نواكشوط – «القدس العربي»: تقدمت هيئة المعارضة الموريتانية وهي مؤسسة دستورية أمس للغرفة الإدارية في المحكمة العليا بعريضة ضد رئاسة الجمهورية طالبت فيها بإلغاء القرار الإداري الصادر بتاريخ 18 أبريل/نيسان 2018 والمتضمن تعيين لجنة تسيير اللجنة المستقلة للانتخابات «لجنة الحكماء»، واعتباره «عديم الأثر لخرقه قوانين الجمهورية وتجاوزه لحدود السلطة».
وأكد الحسن ولد محمد رئيس مؤسسة المعارضة في توضيحات لـ «القدس العربي» أمس، «أن هيئة مؤسسة المعارضة ماضية في مسار عريضتها القضائية إلى أن يتحقق لها ما تطلبه وهو إعادة تشكيل لجنة الانتخابات على أسس سليمة تضمن إجراء انتخابات نزيهة وشفافة وذات مصداقية».
وأعرب ولد محمد عن أمله في «أن يتجاوب القضاء مع العريضة المؤسسة على حجج واضحة مستمدة من قوانين الجمهورية». وطالبت العريضة التي تصفحتها «القدس العربي» بين أمور أخرى «بإعادة تعيين لجنة تسيير اللجنة المستقلة للانتخابات وفق مقتضيات القوانين الموريتانية وإلزام الدولة الموريتانية ممثلة برئاسة الجمهورية بناء على ذلك باستقبال اقتراح زعيم المعارضة الديمقراطية المتعلق بتشكيلة لجنة التسيير باعتباره الحامي لحقوق المعارضة والمسهل لتمثيلها في المؤسسات الجمهورية وفقاً لما تنص عليه المادة 6 من قانون مؤسسة المعارضة».
وأسست هيئة المعارضىة الموريتانية طعنها الهادف إلى إلغاء المرسوم رقم 098 بتاريخ 18 أبريل/نيسان 2018 باعتباره قراراً إدارياً صدر مخالفاً لقوانين الجمهورية، على مجموعة من الوقائع والأسباب بينها مضمون قانون نظام المعارضة الديمقراطية الذي ينص على أن هيئة المعارضة مؤسسة من أجل تنسيق عمل التشكيلات السياسية المعارضة وحماية المعارضة وضمان حقوقها وتسهيل تمثيلها داخل المؤسسات الجمهورية.
وانتقدت العريضة «إصدار رئاسة الجمهورية لمرسوم تشكيل لجنة الانتخابات من دون تشاور مع مؤسسة المعارضة الديمقراطية الممثل القانوني للمعارضة الديمقراطية والحامية لحقوقها والمسهلة لتمثيلها داخل مؤسسات الجمهورية وهو ما يجعل المرسوم معيبا بالتعسف والشطط في استعمال السلطة وخرق القانون، عدا كون إصداره مخالفة صريحة لأحكام القانون رقم 2018-005 المعدل لبعض أحكام القانون النظامي رقم 2012-027 بتاريخ 12 أبريل/نيسان 2012 المتعلق بإنشاء اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات الذي ألزم رئاسة الجمهورية بتعيين لجنة تسيير اللجنة المستقلة للانتخابات «لجنة الحكماء» بناء على التشاور وعلى المقترحات المقدمة من الغالبية والمعارضة، وهو ما لم يقع بالصيغ والإجراءات المنصوص عليها في القانون، حيث تنص المادة 6 على أنه «يتم اختيار الأعضاء المقترحين للتعيين بشكل توافقي من ضمن شخصيات توجد على قائمة من اثنين وعشرين»22» عضواً يجري إعدادها بناء على اقتراحات الأغلبية والمعارضة بواقع أحد عشر عضوا يقترحهم كل فريق سياسي.
«وحـيث أن القانون رقم 2008- 019 بتاريخ 08 مايو/ أيار 2008 الذي يلغي ويحل محل الأمر القانوني رقم 024- 2007 بتاريخ 09 أبريل /نيسان 2007 المتضمن نظام المعارضة الديمقراطية، تضيف العريضة، ينص في المادة 3 منه على أن حقوق المعارضة غير قابلة للتصرف ولا تسقط بالتقادم وهي من النظام العام الذي لا يجوز الاتفاق على مخالفته، فإن مرسوم رئاسة الجمهورية واقع في عيب جوهري مؤثر على شرعيته الداخلية بسبب خرقه لقواعد قانونية آمرة وتجاوز السلطة التي أصدرته لحدودها المقررة قانونا، لذلك يجب إلغاؤه». وأكدت العريضة «أن تعيين لجنة تسيير اللجنة المستقلة للانتخابات بموجب المرسوم 098-2018 بناء على مشاركة بعض الطيف المعارض في اقتراح لجنة التسيير وحرمان الطيف الأكبر من المعارضة من حقه في الاقتراح، يجرد هذه اللجنة من صفة السلطة الجماعية المنصوص عليها في المادة 6 من القانون النظامي رقم 005/2018 أعلاه، وهو ما يعني عدم أهليتها لتسيير مشهد انتخابي جماعي تقتضي فلسفة وجود اللجنة المستقلة للانتخابات في جميع الأنظمة الديمقراطية، طمأنة جميع المشاركين فيه وتبديد جميع مخاوفهم من عدم نزاهة وشفافية الانتخابات فيه، بل تعتبر الظروف التي اكتنفت تشكيل هذه اللجنة مقلقة، وتؤكد مخاوف المعارضة من وجود نية للتحكم والتزوير».
ويأتي تقديم هذه العريضة الرافضة لتشكيل لجنة الانتخابات ليعقد الأمور، بينما قطعت السلطات خطوات في التحضير للانتخابات النيابية والبلدية والجهوية المقررة مستهل سبتمبر/أيلول القادم.
وإضافة لهذه العريضة التي تقدمت بها هيئة المعارضة، فإن منتدى المعارضة وهو تحالف كبير لأحزاب ونقابات المعارضة أعلن هو الآخر أنه «سيستخدم حقه عبر الطعن في شرعية اللجنة المستقلة للانتخابات».
وقال محمد ولد مولود الرئيس الدوري للمنتدى في تصريح أخير له «نعتبر اللجنة المستقلة للانتخابات فاقدة للشرعية والمشروعية، لأن القانون المنشئ لها ينص في مادته السادسة على أنها تشكل من طرف الغالبية والمعارضة، وواضح للجميع أن الذين نصبتهم السلطة في مكان المعارضة ليسوا معارضين فهم يمثلون طرفاً واحداً مع الغالبية».
وأضاف الرئيس الدوري للمعارضة «الذين شكلوا اللجنة المستقلة للانتخابات لا يملكون الصفة القانونية الشرعية التي تخوّلهم تشكيلها والاستئثار بذلك، ومن أقصى غالبية أحزاب المعارضة في موريتانيا لا يمكنه أن يدعي بأن اللجنة بتوليفتها الحالية لجنة شرعية ولا وطنية، فهي مشكلة من جهة واحدة».
وقال «إن ما ذهبت إليه السلطة بخصوص تشكيلها المعلن للجنة المستقلة للانتخابات قرار خطير لكونه يدفع الانتخابات المقبلة لتكون انتخابات تطبعها النزاعات والمواجهات».
ودافع ولد مولود عن الخطوات التي اتخذتها المعارضة مؤخراً، وقال: «خاطرنا بقبول التواصل السري مع النظام أملاً في التوصل لحد أدنى من التوافق حول ظروف وضمانات حرية الانتخابات بشكل يجنب البلد مزالق الصراعات والنزاعات، واختار النظام بإفشاله لهذا المسار بطريقته المعهودة وبإعلانه تشكيلة اللجنة المستقلة للانتخابات بشكل يقصى الأطراف الفاعلة في المعارضة، تعريض البلد للصراعات والنزاعات والدخول في استحقاقات حاسمة من دون الاتفاق على قواعد تنظيمها، وعليه أن يتحمل مسؤولية ذلك». وتحدث عن الشروط التي تقدمت بها المعارضة للسلطات فأوضح «أن المعارضة اشترطت إطلاق سراح سجناء الرأي، ووقف المتابعات القضائية في الداخل والخارج ضد الشيوخ والنقابيين والاعلاميين ورجال الأعمال وذلك من أجل تطبيع الحياة السياسية ولتهيئة أجواء من الثقة قبل الانتخابات».
وأضاف «اختارت السلطات فرض إرادتها ووضع جميع الفرقاء أمام الأمر الواقع من أجل استمرار النظام الحالي بطريقة أو بأخرى، وهذه التصرفات التي يقوم بها النظام حاليا مقلقة جداً على مصير المسار الانتخابي المنتظر».
وانتقد ولد مولود «قيام النظام الحاكم بمسابقة الزمن من أجل تكريس المسار الأحادي من خلال تمرير النصوص المتعلقة بالاستحقاقات القادمة والهيئات المشرفة عليها، من دون التشاور مع طيف واسع من القوى السياسية الفاعلة، وتهميشه وتجاهله، وإرغام عمال الدولة والوجهاء ورجال الأعمال، بالترغيب والترهيب، على الانخراط في حزب السلطة وخدمة مشروعها في فرض نفسها وإسكات كل الأصوات التي تطالب بالتغيير الديمقراطي في البلد».
وأكد «أن المعارضة ستقوم بالتوازي مع المشاركة بفرض مسار انتخابي توافقي يضمن حياد السلطة وتكافؤ الفرص أمام كل الفرقاء ويفتح الطريق أمام التناوب السلمي على السلطة»، مطالباً «بفرض رقابة جادة وكاملة من لدن الهيئات الدولية ذات المصداقية والتجربة في رقابة الانتخابات على غرار رقابة الانتخابات الرئاسية لسنة 2007، تلك الرقابة التي ظل النظام يتهرب من طلبها، حسب تعبيره، مكتفيا بالحضور الرمزي لمراقبة هيئات محابية».
وكان الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز قد أصدر في السابع عشر من إبريل/نيسان الماضي مرسوما بتشكيل لجنة الانتخابات بين الغالبية والمعارضة المحاورة مقصيا منها المعارضة الراديكالية. وبينما تسعى المعارضة بمؤسستها ومنتداها لإلغاء اللجنة الحالية، أكد بيجل ولد حميد رئيس حزب الوئام والقيادي في المعارضة المحاورة «أن على المعارضة المتشددة إعادة قراءة النصوص، فاللجنة المستقلة لا يمكن حلها بعد تشكيلها التوافقي لا من طرف المعارضة ولا من طرف الغالبية ولا من طرف رئيس الجمهورية، فحلها يستلزم وفاقاً وطنياً جديداً مماثلاً للوفاق الذي شكلت اللجنة على أساسه».