واشنطن/كابول – رويترز: ينذر قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيرانـ وإعادة فرض عقوبات عليها، بعرقلة مشروع من شأنه أن يساهم في بناء اقتصاد أفغانستان، مما يشكل خطرا على هدف رئيسي في الاستراتيجية الأمريكية الرامية لإنهاء أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة.
ويجري تطوير مشروع ميناء تشابهار المدعوم من الهند في إيران في إطار ممر جديد للنقل إلى أفغانستان التي لا توجد لها منافذ بحرية، حيث يمكن أن يفتح لها المجال أمام تجارة بملايين الدولارات ويقلص اعتمادها على جارتها باكستان التي تتخذ منها موقفا عدائيا في بعض الأحيان.
وسيخفض بناء اقتصاد أفغانستان أيضا اعتماد كابول على المساعدات الأجنبية، ويحد كثيرا من تجارتها غير المشروعة في الأفيون، المصدر الرئيسي لإيرادات حركة طالبان.
لكن قرار ترامب بإعادة فرض عقوبات على إيران ومعاقبة المؤسسات المالية التي تجري معاملات مع طهران يلقي بظلال من الضبابية على استمرارية مشروع تشابهار، مع إحجام البنوك عن التمويل خشية وقوعها تحت طائلة عقوبات قاسية.
وقال دبلوماسي هندي كبير «أعادنا قرار الرئيس ترامب إلى نقطة البداية، وعلينا أن نعيد التفاوض حول شروط استخدام تشابهار…إنه مسار ربما يغير طريقة ممارسة الهند وإيران وأفغانستان لأنشطة الأعمال، لكن حالة من الغموض تكتنف كل شيء الآن».
ولم يستجب البيت الأبيض لطلبات للإدلاء بتعليق.
وكان مشروع تشابهار المشترك بين إيران والهند وأفغانستان، الذي جرى تدشينه في 2016، يواجه عقبات بالفعل. فهو لم يشهد حتى الآن حركة كبيرة باستثناء بعض حاويات قمح المساعدات من الهند، ومن المستبعد أن تصل أولى شحنات الفواكه الأفغانية المجففة إلى الهند قبل يوليو/تموز.
وقال مصدر مُطَّلِع ان ثلاثة عقود على الأقل لتشييد البُنية التحتية في الميناء قد تأخرت، حيث تعطلت شركتان صينيتان ومجموعة فنلندية بعد أن تُركت معلقة في ظل سعي البنوك لاستيضاح الأمر من واشنطن قبل الموافقة على ضمانات.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن التجار الأفغان الذين كانوا يأملون في بديل لميناء كراتشي الباكستاني يجدون أنفسهم الآن معزولين عن التمويل، وهو ما اضطرهم إلى لاعتماد على نظام الحوالة التقليدي في تحويل الأموال والذي لا يعد كافيا وحده لإحداث تحول في الاقتصاد. والحوالة نظام يعتمد على الثقة يشيع استخدامه في أفغانستان وغيرها من الدول التي ليس لديها نظم مصرفية متطورة. ويتضمن انتقال الأموال مباشرة من طرف إلى آخر في بلدين مختلفين.
وقال مسؤول تنفيذي كبير في أحد البنوك الأفغانية الكبرى «نعلم أن بنوك المراسلة التي نتعامل معها لن تسمح لنا بدفع ثمن الواردات التي تأتي من خلال الميناء».
وتشابهار أحد مشروعات النقل ومشروعات شبكات الطاقة التي تهدف إلى تعزيز تجارة أفغانستان، وإرساء أسس قطاع تعدين يمكنه الاستفادة من احتياطياتها المعدنية غير المستغلة التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات.
وبتفادي الحدود مع باكستان، التي أُغلقت العام الماضي لنحو 50 يوما بسبب خلافات، يعتبر تشابهار وسيلة تدعم من خلالها أفغانستان علاقاتها مع الهند وقوى إقليمية أخرى.
وقال بارنيت روبن، الخبير في مركز التعاون الدولي التابع لجامعة نيويورك والمستشار السابق في وزارة الخارجية الأمريكية والأمم المتحدة «الوسيلة الوحيدة لتعزيز مشاركة الهند» في تنمية اقتصاد أفغانستان ستكون «من خلال تشابهار». وتابع «سياستنا حيال إيران تتجه إلى التصادم مع سياستنا في أفغانستان».
وأضاف أنه بعد نحو 17 عاما من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للإطاحة بحكم طالبان، لا تزال أفغانستان من بين الدول الأشد فقرا في العالم، والتي تعتمد بشكل كبير على المساعدات الأجنبية.
وباستثناء صادرات الأفيون غير المشروعة التي يقدرها «صندوق النقد الدولي بنحو ملياري دولار» سنويا، تتمثل منتجات البلاد الرئيسية في الفواكه المجففة والطازجة والسجاد، وقيمة كل منها ضئيلة للغاية مقارنة مع تجارة المخدرات.
وقال خبراء ان أفغانستان ستصدر في البداية منتجات زراعية، مثل الرمان والعنب، من خلال تشابهار، مستخدمة جزءا من طريق دفعت الهند تكلفته ثم امتدادا إلى الحدود الإيرانية شيدته نيودلهي أيضا.
وفي نهاية المطاف، ربما تتوسع تلك الصادرات لتشمل الموارد المعدنية، وهو ما أبدى ترامب اهتماما باستفادة الشركات الأمريكية منها.
وبالنسبة للهند، فإن ذلك يعني استخدام مسار سكك حديدية مزمع إلى تشابهار لتصدير خام الحديد من منجم حاجي جاك في وسط أفغانستان الذي فازت الهند بحقوق استغلاله.
وقال توماس لينش الخبير العسكري الأمريكي «الجانب الاقتصادي مهم حقا لإعطاء بصيص من الأمل لأفغانستان لتتحرك خارج حدود الاقتصاد المحاط باليابسة القائم على الأفيون…لا توجد طريقة أخرى قانونية وموثوقة لفعل ذلك. فإنك لا تستطيع فعل ذلك جوا، ولا من خلال باكستان لأنهم لا يفعلون شيئا إلا وصاحبه ابتزاز. شريان الحياة يجري عبر تشابهار».
وبالإضافة إلى ذلك، فإنه بعرقلة تطوير تشابهار ستترك واشنطن أفغانستان معتمدة على باكستان، التي كانت شريكها التجاري الرئيسي ومنفذها على العالم.
وسيقوض ذلك هدفا آخر لترامب يتمثل في الضغط على إسلام أباد للقضاء على معاقل المسلحين الأفغان على حدودها ودفع المتشددين إلى محادثات سلام.
وضغط المسؤولون الأفغان بشدة للحصول على إعفاء من العقوبات للشركات الأفغانية التي تعمل من خلال تشابهار، لكن دون جدوى، وينتظرون توضيحا من واشنطن.
وقال عتيق الله نصرت الرئيس التنفيذي لغرفة التجارة والصناعة في أفغانستان «هناك غموض الآن ولا نعرف ما الذي سيحدث لتشابهار… لم نسمع شيئا، ولذا علينا أن ننتظر ونرى ما سيحدث».
8Akh