحو تصوير كل شيء عبر الهواتف المحمولة وهو أمر بدأ يضايق الجميع كما يلاحظ الناشط النقابي فتحي العمرو خصوصاً مع ما يفرضه هذا الشغف الهوسي بتصوير كل شيء والجميع وفي كل الأوقات من انتهاكات واعتداءات على تلك الخصوصية التي تقترن بالعادة بمسؤولية النشر والبث. ما يعكسه البيان الأمني المشار اليه هو مستوى الضيق الذي وصلت إليه مؤسسة صناعة القرار بعدما أصبح كل شيء متاحاً للعلنية بسبب هوس الأردنيين بالتقاط الصور ومن كل الزوايا وفضح كل ما يجري ويقال وفي أي مكان. وتتعاظم المشكلة وتصبح أكثر تعقيداً حسب مصدر أمني أردني تحدث لـ «القدس العربي» بسبب عشرات الفضوليين ومنتحلي مهنة الإعلام الإلكتروني والذين يسارعون لنشر ما تلتقطه الكاميرات او ما يخطر في ذهنهم فجأة وعلى كل المنابر. تلك مشكلة تعتبر اليوم بمثابة التحدي الثاني لأجهزة الدولة الأردنية بعد الأزمة المالية والاقتصادية – يقول المسؤول نفسه – إن الأزمة لا تكمن بوجود المشكلة فقط.
ولكن بصعوبة الخيارات أمام مؤسسات القرار عندما يتعلق الأمر بمواجهتها حيث ثمة كلف للقيود التشريعية وثمة صعوبات تقنية معقدة ونصوص الأخبار والمعلومات والتعليقات المثيرة للفتنة والكراهية تمتلك زمام المبادرة وتؤدي إلى إفلات التفاصيل في الوقت الذي تجد فيه الخلايا الإلكترونية المشكلة في أكثر من مساحة ومؤسسة صعوبات بالغة في انتاج الروايات التي تلتهم السلبي وبتوقيت مناسب.
خاضت «القدس العربي» في نقاش حول هذا الموضوع مرات عدة وفي بعض زوايا القرار العميقة لان السلطة تبدو حائرة في مواجهة تراكم الأزمات التي تنتج عن شغف الأردنيين الغريب بتداول المعطيات وأشرطة الفيديو والروايات السلبية. وتقر بعض المستويات الرسمية اليوم بأن جزءًا من مسؤولية فوضى التفاعل الاجتماعي الإلكترونية يرتبط باجتهادات واتجاهات سابقة لاجهزة رسمية عدة حاولت الاستثمار في وسائط التواصل الاجتماعي ضد الرأي السياسي احياناً وضد المعارضة احياناً اخرى وفي اطار نظريات التفريق داخل المجتمع للإعلاء من شأن الاعتبار الأمني.

استحالة السيطرة

ذلك الاستثمار كان خطوة نحو الأسوأ عمليا لأن دوائر القرار تعاني اليوم من استحالة السيطرة على إيقاع الشبكة الإلكترونية وسط قناعة الناس العاديين بان النتائج تكون مثمرة أكثر عند النشر والبث والتوثيق والتفاعل وتصفية الحسابات عبر الشبكة حيث طرق ارسال وتوجيه المعلومات بتقنية أسرع. وحيث الاستمتاع ولو قليلاً بإرباك المسؤولين أو تصفية الحسابات مع الحكومة ومؤسساتها او الاستثمار في السقف غير المحدود عبر عمليات التحايل على القانون بواسطة صفحات التواصل الاجتماعي التي أصبحت المصدر الأول للخبر في حسم اتجاهات الرأي العام . اللافت في السياق أن حالة الذباب الإلكتروني التي استعيرت من تجارب مجاورة وطبقت في بعض التفصيلات انتهت بانفلات وانقلاب حتى على الرواية الرسمية.
واللافت أكثر أن مشكلة التعاطي الإلكتروني في الأردن لها علاقة بمفهوم المواطن المراسل اليوم أو المواطن الصحافي والذي يدعي الحرص على النشر والحقيقة ولها علاقة أيضاً بمكاسب الأفراد وبإخفاق مؤسسات الإعلام الرسمي ومعها المؤسسات النقابية في السيطرة على الإيقاع في عمق الشبكة في الوقت الذي تستخدم فيه أحزاب المعارضة التقليدية ومؤسسات المجتمع المدني وسائط التواصل الاجتماعي بانضباط شديد وعقلانية.
تثبت مسارات الأحداث اليومية في الأردن أن المجتمع أيضاً يدفع كلفة انفتاح التواصل الاجتماعي لكن مكاسبه العامة والمصلحية ينبغي أن لا تكون هدفاً لشبكة القيود التي تفكر بها أجهزة الدولة الأمر الذي بدأ يحتاج فعلاً لمقاربة من نوع عصري ومتطور تحتوي هذه الأزمة الغريبة. وهي مقاربة قد لا تكون منتجة إذا ما وقفت فقط عند حدود عبارة أو جملة «بلغ السيل الزبى».

الأمن يعلنها: «بلغ السيل الزبى»… هوس الأردنيين بالتفاعل الإلكتروني يرهق الدولة و«الذباب الإلكتروني» يقلق المجتمع
فبركات وتزوير تصل «المقام الملكي» ومفهوم «المواطن الصحافي» منفلت
بسام البدارين

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول نعيم اسعد:

    الحرية مسؤولية ولكن للمواطن الحق في التفاعل مع ما يجري خاصة في غياب منصات اعلامية محايدة وعدم الثقة في الرواية الرسمية بعد ان فقدت منابرها ومصداقيتها تماما…حرية الراي والتفاعل منحتها وسائل الاتصال الاجتماعي لايصال شكوى او مظلمة او تجاوز وهي كثيرة جدا ولفضح ممارسات غير دستورية تنتهك حقوق المواطن مثل قضية سائق الباص والمستشار في الديوان… تحاول الدولة تغطيتها من منطلق خلي المركب ساير ولكن المركب على وشك الغرق…نتفق مع التحلي بالمسؤولية عند نشر اي خبر ونختلف مع قمع الحرية وحق للمواطن في فضح وكشف اي تقصير. وفي النهاية الكرة في ملعب الدولة لتمارس محاسبة وفرض القانون على الكل… ولقد بلغ السيل الزبى عند المواطن كذلك.

  2. يقول فراس:

    لو توفر اعلام حر وصادق ينقل الخبر كما هو دون تزوير او مراعاة لاحد لما لجاء المواطن لوسائل التواصل الالكتروني لمتابعة ما يجري حولة , لكن عندما تكون جميع وسائل الاعلام موجهة وخاضعة اما لرؤى خارجية او لقرارات أمنية يفتقد المواطن الخبر الصادق فيلجاء للبحث عنة من خلال وسائل التواصل رغم علمه المسبق انها أيضا تخضع لتوجهات الناشر ولرأيه الشخصي

  3. يقول Dr arabi,UK:

    The government should ask the mobile companies to impose fees on each message or video or picture sent through the social media , this will deter the users from sending barrage of messages all day long when they know that it is no longer free and they have to pay for each message they send..

  4. يقول محمد علي حسين:

    ماذا ستفعل الحكومات العربية عندما يصبح الانترنت مجانا عن طريق اقمار صناعية خاصة؟؟ وهذا قريب جدا..
    اذكر قبل 70 عاما عندما كانت السلطات تفرض رسوما على اقتناء اجهزة الراديو. ثم جمع اجهزة الراديو كي تمنعهم من سماع اذاعة صوت العرب. و اذكر قبل 50 عاما عندما كانت شرطة الحدود تصادر الكتب السياسية و المجلات. ثم جاءت الفضائيات التلفزيونية و ما زالت الحكومات في صراع معها او عليها. و منذ 20 عاما بدأ الانترنت و من يدري ما بعده..
    المشكلة انهم لا يراجعون انفسهم و لا يعالجون الجذر…الحرية الحرية الحرية حق الناس لا يمكن ان يبقى مسلوبا…و السلطات في خدمة الناس الذين يدفعون رواتب كل السلطات لتخدمهم و ليس لتتحكم بهم….ووظيفة الدولة هي ضمان الامن و العدل و حقوق و كرامة الانسان و الضمان الاجتماعي و ليس تربية الناس او التحكم في سلوكياتهم و اعمالهم و سفرهم او اقامتهم بل التنظيم حسب ارادة الناس.

  5. يقول ابوعمر:

    العنف الأكبر هم هؤلاء(الأمنـــيين) هم أخطر على ألأمن نفسه…

  6. يقول سامح //الأردن:

    *للأخ (محمد علي حسين) حياك الله .
    تقول أنك تتذكر أحداث حصلت
    قبل (70)سنة..!؟
    ما شاءالله .
    زادك الله صحة وعافية وأطال في عمرك.
    سلام

إشترك في قائمتنا البريدية