أبرز مؤرخ عسكري إسرائيلي: هربنا من لبنان ولم ننسحب وحتى بعد 18عاما لا يمكن نسيان مشاعر العار

حجم الخط
0

الناصرة ـ «القدس العربي»: في الذكرى الثامنة عشرة لانسحاب إسرائيل من لبنان يرى أهم مؤرخ عسكري فيها أنها هربت من هناك وخانت حلفاءها اللبنانيين، داعيا لاستخلاص العبر والدروس. ويقول إن جنرالات أيدوا الانسحاب لكنهم لا يستطيعون نسيان مشاعر الذل والعار المترتبة عليه. ويقتبس المؤرخ دكتور أوري ميليشطاين في دراسته عن بعض هؤلاء الضباط ومنهم الجنرال بالاحتياط نوعم بن تسفي مسؤول الوحدة الغربية في جنوب لبنان، الذي يقول إنه لا يعرف تماما إذا كان الهرب هو نتيجة خلل في التنفيذ أو أنه مخطط وضعه قادة المستويين السياسي والعسكري وتم إخفاؤه عن قادة الجيش.
ويقول بن تسفي عن الانسحاب الإسرائيلي الأحادي إن كل شيء كان مخططا له دون إطلاع القادة الميدانيين ممن كانوا يؤيدون الانسحاب، شريطة أن يكون منتظما، لافتا إلى أنه حتى اليوم لا يعرف لماذا تم الانسحاب بطريقة عجولة وفوضوية. ويستذكر بن تسفي أن ضباطا عسكريين في المنطقة الشمالية كانوا عشية القرار بالانسحاب في مايو/أيار 2000 يؤيدون في مداولات داخلية انسحابا منتظما، فيما عارضه قائد هيئة الأركان شاؤول موفاز ، بينما لم يتخذ موقفا كل من قائد لواء الشمال غابي اشكنازي وضباط آخرون معه.

حدث مدهش

لكن رئيس الحكومة ووزير الأمن وقتذاك إيهود باراك حسم الموضوع نحو خطة انسحاب منظمة في نهاية يونيو/حزيران 2000 ، فشرع الجيش بإخلاء قواعد عسكرية وتحويلها مع العتاد لجيش لبنان الجنوبي. ويستذكر بن تسفي أن « حدثا مدهشا قد حصل: بدلا من انسحاب منظم شهدنا هربا. حتى من كان مؤيدا للانسحاب لا يستطيع نسيان عار الهرب من لبنان.
ويستذكر المؤرخ ميليشطاين أن باراك وعد عشية الانتخابات العامة في 1999 بسحب الجيش الإسرائيلي من لبنان في حال انتخب رئيسا للحكومة وذلك على خلفية الشعور بالإرهاق لدي الإسرائيليين من الاستنزاف المتواصل الذي تسبب بموت وإصابة عدد كبير من الجنود في لبنان.
وتقتبس الدراسة عن جنرال آخر هو سامي مغيدو المسؤول عن العلاقات مع قائد جيش لبنان الجنوبي أنطوان لحد، فيقول إن قوات جيش لبنان الجنوبي شعروا بالخوف من أن إسرائيل ستتخلى عنهم بعد وعد باراك المذكور مما تسبب بزعزعتهم وبالمساس بثقتهم بإسرائيل. ويتابع « كثرت أسئلة هؤلاء الضباط اللبنانيين ولم تكن هناك أجوبة فزادت عمليات الفرار من جيش لبنان الجنوبي، فيما توقف آخرون عن القيام بمهامهم وكفوا عن قول الحقيقة وأخذوا يتعاونون مع الجيش اللبناني ومع حزب الله. ويشير لحصول تسريبات مفادها أن الجيش الإسرائيلي يخفي خطته للانسحاب بغية مفاجأة عدوه، مرجحا أن ذلك تم نتيجة توصية المخابرات العامة (الشاباك) لوكلائهم في جنوب لبنان بالانتقال إلى إسرائيل. ويقتبس ميليشطاين عن نبيه أبو رافع أحد ضباط جيش لبنان الجنوبي قوله إنه بادر ولحد للقاء باراك في تل أبيب وهو من جهته حاول طمأنتهم بالقول « سيكون كل شيء على ما يرام « دون أن يطرح عليهم خطته.

لماذا سافر لحد لفرنسا

ويكشف أن لحد عاد والتقى موفاز في قاعدة عسكرية في الجليل الأعلى وأخبره أن الجيش يعارض انسحابا أحاديا لكنه لا يستطيع ضمان قرار باراك بهذا الخصوص وبعد اللقاء طار إلى فرنسا وعاد في يوم الانسحاب. ويعتقد أبو رافع أن الجنرال لحد كان يعلم بخطة باراك السرية، لكنه سافر لفرنسا كي لا يطلب منه تقديم أجوبة لأسئلة ضباطه وجنوده. من جهته قال لحد،حسب شهادة بن تسفي، إن إسرائيل هي التي خططت وأرسلته لأوروبا كي تقوم بالانسحاب باليوم المحدد في 23 مايو/أيار. لكن الجيش الإسرائيلي بدأ في العاشر من مايو/أيار بنقل معداته وتسليم بعض قواعده لجيش لبنان الجنوبي.

القصة منتهية

وعن ذلك قال أبو رافع «عندئذ أدركنا أن الجيش الإسرائيلي يتركنا وشأننا. نظرت بعيون جنودي وفكرت بما سأقول لهم. خلال جلساتنا قال أحد ضباطي سأبقى في لبنان حتى داخل السجن، فيما قال آخر إنه سيهرب للولايات المتحدة. قررت الاستسلام للجيش اللبناني فاتصلت ببيروت لكنهم لم يردوا علينا. طالما كان لحد في فرنسا فقد كنت الضابط الأعلى رتبة فالتقيت بالعسكري الذي صار مستقبلا قائدا للجيش بيني غانتس في مرج عيون قبيل الانسحاب بيوم فقال لي : أنتم مهمون بالنسبة لنا وستبقون معنا للنهاية وستحصلون على رواتبكم. كان بجانبي عنصر من مخابرات جيش لبنان الجنوبي فاقترب مني وقال هامسا: « قالوا لنا أن نترك الليلة» وعندئذ قلت لغانتس: لا تكمل حديثك فالقصة منتهية «. وفي اليوم التالي شهدت قرية القنيطرة جنازة للأهالي تجاوزت الخط الأحمر وامتنع الجيش الإسرائيلي عن إطلاق النار على المشيعين فأدرك حزب الله أن قواعد اللعبة قد تغيرت فانضم للمسيرة وانتقل من هناك لقرية الطيبة وسيطر على قاعدة لجيش لبنان الجنوبي الذي بدأ ينهار ويخلي جنوده الثكنات العسكرية بدون تعليمات مما فاجأ شاؤول موفاز الذي كان يشارك في تلك الساعات في تدريب عسكري شهده الجليل. وينقل ميليشطاين عن الجنرال بالاحتياط غيورا آيلاند قوله إنه عندما تزايدت المسيرات الشعبية في جنوب لبنان تمت جلسة في مستوطنة زرعي في الجليل الأعلى بمشاركة رئيس الحكومة ووزير الأمن وقائد الجيش وقائد لواء الشمال وجنرالات آخرين للتداول بالسؤال ما العمل بعدما بدأ جيش لبنان الجنوبي ينهار. ويقول آيلاند إن الخيارات المطروحة كانت صعبة، وإن ما ساعد باراك على اتخاذ قراره بالانسحاب الفوري لا يرتبط فقط بحالة تفكك جيش لبناني الجنوبي بل هو التزامن مع حدث سياسي، ففي ذاك اليوم شهدت الأمم المتحدة مداولات هدفها تخويل سكرتيرها العام الاتفاق مع إسرائيل على الانسحاب من لبنان وترسيم الحدود معه. ويتابع آيلاند» معنى ذلك أن بمقدور إسرائيل القيام بما تريده بالاعتماد على قرار الأمم المتحدة «.

واحد من فصول المهانة

وينقل ميليشطاين قوله إن لحد عاد من فرنسا في يوم الانسحاب وفي مطار اللد الدولي التقاه جنرال إسرائيلي اصطحبه لمكتب باراك وهناك سأل هل تتوقع أن نواصل السيطرة على حزام أمني؟ لكن باراك لم يعقب على السؤال وقال إن لبنان سيشهد ازدهارا اقتصاديا وإن الغرب سيستثمر فيه الكثير وسيعيش اللبنانيون بجودة عالية. وبعد اللقاء سأل غانتس الجنرال لحد عما سمعه من باراك فقال: سمعته ولم أفهم وهكذا الجنرال المرافق أيضا أجاب. ويقول أبو رافع إنه في ذاك اليوم اتصل على هواتف عدة ضباط إسرائيليين، ولاحقا تبين أنهم تلقوا تعليمات بعدم الرد علي مكالماتي، وتابع واصفا الإهانة التي خبرها « اتصلت بعضو الكنيست الدرزي أيوب قرا فدعاني للقدوم لبوابة فاطمة الحدودية وبعد قليل جاءتني مكالمة من ابن عمي حذرتني من ضباط في جيش لبنان الجنوبي ممن انتقلوا لحزب الله وغيروا مواقعهم. فعلا وصلت مع زوجتي وأبنائي الأربعة فاجتزنا الحدود ووصلنا لقرية حرفيش في الجليل حيث تركت عائلتي وعدت لجنوب لبنان وهناك التقيت مع بعض ضباط جيش لبنان الجنوبي لكنهم أمروني بإلقاء سلاحي وهم يقولون: مهمتك قد انتهت.. إذهب لإسرائيل فهناك ستأكل شرائح الدجاج الإسرائيلي. أخذوا سلاحي وتركوني في البراري وحيدا بالقرب من قرية الغجر فمشيت كثيرا حتى وصلت الى سيارتي فخلعت بزتي العسكرية وقدتها وأنا بثيابي الداخلية نحو بوابة فاطمة ومنها إلى حرفيش «.
هربنا من لبنان كما هرب المصريون من سيناء
كما ينقل ميليشطاين عن بن تسفي قوله إنه عاد في ذلك اليوم من هولندا ومن المطار طار لجنوب لبنان فوجد بعض الوحدات الإسرائيلية تنسحب على عجل تاركة معدات ثقيلة وأجهزة سرية جدا. شاهدت طوبير اللبنانيين يتدافعون نحو بوابة فاطمة وبعد يومين التقيتهم في معسكر أعد لهم بجوار طبريا وهناك سألت غانتس عما جرى فقال إنه لا يعرف فقلت له إلق المفاتيح واستقل من منصبك. هربنا من لبنان كما هرب الجنود المصريون في سيناء. هم تركوا جزماتهم العسكرية ونحن تركنا معدات عسكرية خلفنا.
ويخلص ميليشطاين للاستنتاج أن الجيش الإسرائيلي تلقى معلومات بعدم إطلاق النار على المسيرات الشعبية كي لا يقع قتلى لبنانيون ويعرض جنوده الإسرائيليين للأذى. ويقول أبو رافع إن الانسحاب كان غريبا ومعقدا حيث أطلق رجال حزب الله النار نحو بوابة فاطمة دون رد إسرائيلي، مما أدى لنسج صورة بأن إسرائيل دولة ضعيفة يمكن إلحاق الهزيمة بها. ويخلص للاستنتاج أن إسرائيل خانت عهودها مع جيش لبنان الجنوبي ومع حلفائها ونحو رجالات جيش لبنان الجنوبي لم نسدد الثمن لأننا كنا الثمن ذاته».
وردا على ما قيل قال باراك في تعقيبه إنه فخور بسحب الجيش من لبنان ووضع حد لمأساة دامت 18 عاما كلفت إسرائيل مئات القتلى وآلاف الجرحى.

أبرز مؤرخ عسكري إسرائيلي: هربنا من لبنان ولم ننسحب وحتى بعد 18عاما لا يمكن نسيان مشاعر العار

وديع عواودة:

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية