مجريات ومخرجات «الوطني» واستقالة القدوة

حجم الخط
2

حضرت دورتين للمجلس الوطني الفلسطيني وثالثة للمجلس المركزي. الأولى كانت الدورة الثانية والعشرين التي عقدت برئاسة المغدور به الرئيس ياسر عرفات في قطاع غزة عام1996 .
وعقدت هذه الدورة، أو بالأحرى المهرجان، تحت تأثير «سكرة» اتفاق أوسلو الذي لم يكن قد مضى على توقيعه إلا نحو ثلاث سنوات، لإنجاز مهمة أساسية واحدة، وهي حذف الفقرات المتعلقة بالقضاء على إسرائيل والكفاح المسلح، وتحديث الميثاق الوطني الفلسطيني، ليتماشى مع «عهد السلام الجديد الذي يوفره أوسلو!». وحضرت ذاك المؤتمر ليس كعضو بل بصفتي الصحافية.
وحضرت الدورة الثالثة والعشرين للوطني التي اختتمت أعمالها فجر يوم الجمعة الماضي في قاعة أحمد الشقيري في مقر الرئاسة في رام الله. وشاركت هذه المرة كمرشح لعضوية المجلس بصفتي رئيسا للجالية الفلسطينية، وجرى تثبيت عضويتي مع كثيرين غيري. وفي منتصف يناير الماضي شاركت كضيف في دورة المجلس المركزي التي عقدت للرد على قرار الرئيس ترامب المجحف والمرفوض، قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها الذي يفترض أن يتم بعد غد الاثنين في الذكرى السبعين لنكبة الشعب الفلسطيني وقيام الكيان الصهيوني.
الغرض من هذه المقدمة هو المقارنة بين مجريات ومخرجات هذه المؤتمرات الثلاثة التي كنت فيها شاهدا.
وحقيقة أن مجريات الدورة الأخيرة للمجلس الوطني لم تختلف كثيرا عن غيرها، سواء في أسلوب إدارة الجلسات، أو في الخطابات أو الكلمات التي ألقيت، ويمكن القول أيضا إنه لم يكن هناك تغيير في الوجوه والاسماء التي ألقت هذه الخطابات، وهي بمعظمها خطابات رنانة فارغة المضمون، وربما فاقدة للمصداقية، ومحتوياتها وكلماتها مكررة، الغرض منها هو تفريغ شحنات الغضب الداخلي. وأكاد أجزم أن ما يصل إلى 90% مما قيل في الدورة الثالثة والعشرين، هو نسخة مكررة عما قيل من قبل في اجتماع المركزي الأخير وربما اجتماعه في مارس 2015، والقرارات نفسها أيضا اتخذت.
وفي هذه المناسبة فإن تلك الخطابات لم تخرج كثيرا عن نطاق التصريحات التي تصدر عن معظم المسؤولين الفلسطينيين في كثير من القضايا، انطلاقا من قاعدة «أنا أتحدث فأنا موجود»، وليس مهما مضمون الحديث وفائدته للقضية وانعكاساته السلبية عليها.
باستطاعتي القول، وانا مرتاح الضمير، أن اكثر من نصف اعضاء المؤتمر كانوا يتواجدون في خارج القاعة، يحتسون المشروبات ويدخنون، وتقل النسبة أو تزيد وفقا لأهمية المتحدث، لا أهمية ما يقول، أما الموجودون في القاعة فمعظمهم مشغول بأحاديث جانبية. وكان الأولى بالخطباء أن يعزفوا عن خطاباتهم التي كانت تطول في بعض الأحيان لأكثر من نصف ساعة لصالح التأكيد على تشكيل لجان تبحث في مجمل القضايا والعناوين، وتتوصل إلى مقترحات تقدم لرئاسة المجلس للتصويت عليها، بدلا من لجنة الصياغة الوحيدة. وبذلك نكون قد ضربنا عصفورين بحجر واحد، الأول تثبيت مبدأ تشكيل اللجان التي يشارك فيها غالبية الأعضاء بدلا من بضعة متحدثين، وتثبيت مبدأ التصويت بالاقتراع على هذه المقترحات، بعد مناقشتها بشكل مستفيض. هذا ما كنا نفعله على نحو مصغر في مؤتمرات فروع الاتحاد العام لطلبة فلسطين وحتى في المؤتمرات العامة، التي حضرت منها المؤتمر السابع الذي عقد في العاصمة الجزائرية عام 1974، وانتخبت فيه عضوا في المجلس الإداري (27 عضوا) الذي تشبه سلطاته سلطات المجلس المركزي، إلى جانب صخر بسيسو وناصر القدوة وعزام الأحمد وآخرين غيرهم.
كان هناك اعتراض من البعض على الطريقة التي يتم فيها اختيار الاعضاء، وكان هناك عدد لا بأس فيه، لاسيما من المستقلين، يطالبون بانتخاب، على الأقل، أعضاء اللجنة التنفيذية، أو الأعضاء المستقلين في اللجنة. ولكن ما تم وفق الطريقة المتبعة التي يفترض أنها تحافظ على كينونة منظمة التحرير، التي أكد جميع المتحدثين عن أهمية الاحتفاظ بها كحاضنة للمشروع الوطني الفلسطيني وممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، فحتى الجبهة الشعبية التي قاطعت الدورة الأخيرة، رفضت أي طروحات بديلة، وتصر على عقد مؤتمر وطني توحيدي يشمل حركتي حماس والجهاد الإسلامي. وهذا مطلب لا خلاف عليه على الاطلاق، وبالمناسبة فانه لو جرى التوصيت فما كان سيسمح لاحد بالفوز سوى من تريده حركة فتح، لأن غالبية الاعضاء ينتمون إليها.
أنا شخصيا أدعو إلى أن يتم انتخاب جميع أعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة بالاقتراع السري، ولكن وقبل ذلك لابد من تشكيل مجلس وطني توحيدي جديد قائم على الانتخابات، حيثما أمكن ويخرج عنه مجلس مركزي ولجنة تنفيذية جديدان مختلفان، يسمح باجراء انتخابات نزيهة؟ ويفتح فيه المجال للطاقات الشابة لكي تأخذ دورها في تحقيق المشروع الوطني وإقامة الدولة وبناء المؤسسات السياسية والشعبية القادرة على مواجهة الظرف العصيب، الذي تمر به القضية الفلسطينية، مؤسسات قادرة على الوقوف أمام المؤامرات التي تحاك ضد الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها «صفقة القرن» الترامبية الرامية إلى تصفية القضية. وإلى أن يتحقق ذلك ونأمل أن يكون قريبا، فإن كل شيء سيبقى على ما هو عليه.
وهذا ينقلني إلى موضوع استقالة ناصر القدوة من عضوية اللجنة المركزية لحركة فتح، وهو رجل ومسؤول احترمه وأقدره واتوسم فيه خيرا، وكنت اتوقع له مستقبلا زاهرا في قيادة الشعب الفلسطيني، وحقيقة انني فوجئت ربما كالكثيرين باستقالة القدوة، ليس لصراعات داخل الحركة، وإن لم يستبعد وجودها، ومبرره للاستقالة التي لن يتراجع عنها، كما قال لي في اتصال هاتفي، مؤكدا على انها ليست استقالة تكتيكية، بل قرارا نهائيا لا رجعة فيه.
الاعتراض والاحتجاج على بعض مجريات ونتائج المؤتمر اعتراض على بعض المستقلين الـ35 الذين جرى ضمهم إلى عضوية المجلس المركزي وأنا واحد منهم، والدور الذي لعبته مركزية الحركة، في هذه الدورة للمجلس الوطني التي اختتمت اعمالها فجر يوم الجمعة الماضي. يضاف إلى ذلك كما قال القدوة، «تراكمات سابقة متعلقة بعمل اللجنة المركزية». كتاب الاستقالة الذي سلمه القدوة يوم السبت الماضي، رفضته الحركة بعد يومين على تسلمه، مؤكدة على أن اللجنة المركزية ستبحث في اجتماعها المقبل الحيثيات التي وردت في كتاب الاستقالة.
وطبعا الاستقالة هي حق من حقوق الدكتور القدوة الذي يشغل أو شغل منصب مفوض الاعلام والثقافة في الحركة، والقرار فيها قرار خاص به وحده، ولكن حقيقة انه لم يقدم سببا مقنعا لهذه الاستقالة، ولم يستجد شيء في هذه المؤتمر يستدعي اتخاذ قرار بهذه الخطورة خاصة أن مجريات ونتائج هذه الدورة لم تختلف عن سابقاتها التي شارك فيها ناصر، يثير علامات استفهام، ولو افترضنا جدلا أن ما يسوقه ناصر، من مبررات صحيح، فإن الأولى به أن يستقيل من عضوية المجلس الوطني التي يحتفظ بها منذ نهاية السبعينيات، وليس من مركزية فتح، خاصة أن الاحتجاج يتعلق بمؤتمر «الوطني»، فما ساقه ناصر من مبررات غير مقنع غلى الاطلاق، وهذا يجعلنا نتساءل إن كانت هناك اسباب خفية؟ والمخفي دائما أعظم.
واخيرا فإن إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير على أسس عصرية وحديثة، وتحقيق الوحدة الوطنية وإعادة اللحمة لمكونات الشعب الفلسطيني، بإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، والاتفاق على برنامج سياسي حد أدنى، وتعزيز صمود شعبنا وتثبيته فوق ارضه ومواجهة اعتداءات المستوطنين التي لا تتوقف، وآخرها محاولة حرق عائلة ثانية من الدوابشة قرب نابلس، والاتفاق على أساليب المقاومة، في مقدمتها المقاومة الشعبية كالتي يخوضها شعبنا في قطاع غزة، هذه هي بعض من الأهداف الأساسية الملحة التي لا بد من تحقيقها في أقرب فرصة ممكنة، كي نكون مستعدين لما هو آت وهي بالتأكيد أعظم وتتطلب توفير كل الجهود والطاقات.
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

مجريات ومخرجات «الوطني» واستقالة القدوة

علي الصالح

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول علي الحيفاوي:

    أوافقك الرأي أن الأسباب التي قدمها ناصر القدوة لتبرير إستقالته ليست مقنعة، ولكن الأسباب الحقيقية هي لأن اللجنة المركزية لحركة فتح لم تختاره لكي يكون عضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. هذه الإستقالة ليست سوى حرد وتكتيك يستعمله لكي يلفت الأنظار له. القدوة يطمح أن يتبوأ مراكز قيادية للشعب الفلسطيني وقرار تنحيته يضعف الأمل في هذا الطموح.

  2. يقول الدكتورجمال البدري:

    مقالك سيدي سأعتبره كقاريء ؛ تقديرموقف ( قبل رحيل الشاهد ).فإذا كان الحال كما وصفت فلن يكون من سند للقضية الفلسطينية من أهلها منْ هوأهل للمسؤولية الآن.وبالتالي لا أقول اليأس القاتل حجمه أكبرمن الأمل الفاعل بل أقول إنّ رجال المرحلة ليسوا بمستوى الفضية…وبما أنّ فلسطين ليست مجرد جغرافية وسياسة بل قضية ممتدة بين السّماء والأرض ؛ فهي بحاجة لرجال لهم إراد السّماء والأرض ؛ لعلّ في الأجيال القادمة سيولد منها هذا النوع ( البرسمائي ) أوالبرمائيّ.و: { قد يجمع الله الشتيتين بعدما…يظنّان كلّ الظنّ أنْ لا تلاقيا }.

إشترك في قائمتنا البريدية