ماذا بعد تدويل الصين للعقود الآجلة لخام الحديد؟

حجم الخط
0

تعتبر صناعة الحديد والصلب ثاني أكبر صناعة في العالم بعد صناعة النفط والغاز بحجم أعمال يقدر بحوالي 900 مليار دولار سنويا، وتعد الصين أكبر مستورد لخامات الحديد على مستوى العالم، وخلال السنة المنصرمة استوردت 1.075 مليار طن من خام الحديد، وهو ما يمثل أكثر من 75 في المئة من حجم التجارة العالمية لخامات الحديد المنقولة عبر البحار. وتصل نسبة اعتماد الصين على خام الحديد الخارجي إلى أكثر من 85 في المئة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى بلغ حجم صفقات العقود الآجلة لخام الحديد في بورصة داليان الصينية خلال السنة المنصرمة حوالي 32.9 مليار طن لتكون بذلك أكبر سوق للعقود الآجلة لخام الحديد، وهي أكبر بـ 24 مرة من ثاني سوق عالمي للعقود الآجلة لخام الحديد بورصة سنغافورة .
والصين التي تعتبر أكبر مستورد، ومستهلك، ومنتج لخامات الحديد، حيث بلغ حجم إنتاجها خلال 2017 حوالي 1.23 مليار طن، افتتحت في 4 أيار/مايو باب التداول في العقود الآجلة لخام الحديد أمام المستثمرين الأجانب، فيما يعد خطوة أخرى أكثر جرأة لانفتاح القطاع المالي الصيني باتجاه المستثمر الأجنبي، وذلك بعد افتتاح بورصة شنغهاي العالمية للطاقة لتداول العقود الآجلة للنفط المقومة باليوان، ما يشير إلى تنفيذ الصين حرفيا للوعود التي أطلقها الرئيس شي جين بينغ خلال منتدى بوآو الأخير، حيث وعد الرئيس الصيني العالم بمواصلة تعميق الانفتاح، وتوسـيع نطاق الوصول إلى أسـواقها وقطاعها المالي.
تدويل الصين لسوقها الأكبر عالميا للمادة الخام عن طريق السماح للمستثمرين الأجانب تداول العقود الآجلة لخام الحديد في بورصة داليان للسلع هي خطوة متقدمة في حربها الإستراتيجية التي تقودها منذ سنوات مع الأربع الكبار (فالي، ريو تينتو، بي.اتش.بي وفورتيسك ميتالز) المسيطرين الفعليين حاليا على مصيرتسعير خام الحديد عالميا.
ويبدو أن، الصين اليوم لم تعد تكتفي بكون طلبها المتسارع على المادة الخام خلال العشر سنوات الأخيرة كان هو السبب المباشر وراء تحويل خام الحديد إلى سلعة استراتيجية في سوق السلع العالمي، بل تسعى منذ فترة إلى زيادة تأثيرها على تسعيره عالميا، حيث تبنت استراتيجية تهدف إلى الحد من تحكم الأربع الكبار في الأسعار، وتتركز على ثلاثة محاور رئيسية هي: تخفيض قدراتها الإنتاجية من الصلب بحوالي (100 إلى 150 مليون طن) خلال 5 سنوات، وهو ما يمثل حوالي 15 في المئة من إنتاجها من الصلب، وزيادة نسبة إعادة تدوير الحديد المستخدم، حيث تسعى الصين إلى ضرب عصفورين بحجر واحد من خلال إعادة تدوير الخردة، فمن جهة التخلص من أطنان الخردة التي تشكل مشكلة بيئية، ومن جهة أخرى استخدامها كبديل للاستغناء عن خامات الحديد المستوردة خاصة الخامات عالية التركيز. وتشير تقارير رابطة صناعة الحديد والصلب الصينية إلى أن حجم إنتاج خردة الحديد في الصين قد تضاعف أربع مرات في الفترة ما بين 2002 و 2016 ليصل إلى رقم قياسي حوالي 143 مليون طن سنويا، وهذه الكمية تكفي كبديل عن حوالي 200 مليون طن من خامات الحديد، ومن المتوقع أن يرتفع حجم إنتاج الصين من الخردة إلى حوالي 200 مليون طن سنة 2020.
أما المحور الثالث فهو الحديد الافريقي، الذي قد يكون ورقة الصين الرابحة في حربها مع الأربع الكبار بعد تمكنها من وضع يدها على مناجم مهمة في كل من غينيا، وسيراليون، وليبيريا، والجزائر وغيرها، مثل: منجم تانغ كيلي في السيراليون، ومنجم سيماندو في غينيا، ومنجم بونغ بونغ في ليبيريا ومنجم غار جبيلات الجزائري؛ مما قد يمنح الصين مستقبلا إمكانية إنتاج أكثر من 100 مليون طن من خامات الحديد المناجم الافريقية سنويا.
إن تدويل الصين لتداول العقود الآجلة لخام الحديد، وخلقها بذلك أكبر سوق عالمي لهذه المادة الخام قد يكسبها المزيد من قوة التأثير على أسعار خام الحديد عالميا، ويبدو أن بورصة داليان للعقود الآجلة لخام الحديد قد تكون أكثر عالمية، وجاذبية، ومصداقية من بورصة شنغهاي العالمية للعقود الآجلة للنفط.

ماذا بعد تدويل الصين للعقود الآجلة لخام الحديد؟

د. يربان الحسين الخراشي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية